الأمارة التي أخطأته ، ومن الواضح أنّ مقتضى ذلك هو بقاء المصلحة الواقعية على ما هي عليه من كونها لازمة التحصيل لو التفت إليها المكلّف وتبيّن له الخطأ في تلك الأمارة ، وإن لم يكن تبيّن الخطأ فيها موجباً لرفع ذلك الصلاح الذي ناله المكلّف بسلوكها قبل انكشاف خطئها ، فيكون عدم الاجزاء مستنداً إلى بقاء المصلحة الواقعية الملزمة بحالها مع فرض عدم انكسارها بالمصلحة السلوكية ، وتكون النتيجة من ذلك كلّه أنّه عند انكشاف الخلاف يكون المكلّف قد نال المصلحة السلوكية بتمامها ، كما أنّه ينال ما يمكنه تلافيه من مصلحة الواقع بالاتيان به أداءً في آخر الوقت ، أو الاتيان به قضاءً في خارج الوقت ، هذا.
وقد بقي في النفس تشكيك في المصلحة السلوكية ، وكيف لا تكون موجبة للانتهاء إلى التصويب المعتزلي ، فإنّ المقام ـ أعني مقام المصلحة السلوكية ـ وإن لم يكن من قبيل الكسر والانكسار مع المصلحة الواقعية ، كما هو مقتضى الوجه الثاني من الوجوه المذكورة الذي هو راجع إلى التصويب المعتزلي إلاّ أنّه يكون نظيره في غضّ الشارع النظر عن المصلحة الواقعية ، بحيث إنّها لا تكون مؤثّرة عنده في الإلزام على طبقها ، ويكون من قبيل التزاحم في مقام الجعل والتشريع ، حيث إنّ استيفاء المصلحة في الفعل الواجب واقعاً يكون مزاحماً في المصلحة في سلوك الأمارة القائمة على حرمته مثلاً.
وتوضيح ذلك : أنّا نفرض أنّ المصالح الواقعية الموجبة لجعل التكاليف على طبقها ألف مصلحة مثلاً ، ثمّ إنّ الشارع لاحظ أنّ للمكلّف في الوصول إلى تلك المصالح طريقين : أحدهما الطريق العلمي المفروض أنّه لا يخطئ ، والآخر الأمارة المفروض أنّها تخطئ ولو مرّة واحدة في جميع تلك المصالح ، لأنّ فرض الكلام إنّما هو في صورة كون المكلّف متمكّناً من تحصيل العلم بالواقع لوجود