تفويت المصالح ، بل ولا ناقضية الغرض ، فإنّ الجواب عن توهّم التناقض هو ما عرفت ، والجواب عن توهّم تفويت المصالح هو ما تقدّم من انحصار موارد تلك الأوامر بالانسداد ، وبه يعرف الجواب عن ناقضية الغرض.
ومنه يظهر التأمّل فيما عن الأُستاذ العراقي قدسسره حسبما حرّرته عنه : أنّ البناء على الطريقية وإن دفع إشكال التناقض ، إلاّ أنّه لا يدفع إشكال نقض الغرض. وربما يظهر ذلك من مقالته المطبوعة (١). وعلى كلّ حال ، أنّ الذي يظهر منه رحمهالله أنّ إشكال نقض الغرض هو غير إشكال تفويت المصلحة. وهو وإن كان كذلك ، إلاّ أنّه يدفعه ما يدفع إشكال تفويت المصلحة.
ثمّ بعد إرجاع الأحكام الظاهرية إلى ما عرفت من الأوامر الطريقية ، فاعلم أنّ اختلاف ألسنة تلك الأوامر الطريقية كان موجباً لتقدّم بعضها على بعض ، ولعدم حجّية المثبت في بعضها ، وحجّيته في البعض الآخر ، ومعه لا داعي إلى الالتزام بجعل نفس الحجّية وسلوك ذلك الطريق الوعر في بيان إمكان جعلها وأنّها من الأحكام الوضعية الذي لا تكاد النفس تطمئن به ، وتأويل جميع الأوامر الواردة في باب الطرق والأمارات والأُصول الاحرازية وجعلها كناية عن جعل الحجّية ، كلّ ذلك تكلّف لا داعي له.
وأمّا بناء العقلاء على سلوكها مع عدم أوامر تعبّدية لديهم فهو غير منافٍ لما ذكرناه من إمكان الأمر الشرعي باتّباع تلك الطريقة العقلائية ، فإنّ العقلاء إنّما يعملون عليها ويسلكونها ويتوصّلون بها إلى مقاصدهم بسائق من فطرتهم ، والشارع في مقام الامضاء لهذا العمل الفطري لابدّ له من الأمر على طبقه. وبالجملة : أنّ الشارع يأمره بسلوك الطرق العقلائية أو سلوك طريق ابتدائي
__________________
(١) مقالات الأُصول ٢ : ٤٥ ـ ٤٦.