واختار السّكاكيّ تقليلا لأقسام الاستعارة
: أن يستغنى عن التبعية في الفعل ، والمشتق ، والحرف ، بأن يجعل قرينة التبعية ، استعارة
مكنية ، وأن يجعل التبعية ، قرينة للمكنية ، ففي قوله تعالى : (إنّا
لمّا طغى الماء حملناكم في الجارية)
يجعل القوم الطغيان مستعاراً للكثرة المفسدة. ويقول (السكاكي) في لفظ (الماء)
استعارة مكنية ونسبة الطغيان إليه قرينة.
المبحث الثامن
في تقسيم الاستعارة
المصرّحة باعتبار الطرفين
إلى عنادية ووفاقية
فالعنادية
: هي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد ، لتنافيهما كاجتماع النور والظلام.
والوفاقية
: هي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد ، لعدم التنافي ـ كاجتماع النور والهدى.
ومثالهما قوله تعالى (أو
من كان ميتاً فأحييناه)
أي ضالاً فهديناه ففي هذه الآية استعارتان.
الأولى
: في قوله «ميتاً» شبه الضلال ، بالموت ، بجامع ترتب نفى الانتفاع في كل ، واستعير
الموت للضلال ، واشتق من الموت بمعنى الضلال ، ميتاً بمعنى ضالاً ، وهي عنادية ، لأنه
لا يمكن اجتماع الموت والضلال في شيء واحد.
والثانية
: استعارة الإحياء ، للهداية ، وهي (وفاقية) لامكان اجتماع الإحياء والهداية في
الله تعالى ، فهو محيٍ وهادٍ.
ثم العنادية : قد تكون تمليحية ، أي
المقصود منها التمليح والظرافة وقد تكون تهكمية أي المقصود منها التهكم والاستهزاء
، بأن يستعمل اللفظ الموضوع لمعنى شريف ، على ضدِّه أو نقيضه ، نحو رأيت أسداً
تريد جباناً ، قاصداً التّمليح والظّرافة ، أو التهكّم والسّخرية : وهما اللتان
نُزّل فيهما التضاد ، منزلة التَّناسب ، نحو : (فبشِّرهم بعذاب أليم) أي أنذرهم فاستعيرت البشارة التي هي
الخبر السّار ، للإنذار الذي هو ضده بادخال الإنذار في جنس البشارة ، على سبيل
التهكم والاستهزاء. وكقوله تعالى : (فاهدوهم إلى صراط
الجحيم).