بعضهم زيّنوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله الإيقاع ببني المصطلق تصديقاً لقول الوليد ، وأنّه عليه الصلاة والسلام لم يطع رأيهم ـ إلى أن قال ـ وقوله تعالى : ( وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ ) الخ تجريد للخطاب وتوجيه له إلى بعضهم بطريق الاستدراك ، بياناً لبراءتهم من أوصاف الأوّلين وإحماداً لأفعالهم (١) ، فراجعه. أمّا الرازي فقد نقل كلام الزمخشري بالمعنى واستحسنه وشرحه وأوضحه ، وزاد عليه توجيهاً آخر لقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ ) فراجعه (٢).
وحيث إنّ هذه الصفة المذمومة في بعضهم كانت من أظهر صفات عمر بن الخطّاب ، لما شاع عنه من كثرة الاعتراض على النبي صلىاللهعليهوآله أقامت المحشّي أحمد الأشعري وأقعدته ، ورمى الزمخشري بالتعريض بالصحابة وبسوء رأيه فيهم فراجع الحاشية المذكورة على هامش الكتاب (٣).
أمّا ما أفاده شيخنا قدسسره من أنّ حمل الجهالة على عدم العلم يوجب كون التعليل بأمر تعبّدي ، فقابل للتأمّل ، لأنّ العمل على غير العلم مذموم للعقلاء ، غايته أنّ لهم طرقاً يجرونها مجرى العلم. أمّا طريقة الحكومة التي أفادها قدسسره ثالثاً فقابلة للتأمّل ، حيث إنّه بعد البناء على أنّ المراد بالجهالة هو عدم العلم لصحّ الجواب بالتخصيص ، وقد منعه قدسسره.
وبالجملة : أنّ المفهوم ناشٍ عن دلالة القضية الشرطية على الحصر ، فهو في طول الدلالة على الحصر ، وعموم العلّة يمنع من ذلك الحصر والاختصاص ، لدلالته على وجود علّة أُخرى توجب التوقّف والتثبّت وعدم القبول ، وهي فيما لو
__________________
(١) تفسير أبي السعود ( المطبوع مستقلاً ) ٨ : ١١٨ ـ ١١٩.
(٢) راجع التفسير الكبير ٢٨ : ١٢٢ ـ ١٢٣.
(٣) الكشّاف ٣ : ٥٦٠ ـ ٥٦١.