وقال في «المسهب» : كنت بمجلس القاضي ابن حمدين ، وقد أنشده شعراء قرطبة وغيرها ، وفي الجملة هلال شاعر غرناطة ، ومحمد بن الإستجي شاعر إستجة الملقب بزحكون ، فقام الإستجي وأنشده (١) قصيدة ، منها : [الطويل]
إليك ابن حمدين انتخلت قصائدا |
|
بها رقصت في القضب ورق الحمائم (٢) |
أنا العبد لكن بالمودّة أشترى |
|
إذا كان غيري يشترى بالدراهم |
فشكره ابن حمدين ، ونبّه على مكان الإحسان ، فحسده هلال البياني على ذلك ، فلمّا فرغ من القصيدة قال له هلال : أعد عليّ البيت الذي فيه «رقص الحمام» فأعاده ، فقال له : لو أزلت النقطة عن الخاء كنت تصدق (٣) ، فقال له في الحين : ولو أزلت النقطة عن العين كنت تحسن.
وكانت على عين هلال نقطة فكان ذلك من الاتفاق العجيب والجواب الغريب ، وعمل فيه.
ولما قال المقدم بن المعافى (٤) في رثاء سعيد بن جودي : [السريع]
من ذا الذي يطعم أو يكسو |
|
وقد حوى حلف الندى رمس (٥) |
لا اخضرّت الأرض ولا أورق ال |
|
عود ولا أشرقت الشمس |
بعد ابن جوديّ الذي لن ترى |
|
أكرم منه الجنّ والإنس |
فقيل له : أترثيه وقد ضربك؟ فقال : إنه نفعني (٦) حتى بذنوبه ، ولقد نهاني ذلك الأدب عن مضار جمّة كنت أقع فيها على رأسي ، أفلا أرعى له ذلك؟ والله ما ضربني إلّا وأنا ظالم له ، أفأبقى على ظلمي له بعد موته؟
وقيل له : لم لا تهجو مؤمن بن سعيد؟ فقال : لا أهجو من لو هجا النجوم ما اهتدى أحد بها.
وقال أبو مروان عبد الملك بن نظيف (٧) : [المجتث]
لا أشرب الراح إلّا |
|
مع كلّ خرق كريم (٨) |
__________________
(١) في ب ، ه : «وأنشد».
(٢) انتخل : اصطفى ، وجوّد وانتخب.
(٣) أراد : «انتحلت» أي سرقت.
(٤) انظر ترجمته في الجذوة ص ٣٣٣.
(٥) الندى : الكرم ، والرمس : القبر.
(٦) في ب : «فقال : والله إنه نفعني».
(٧) انظر ترجمته في الجذوة ص ٢٦٨.
(٨) الخرق : الفتى الكريم الظريف.