الاحرازي للطهارة يكون محرزاً تعبّداً للطهارة الواقعية ، وأين هذا من التصرّف في دليل الشرطية من الحكومة على أدلّة الشروط بطريق الحكومة الواقعية أو الظاهرية.
وحينئذ لا محيص لنا عن القول بما تقدّمت الاشارة إليه ، من أنّ المجعول في مثل قاعدة الطهارة هو حجّية احتمال الطهارة من حيث المعذورية عن الاقدام على الوضوء أو الصلاة في النجس ، مع بقاء الواقع من اشتراط الوضوء أو الصلاة بالطهارة الواقعية بحاله ، وهذا الاحتمال لا مانع من جعل الحجّية له بهذا المقدار كما صحّ جعل حجّية احتمال التكليف في لزوم الاحتياط ، فإنّه مطلب معقول يقبله الذوق فيما لو كان التكليف الواقعي له أهمية توجب عدم تنازل الشارع عن المؤاخذة على مخالفته حتّى في مقام الجهل به والشكّ فيه. ألا ترى أنّ العقلاء في موارد احتمال الضرر ربما لا يعتنون إذا كان الضرر ضعيفاً ، على وجه لو كان معلوماً لم يقدموا ولو كان مشكوكاً لأقدموا تسامحاً منهم وتساهلاً في الضرر الضعيف ولو كان هذا التساهل منحصراً بمقام الشكّ دون العلم ، بخلاف ما لو كان الضرر مهمّاً مثل إتلاف النفس ، كما في موارد احتمال كون المايع سمّاً قاتلاً ، فإنّك تراهم لا يقدمون على شربه ولو كان الاحتمال ضعيفاً.
وهكذا حال الشارع في ملاكات أحكامه ، فإن كان الملاك قويّاً ألزم المكلّفين بالاحتياط الناشئ عن جعله احتمال هذا النحو من التكليف حجّة على المكلّف من حيث التنجّز وقاطعية العذر ، وإن لم يكن الملاك بتلك الدرجة من القوّة تساهل الشارع فيه ولم يجعل احتمال التكليف حجّة على المكلّف ، بل يوكله إلى ما يحكم به عقله من قبح العقاب بلا بيان ، بل ربما ترقى ذلك التساهل على وجه تكون في البين مصلحة تقتضي جعل احتمال عدم ذلك التكليف حجّة