صيّر فؤادك للمحبوب منزلة |
|
سمّ الخياط مجال للمحبّين |
ولا تسامح بغيضا في معاشرة |
|
فقلّما تسع الدنيا بغيضين |
وأخذه من قول الخليل «ما تضايق سمّ الخياط بمتحابّين ، ولا اتّسعت الدنيا لمتباغضين»(١).
وكان الخليل على نمرقة صغيرة ، والمجلس متضايق ، فدخل عليه بعض أصحابه ، فرحّب به وأجلسه معه على النمرقة ، فقال له الرجل : إنها لا تسعنا ، فقال ما ذكر.
وقال ابن بسام أيضا : أمر الحاجب المنذر بن يحيى التّجيبي ، صاحب سرقسطة ، بعرض بعض الجند في بعض الأيام ، ورئيسهم مملوك له رومي يقال له خيار في نهاية الجمال ، فجعل ينفخ في القرن ليجتمع أصحابه على عادة لهم في ذلك ، فقال ابن هند الداني (٢) فيه ارتجالا : [الطويل]
أعن بابل أجفان عينيك تنفث |
|
ومن قوم موسى أنت للعهد تنكث (٣) |
أفي الحقّ أن تحكي سرافيل نافخا |
|
وأمكث في رمس الصّدود وألبث |
عساك ، نبيّ الحسن ، تأتي بآية |
|
فتنفخ في ميت الصّدود فيبعث |
قال : وكان بقرطبة غلام وسيم ، فمرّ عليه ابن فرج الجيّاني ، ومعه صاحب له ، فقال صاحبه : إنه لصبيح لو لا صفرة فيه ، فقال ابن فرج ارتجالا : [البسيط]
قالوا : به صفرة عابت محاسنه |
|
فقلت : ما ذاك من عيب به نزلا |
عيناه تطلب في أوتار من قتلت |
|
فلست تلقاه إلّا خائفا وجلا |
قال : وكان يوما مع لمّة من أهل الأدب في مجلس أنس ، فاحتاج رب المنزل إلى دينار ، فوجّه إلى السوق ، فدخل به عليهم غلام من الصيارف في نهاية الجمال ، فرمى بالدينار إليهم من فيه تماجنا ، فقال ابن فرج : [الكامل]
أبصرت دينارا بكفّ مهفهف |
|
يزهى به من كثرة الإعجاب |
أوما به من فيه ثم رمى به |
|
فكأنه بدر رمى بشهاب (٤) |
قال (٥) : وخرج الأديب أبو الحسن بن حصن الإشبيلي إلى وادي قرطبة في نزهة ، فتذكّر إشبيلية ، فقال بديها : [المتقارب]
__________________
(١) في ه : «بمتباغضين».
(٢) في ب : «ابن هندو».
(٣) تنفث : تسحر.
(٤) أوما : أشار وأصله أومأ ، فخفف الهمز.
(٥) انظر بدائع البداءة ج ٢ ص ١٢٤.