فيما نحن فيه من مورد الأحكام الشرعية ، كما هو المشاهد لمن سبر الفقه ، فإنّه لا يجد مسألة يكون الدليل على الحكم الشرعي فيها هو محض الدليل العقلي.
وأمّا التحسين والتقبيح العقليان وقاعدة الملازمة فهي فرض صرف ، فأين المسألة التي استقلّ العقل بالحكم الشرعي فيها ، بحيث يكون ذلك الحكم العقلي هو الكاشف الوحيد عن الحكم الشرعي ، بحيث يكون الحكم العقلي كافياً في ثبوت ذلك الحكم الشرعي حتّى في مثل الظلم ، فإنّه مضافاً إلى تصرّف الشارع المقدّس في موارده ممّا يكون قد خرج عن قبح الظلم حكماً أو موضوعاً بواسطة الطوارئ والعوارض ، مثل باب معاملاته مع الكافر الحربي ، ومثل أمره باخراج الكافر عن الجزيرة ، الذي ظاهره لزوم إخراجهم منها حتّى مع عدم تعدّيهم على المسلمين ، بل مثل حلّية الذبح والصيد فإنّه من الظلم بنظر جملة من العقلاء ، وهو مباح شرعاً لأُمور هناك تخرجه عن كونه ظلماً قبيحاً إخراجاً موضوعياً أو إخراجاً حكمياً ، هذا حال المستقلاّت العقلية.
وأمّا الوساوس الشيطانية من القياسات والأُمور الاستحسانية فهي أخسأ وأحقر من أن تكون كاشفة عن الأحكام الشرعية. وهكذا الحال في مثل الجفر ونحوه من الأطياف وغيره من الأُمور الخيالية.
والحاصل : أنّ الحكم العقلي إن كان على وجه يستكشف منه أنّ الحجج قد بلّغوا ذلك الحكم ، غايته أنّ ذلك لم يصل إلينا ، فلا أظنّ أنّ أحداً من الأخباريين لا يعتني بمثل ذلك الحكم العقلي الموجب حسب الفرض للقطع بأنّ الحجج قد بلّغوا ذلك الحكم. وإن كان ذلك الحكم العقلي مقروناً بالعلم بأنّ الحجج لم يبلّغوا ذلك الحكم ، كان ذلك عبارة أُخرى عن أنّ ذلك الحكم لم يبلغ مرتبة الاجراء والتبليغ ، فلا أثر له في مقام العمل. اللهمّ إلاّ أن يعدّ ذلك الحكم