بنفسه محرزاً للواقع وإن لم يتحقّق امتثاله ، بخلاف الأمر بالاحتياط وما هو من سنخه ، فإنّه بنفسه لا يكون محرزاً للواقع ، نعم إنّ الغرض منه هو إحراز الواقع.
وبالجملة : أنّ إحراز الواقع يكون في النحو الأوّل من الأوامر بنفس الأمر وفي النحو الثاني يكون في ناحية الغرض ، بمعنى أنّ الغرض من هذا السنخ من الأوامر يكون هو إحراز الواقع ، وذلك ـ أعني إحراز الواقع ـ إنّما يكون في هذا السنخ من الأوامر بواسطة امتثالها ، وأين هذا من كون الأمر المذكور بنفسه محرزاً للواقع كما في النحو الأوّل كي يكون نفس ذلك الأمر مصحّحاً للعقاب على نفس الواقع ، وحينئذ فالمتعيّن هو كون العقاب على مخالفة ذلك الأمر الاحتياطي وما هو من سنخه لا على الواقع كما هو ظاهر « هلاّ تعلّمت » (١). ومن ذلك يتوجّه الإشكال حينئذ على الجمع بين هذا الأمر وبين الأمر الواقعي ، فإنّه بناءً عليه يكون الأمر المذكور أمراً حقيقياً مستتبعاً للعقاب على مخالفته ، فكيف أمكن اجتماعه مع الحكم الواقعي الذي ربما كان مضادّاً أو مناقضاً له.
والجواب عن ذلك هو أن يقال : إنّ الغرض الباعث على الأمر تارةً يكون أخصّ منه ، وأُخرى يكون أعمّ ، وما كان أخصّ تارةً يكون من قبيل الملاكات ، مثل اختلاط المياه بالنسبة إلى العِدَد ، وهذا يكون الحكم فيه متحقّقاً حقيقة حتّى في مورد عدم تحقّق ذلك الغرض. وأُخرى يكون الغرض من الأمر هو حفظ أمر آخر بتتميم جهة تنجّزه ولزوم الجري على وفقه ، وذلك مثل الأوامر التي نحن فيها ، فإنّ الغرض منها كما عرفت هو حفظ الأوامر الواقعية في موردها ، وهذا الأمر إنّما يكون أمراً حقيقياً عند الاصابة بواسطة اتّحاده مع الأمر الواقعي ، أمّا عند
__________________
(١) بحار الأنوار ٢ : ٢٩ / ١٠ ، وفيه : « ... وإن قال : كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلّمت حتّى تعمل ... ».