كاشفاً عن عدم الردع مع التمكّن منه ، وإلاّ لم تكن الحجّية شرعية ، ولا يكفي مجردّ كونها حجّة عقلائية ، فتأمّل وراجع ما حرّرناه في حواشي ص ٤٤ وما بعدها (١) وتأمّل.
نعم ، يمكن الركون إلى أصالة عدم الردع عمّا جرت عليه السيرة العقلائية في طريقة خاصّة مأخوذة من بعض مباحث دليل الانسداد ، وذلك بأن يقال : إنّ الشارع المقدّس قد جعل لنا أحكاماً ، ولا يصحّ منه أن لا يجعل لنا طرقاً توصلنا إلى تلك الأحكام ، إذ لا يحسن منه جعل الحكم وإيكالنا في الوصول إلى ذلك الحكم إلى ما يحكم به العقل من الاحتياط الناشئ عن الاحتمال أو عن العلم الاجمالي ، لما حقّق في محلّه من بطلان ذلك.
وحينئذ لابدّ أن يكون الشارع المقدّس قد جعل لنا طرقاً توصلنا إلى أحكامه ، إمّا تأسيساً أو إمضاءً لبعض ما جرت عليه الطريقة العقلائية من الطرق المتعارفة عندهم ، وحيث إنّه لم يقع ذلك التأسيس ولا الامضاء لطريق معيّن من الطرق العقلائية ، يكون ذلك إيكالاً منه لنا إلى جميع ما بأيدي العقلاء من الطرق ، ولو احتملنا أنّه قد ردع عن بعض معيّن من تلك الطرق كما صنع في القياس ، كان ذلك الردع عبارة أُخرى عن احتمال ما يشبه النسخ بالنسبة إلى ذلك الطريق ، فتكون أصالة العدم جارية فيه ولا تكون مثبتة ، لما عرفت من أنّه بعد فرض أنّه لم يؤسّس لنا طريقاً ولم يمض طريقاً معيّناً من تلك الطرق العقلائية يكون عدم ذلك التأسيس وعدم ذلك الامضاء إمضاءً لكلّ ما جرت به الطريقة العقلائية ، فلم يبق إلاّ احتمال أنّه حصل منه الردع بالنسبة إلى هذا الطريق الخاصّ العقلائي من بين
__________________
(١) الحاشية على ص ٤٤ تقدّمت في الصفحة : ٣٦١ ـ ٣٦٢ من هذا المجلّد ، وتأتي بعدها عدّة حواشٍ ، ولعلّ محلّ الشاهد منها ما ذكره قدسسره في الصفحة : ٣٧٣ وما بعدها.