ولا يخفى أنّ هذا المعنى أعني كون الجهل بمعنى السفه كما في المصباح أو التسافه كما نقله الأقرب عن الأساس ، لا ينطبق على ما نحن فيه ، لأنّ ذلك في الجهل المتعدّي بلفظ على. مضافاً إلى أنّ صاحب القاموس لم يفسّره بالسفه ولا بالتسافه ، بل فسّره بالتجاهل ، فقال : وعليه أظهر الجهل كتجاهل (١).
نعم ، نقل في التاج عن الراغب أنّ الجهل على ثلاثة أقسام ، الأوّل : هو خلوّ النفس من العلم ، وهذا هو الأصل. الثاني : اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.
الثالث : فعل الشيء بخلاف ما حقّه أن يفعل ، سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أم فاسداً كتارك الصلاة عمداً ، وعلى ذلك قوله تعالى : ( أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ )(٢) فجعل فعل الهزؤ جهلاً. وقوله تعالى : ( فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ )(٣) انتهى (٤).
ولعلّ هذا هو المنشأ في تفسير الجهالة في الكفاية (٥) بالسفاهة ، أو تفسير شيخنا (٦) بما لا ينبغي الركون إليه.
وكيف كان ، فلو سلّمنا أنّ الجهل أو الجهالة يأتي بمعنى السفه أو فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل ، أو الركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه ، فلا ينبغي لنا أن نطبّقه على المورد ، لأنّ المقدم في المسألة هو النبي صلىاللهعليهوآله على ما يذكره المفسّرون
__________________
(١) القاموس المحيط ٣ : ٣٥٣ ( جَهِلَهُ ).
(٢) البقرة ٢ : ٦٧.
(٣) الحجرات ٤٩ : ٦.
(٤) تاج العروس ٧ : ٢٦٨ ( جَهِلَ ) ، مفردات ألفاظ القرآن : ١٠٢ ( جهل ).
(٥) كفاية الأُصول : ٢٩٧.
(٦) فوائد الأُصول ٣ : ١٧١.