أن يكون قد صدر بيانه ولم يصل إلينا ، كما نراه في كثير ممّا هو من هذا القبيل ، أعني ممّا يبتلى به العامّة ولم يصل إلينا بيانه ، وليس هو بأعظم من اعتبار قصد القربة على رأي الأُستاذ قدسسره من احتياجها إلى متمّم الجعل ، مع أنّه لم يتمّ الدليل النقلي التامّ الدلالة على اعتبارها ، وهكذا الحال في غيرها من الفروع الفقهية التي لم يرد فيها نصّ بنفي ولا بإثبات مع كثرة الابتلاء بها.
لكن شيخنا قدسسره في راحة في هذا المقام من ذلك ، لأنّه قدسسره يجري البراءة لو لم تتمّ عنده دلالة الدليل السمعي. لكن يبقى الإشكال على مسلك صاحب الكفاية من أنّه يلزمه الاحتياط في مثل ذلك ، لكن قد حقّقنا في الجزء الثاني عند التعرّض لذلك في محلّه من خاتمة البراءة الفرق بين أصل قصد القربة وبين نيّة الوجه بعد ثبوت أصل القربة ، فراجع ما شرحناه هناك (١).
قال شيخنا قدسسره فيما حرّرته عنه : وأمّا بناءً على أنّ التعبّدية ناشئة من أخصّية الغرض كما ربما يلوح من كلام الشيخ قدسسره (٢) ، فيكون الشكّ في هذه الصور الثلاث كلّها مجرى لأصالة الاحتياط والاشتغال ، سواء كان الشكّ في أصل التعبّدية أو كان في كيفية الاطاعة من جهة اعتبار القيد الفلاني أو عدمه ، سواء كان ذلك القيد على تقدير اعتباره أمراً زائداً على أصل الاطاعة كما في نيّة الوجه ، أو كان على تقدير اعتباره دخيلاً فيها كما في نيّة الجزم والاطاعة التفصيلية عند التمكّن منها ، لرجوع الشكّ في جميع هذه الصور إلى الشكّ في حصول الغرض الموجب للشكّ في الخروج عن العهدة ، ولأجل ذلك احتاج قدسسره في نفي اعتبار نيّة الوجه إلى دعوى
__________________
(١) راجع الحاشية الآتية على فوائد الأُصول ٤ : ٢٦٨ في المجلّد الثامن من هذا الكتاب ، الصفحة : ٤٩٤ وما بعدها.
(٢) راجع مطارح الأنظار ١ : ٣٠٥ وفرائد الأُصول ٢ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.