وبين الوجه الأوّل بعد اشتراكهما في عدم ثبوت الحكم الواقعي للظانّ بخلافه ، أنّ العامل بالأمارة المطابقة حكمه حكم العالم ، ولم يحدث في حقّه بسبب ظنّه حكم ، نعم كان ظنّه مانعاً عن المانع وهو الظنّ بالخلاف (١).
فإنّ هذه العبارة تعطي أنّه على الأوّل يكون حكم صاحب الأمارة الموافقة ناشئاً عن أمارته ، لا أنّه حكم واقعي توصّل إليه بالأمارة ، بخلافه على الثاني فإنّه على الثاني يكون لنا أحكام واقعية مجعولة في حقّ كلّ أحد ، وقد توصّل إليه العالم وصاحب الأمارة الموافقة ، لكن صاحب الأمارة المخالفة ينقلب حكمه من جهة الكسر والانكسار.
وكيف كان ، نقول : إنّه على الأوّل تكون الأحكام الواقعية تابعة للطريق سواء كان علمياً أو كان ظنّياً ، فإنّا كما تصوّرنا الخطأ في الظنّ فكذلك نتصوّر الخطأ في العلم ، فذلك العالم المخطئ ماذا يكون حكمه في الواقع ، لابدّ أن نقول ما أدّى إليه قطعه وعلمه ، فتكون النتيجة أنّ الحكم تابع للطريق أيّاً كان.
اللهمّ إلاّأن يدّعى أنّ الحكم الواقعي مجعول في حقّ من توصّل إليه بالعلم المصيب والأمارة المصيبة ، وغير هؤلاء يكون حكمه الواقعي على طبق طريقه المخطئ. ولكن هذا مجرّد تغيير عبارة ، والحقيقة أنّ الحكم الواقعي يكون تابعاً للطريق سواء كان علمياً أو كان ظنّياً ، ولا معنى للقول حينئذ بأنّ العلم والطريق تارةً يكون مخطئاً وأُخرى يكون مصيباً ، بل كلّ منهما يكون الحكم الواقعي على طبقه دائماً ، هذا على الأوّل ، وأمّا على الثاني فالذي ينبغي أن يقال : إنّا بعد أن التزمنا بأنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكماً يشترك فيه العالم والجاهل كما يعطيه كلام الشيخ قدسسره في طليعة هذا الوجه الثاني ، وأضفنا إلى ذلك قولنا بالسببية في قيام
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ١١٤.