من طيب النفحة ونضارة النعيم ، فلمّا حان الانفصال قال أبو جعفر (١) : [الطويل]
رعى الله ليلا لم يرع بمذمّم |
|
عشيّة وارانا بحور مؤمّل (٢) |
وقد خفقت من نحو نجد أريجة |
|
إذا نفحت هبّت بريّا القرنفل |
وغرّد قمريّ على الدّوح وانثنى |
|
قضيب من الريحان من فوق جدول (٣) |
تريد الروض مسرورا بما قد بدا له |
|
عناق وضمّ وارتشاف مقبّل |
وكتبه إليها بعد الافتراق ، لتجاوبه على عادتها في ذلك ، فكتبت له ما لا يخفى فيه قيمتهأ : [الطويل]
لعمرك ما سرّ الرياض بوصلنا |
|
ولكنّه أبدى لنا الغلّ والحسد |
ولا صفّق النهر ارتياحا لقربنا |
|
ولا صدح القمريّ إلّا بما وجد |
فلا تحسن الظّنّ الذي أنت أهله |
|
فما هو في كلّ المواطن بالرّشد |
فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه |
|
لأمر سوى كيما تكون لنا رصد |
وأما مالقة فإنها قد جمعت بين منظر البحر والبرّ بالكروم المتّصلة التي لا تكاد ترى فيها فرجة لموضع غامر ، والبروج التي شابهت نجوم السماء ، كثرة عدد وبهجة ضياء ، وتخلّل الوادي الزائر لها في فصلي الشتاء والربيع في سرر بطحائها ، وتوشيحه لخصور أرجائها (٤) ، وممّا اختصّت به من بين سائر البلاد التين الربي المنسوب إليها ؛ لأنّ اسمها في القديم ربة ، ولقد أخبرت أنه يباع في بغداد على جهة الاستطراف ، وأما ما يسفّر منه المسلمون والنصارى في المراكب البحرية فأكثر من أن يعبر عنه بما يحصره ، ولقد اجتزت بها مرّة ، وأخذت على طريق الساحل من سهيل إلى أن بلغت إلى بليش قدر ثلاثة أيام متعجّبا فيما حوته هذه المسافة من شجر التين ، وإنّ بعضها ليجتني جميعها الطفل الصغير من لزوقها بالأرض ، وقد حوت ما يتعب الجماعة كثرة ، وتين بليش هو الذي قيل فيه لبربري : كيف رأيته؟ قال : لا تسألني عنه ، وصبّ في حلقي بالقفة ، وهو لعمر الله معذور ؛ لأنه نعمة حرمت بلاده منها ، وقد خصّت بطيب الشراب الحلال والحرام ، حتى سار المثل بالشراب المالقي ، وقيل لأحد الخلعاء (٥) ،
__________________
(١) سيورد المقري في النفح أخبار أبي جعفر بن سعيد وحفصة بتفصيل في كتابه هذا.
(٢) ففي ه : «رعانا ووارانا بحور مؤمل».
(٣) قمريّ : نوع من الحمام حسن الصوت.
(٤) في أ«لحضور أرجائها».
(٥) في ج «لأحد الخلفاء» محرفا.