بلاغة المتكلم
بلاغة المتكلم : هي مَلَكة في النَّفس (١) يقتَدرُ بِهَا صاحبها علىتأليف كلام بليغ : مُطابق لمقتَضَى الحال ، مع فصاحته في أيّ معنى قَصَده.
وتلك غاية لن يَصِل إليها إلاَّ من أحاط بأساليب العرب خُبرا وعرف سُنن تخاطُبهم في مُنافراتهم ، ومفاخراتهم ، ومديحهم ، وَهجائهم وَشكرهم ، واعتذارهم ، لِيلَبس لكل حالة لبُوسها ولكلِّ مقام مَقال.
__________________
(١) أي أن الهيئة والصفة الراسخة الثابتة في نفس المتكلم يمكنه بواسطتها أن يعبر عن المعاني التي يريد إفادتها لغيره بعبارات بليغة؛ أي مطابقة لحال الخطاب ، فلو لم يكن ذا ملكة يقتدر بها على التصرف في اغراض الكلام وفنونه بقول رائع ، وبيان بديع بالغاً من مخاطبه كل ما يريد ، لم يكن بليغاً وإذاً لابد للبليغ : أولا ، من التفكير في المعاني التي تجيش في نفسه ، وهذه يجب أن تكون صادقة ذات قيمة ، وقوة يظهر فيها أثر الابتكار وسلامة النظر وذوق تنسيق المعاني وحسن ترتيبها ، فاذا تم له ذلك عمد إلى الالفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة ، فألف بينها تأليفاً يكسبها جمالا وقوة.
فالبلاغة ليست في اللفظ وحده ، وليست في المعنى وحده ، ولكنها أثر لازم لسلامة تألبف هذين وحسن انسجامهما ، وقد علم أن البلاغة أخص والفصاحة أعم لانها مأخوذة في تعريف البلاغة ، وان البلاغة يتوقف حصولها على أمرين ، الأول : الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود ، والثاني : تمييز الكلام الفصيح من غيره لهذا كان للبلاغة درجات متفاوتة تعلو وتسفل في الكلام بنسبة ما تراعى فيه مقتضيات الحال ، وعلى مقدار جودة ما يستعمل فيه من الأساليب في التعبير والصور البيانية والمحسنات البديعية ، وأعلى تلك الدرجات ما يقرب من حد الاعجاز ، واسفلها ما إذا غير الكلام عنه إلى ما هو دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات العجم وان كان صحيح الاعراب : وبين هذين الطريفين مراتب عديدة.