الأمارات ، ينبغي أن نلتزم في صورة الأمارة المخالفة بالكسر والانكسار ، وفي صورة الأمارة الموافقة بالتأكّد أو اجتماع المثلين ، إلاّأن نقول إنّ سببية الأمارة للمصلحة إنّما هو في صورة المخالفة دون الموافقة. وفيه ما لا يخفى ، فإنّ سببية الأمارة لو قلنا [ بها ] لا تكون إلاّواقعية غير منوطة باصابة أو خطأ.
ويبقى الكلام في العالم المخطئ ، وظاهر كلامهم في تقرير هذا الوجه الثاني ، أنّ حكمه هو ذلك الحكم الواقعي ، غير أنّه يكون معذوراً بواسطة جهله به لا أنّ حكمه الواقعي يكون تابعاً لعلمه وقطعه كما ذكرناه في الوجه الأوّل ، وحينئذ يكون حاصل هذا الوجه الثاني أنّ الأحكام موجودة في واقعها بالنسبة إلى عامّة المكلّفين إلاّمن قامت عنده الأمارة على الخلاف ، فإنّه يكون حكمه الفعلي على طبق الأمارة المخالفة ، ويبقى الحكم الواقعي في حقّه شأنياً اقتضائياً كما قال الشيخ قدسسره : فالحكم الواقعي فعلي في حقّ غير الظانّ بخلافه وشأني في حقّه ، بمعنى وجود المقتضي لذلك الحكم لولا الظنّ على خلافه الخ (١).
ولازم ذلك أنّ ذلك الحكم الواقعي فعلي حتّى في حقّ القاطع بخلافه ، غايته أنّه لأجل جهله يكون معذوراً في مخالفته ، فيكون فاقداً لدرجة التنجّز ليس إلاّ ، بخلاف الظانّ بخلافه فإنّه لا يكون في حقّه فعلياً ، فإمّا أن يبقى اقتضائياً وشأنياً ، أو يمكننا القول بأنّه يكون واصلاً إلى درجة الانشاء وإن لم يصل إلى درجة الفعلية ، كما ربما يستفاد من جملة من مباحث صاحب الكفاية قدسسره (٢).
لكن الظاهر أنّه لا يصل إلى درجة الانشاء ، لما عرفت من التزاحم في مقام التشريع بين المصلحة الواقعية والمصلحة الآتية من قبل الأمارة على الخلاف ،
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ١١٤.
(٢) كفاية الأُصول : ٤٦٩.