وهو منحصر بما عرفت من التجرّي والتمرّد والطغيان ، أمّا العلم ومعلوم الخمرية ونحو ذلك فهي على الظاهر أجنبية عن القبح الفاعلي ، بل هي عناوين لنفس الأفعال ، أو لما تعلّقت به من الخمر ونحوه.
قوله : بخلاف المقام ، فإنّه لو فرض أنّ للخمر حكماً ولمعلوم الخمرية أيضاً حكماً ، فبمجرّد العلم بخمرية شيء يعلم بوجوب الاجتناب عنه الذي فرض أنّه رتِّب على ذات الخمر ، فيكون هو المحرّك والباعث للاجتناب ، والحكم الآخر المترتّب على معلوم الخمرية لا يصلح لأن يكون باعثاً ويلزم لغويته ... الخ (١).
هذا الإشكال جارٍ في العلم الموضوعي المأخوذ موضوعاً لحكم مماثل لمتعلّقه أو لحكم متعلّقه. لكن ربما يقال هناك بالتأكّد ، وإن عرفت هناك (٢) أنّه لا يمكن التأكّد لاختلاف الرتبة ، لكن في المقام لا يتأتّى التأكّد وإن قلنا به هناك ، وذلك لأنّ هذا الحكم المماثل إنّما يرد على نفس الجهة الفاعلية ، وذلك الأصلي إنّما يرد على نفس الفعل ، وبعد فرض عدم اتّحاد المتعلّق لا يعقل التأكّد في الحكمين ، لأنّ مورد التأكّد هو وحدة المتعلّق.
ثمّ إنّي لم أتوفّق لتعيّن الثاني للغوية بعد فرض كونه ممّا يمكن أن يلتفت إليه ، فلِمَ لا نقول إنّ الحكم الأوّل ـ أعني ما تعلّق بنفس الخمر الواقعي ـ يكون لغواً لأنّه مع عدم العلم به لا يؤثّر في انزجار المكلّف ، ومع العلم يكون الحكم الثاني هو الموجب للانزجار. نعم إنّ الحكم الأوّل لابدّ من جعله لكي يكون موضوع الثاني الذي هو العلم متعلّقاً به.
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٤٥ ـ ٤٦.
(٢) راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : ٤٠ وما بعدها.