أمّا إذا لم ينصب دلالة على دخله كشف عن عدم دخله ، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الأخبار والآثار ، وكانا ممّا يغفل عنه العامّة ، وإن احتمل اعتباره بعض الخاصّة فتدبّر جيّداً (١).
لكن لا يخفى أنّ صاحب الكفاية قدسسره لم يستند في نفي اعتبار الوجه إلى البراءة كي يتوجّه عليه أنّ ذلك منافٍ لمسلكه من أخصّية الغرض وأصالة الاشتغال عند الشكّ في حصوله ، بل إنّما استند في ذلك إلى أنّ ما يتوقّف عليه حصول الغرض إن كان ممّا يلتفت إليه العامّة لم يجب على الشارع بيانه ، اكتفاءً بأنّهم يلتفتون فيشكّون فتلزمهم عقولهم بالاتيان بما يشكّون في حصول الغرض بدونه ، أمّا ما لا يلتفت إليه عامّة الناس فلا يصحّ من المولى السكوت عن بيانه ، لأنّ سكوته مفوّت لغرضه ، وحيث إنّ الوجه من هذا القبيل ، حكمنا بعدم اعتباره ، وحيث إنّ عدم العلم بالبيان لا يكفي في الحكم بعدم الاعتبار في المقام ، بل لابدّ فيه من العلم بالعدم ، ومجرّد عدم وصول ذلك إلينا في الأخبار والآثار لا يكفي في الحكم بعدم صدور البيان ، إذ لعلّه قد صدر بيانه لكنّه لم يصل إلينا ، كان صاحب الكفاية قدسسره في حاجة إلى الدعوى التي أفادها الأُستاذ قدسسره (٢) وهي أنّ هذا الأمر وهو نيّة الوجه ممّا تتوفّر الدواعي إلى نقله ، لكونه ممّا يبتلى به عامّة المكلّفين ، على وجه لو كان بيانه صادراً لكان قد وصل إلينا ، فيكون المقام من موارد عدم الدليل دليل العدم.
ولكن لا يخفى أنّ هذه المقدّمة لا توجب القطع بالعدم ، إذ [ من ] الممكن
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٧٥ ـ ٧٦.
(٢) فوائد الأُصول ٣ : ٦٧.