واقعية مجعولة في حقّ مكلّف من المكلّفين ، وإنّما تكون تابعة لآراء المجتهدين سواء كان الطريق للمجتهد علمياً أو كان ظنّياً ، فإنّ تسمية الأوّل حكماً واقعياً حينئذ لا يخلو من تسامح ، لأنّ موضوعه هو الطريق ، وإنّما يتحقّق بعد قيام الطريق سواء كان ذلك الطريق علمياً أو كان ظنّياً ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الناس لا حكم لهم أصلاً إلاّبعد قيام الطرق ، أو يكون هناك أحكام واقعية معلّقة على العلم أو الظنّ تكون على طبق العلم أو الظنّ ، ويكون ذلك نظير ما يقال في الواجب التخييري : إنّ الواجب هو ما يعلم الله أنّ العبد يختاره.
نعم ، بالنسبة إلى من كان ظنّه مطابقاً لمن حصل له العلم يكون حكمه ناشئاً عن ظنّه ، فيكون حكماً آخر غير ذلك الحكم الحاصل من علم العالم ، لا أنّ هناك حكماً واقعياً يشترك فيه العالم والظانّ به ، وأنّ الظانّ بالخلاف فقط يكون حكمه على خلاف ذلك الحكم الواقعي المجعول في حقّ العالم والظانّ به ، كما ربما تشعر به عبارة الشيخ قدسسره بقوله : فتكون الأحكام الواقعية مختصّة في الواقع بالعالمين بها ، والجاهل مع قطع النظر عن قيام أمارة عنده على حكم العالمين لا حكم له ، أو محكوم بما يعلم الله تعالى أنّ الأمارة تؤدّي إليه الخ (١) فإنّ هذه العبارة تعطي أنّ هناك حكماً واقعياً مختصّاً بالعالمين والذين تقوم عندهم أمارة على طبقه ، وأنّ الجاهل الذي لم تقم عنده أمارة على طبقه إمّا لا حكم له أصلاً إلاّبعد أن تقوم عنده أمارة على الخلاف ، فيكون ذلك الخلاف حكمه ، أو أنّه محكوم فعلاً بذلك الخلاف الذي يعلم الله أنّ الأمارة عنده تؤدّي إليه.
إلاّ أنّ هذا الظاهر غير مراد ، بل المراد هو الاختصاص بالعالم ، وأنّ حكم الجاهل تابع لقيام الأمارة عنده ، كما يدلّ عليه قوله في الوجه الثاني : والفرق بينه
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ١١٣.