المتحصّل هو أنّ النبأ الذي جاءكم إن كان الآتي به فاسقاً فتبيّنوا عنه ، وإن لم يكن الآتي به إليكم فاسقاً فلا تتبيّنوا عنه ، وحينئذ لا يكون الشرط ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلاً كي نحتاج إلى تجريده عنه في لحاظ الحاكم ، فإنّ ذلك إنّما نحتاج إليه فيما لو جعلنا الشرط هو نفس إتيان الفاسق الذي هو عبارة عن إخباره ، فإنّه يلزمه حينئذ أخذ ما هو في ناحية الشرط في ناحية الجزاء ، وهو محال إلاّ بالتجريد المذكور ، وليكن ذلك الاحتياج إلى التصرّف المذكور قرينة على كون الشرط هو كون المخبر فاسقاً ، لا أصل إخبار الفاسق.
والحاصل : أنّ التبيّن في ناحية الجزاء متعلّق بالنبأ ، ويكون الشرط في وجوبه هو إتيان الفاسق به ، فلا يكون الفعل في ناحية الجزاء متوقّفاً عقلاً على تحقّق الشرط كي يتّجه أنّ القضية مسوقة لتحقيق الموضوع ، والقرينة على ذلك هو لزوم تجريد الجزاء عمّا هو في حيّز الشرط. أمّا ما أُفيد من كون المورد وشأن النزول قرينة على ذلك ، فلم أتوفّق لفهمه ، فتأمّل.
ثمّ إنّ هذا كلّه على تقدير كون التبيّن في الآية الشريفة هو بمعنى التفحّص عن الخبر ، أمّا لو كان بمعنى التفحّص عن الواقع والتثبّت عن الاقدام حتّى يتّضح الحال ، كما يشهد به ما في المجمع من نقل قراءة الباقر عليهالسلام تثبتوا بالثاء والتاء (١) ، لكنّا في غنى عن دفع هذه الشبهة ، أعني كون الشرط ممّا يتوقّف عليه الفعل في ناحية الجزاء ، فإنّ التثبّت عن الاقدام حتّى يتّضح الحال لا يتوقّف على إخبار الفاسق ، ولا على إخبار غيره ، ولا يكون وزانه في الآية الشريفة إلاّوزانه في آية سورة النساء أعني قوله : ( إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا )(٢) وقد قرئ هناك أيضاً بالتاء
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٢١٩.
(٢) النساء ٣ : ٩٤.