وأراد أن يندّر به ، فقال له ، وكان ذلك بعد إسلامه : يا أبا الفضل ، ما الذي تنظر فيه من الكتب ، لعلّه التوراة؟ فقال : نعم ، وجلدها (١) من جلد دبغه من تعلم ، فمات خجلا ، وضحك المقتدر.
وأراد الشاعر أبو الربيع سليمان السرقسطي حضور نديم له ، فكتب إليه : [السريع]
بالراح والريحان والياسمين |
|
وبكرة الندمان قبل الأذين |
وبهجة الروض بأندائه |
|
مقلّدا منه بعقد ثمين |
ألا أجب سبقا ندائي إلى ال |
|
كأس تبدّت لذّة الشاربين |
هامت بها الأعين من قبل أن |
|
يخبرها الذوق بحقّ اليقين |
لاحت لدينا شفقا معلنا |
|
فكن لها بالله صبحا مبين |
وكتب علي بن خير التطيلي (٢) إلى ابن عبد الصمد السرقسطي يستدعيه إلى مجلس أنس : أنا ـ أطال الله تعالى بقاء الكاتب سراج العلم وشهاب الفهم! ـ في مجلس قد عبقت تفاحه ، وضحكت راحه ، وخفقت حولنا للطرب ألوية ، وسالت بيننا للهو أودية ، وحضرتنا مقلة تسأل منك إنسانها (٣) ، وصحيفة فكن عنوانها ، فإن رأيت أن تجعل إلينا القصد ، لنحصل بك في جنّة الخلد ، صقلت نفوسا أصدأها بعدك ، وأبرزت شمسا أدجاها (٤) فقدك.
فأجابه ابن (٥) عبد الصمد : فضضت ـ أيها الكاتب العليم ، والمصقع (٦) الحبر الصميم ـ طابع كتابك ، فمنحني منه جوهر منتخب ، لا يشوبه مخشلب ، هو السحر إلّا أنه حلال ، دلّ على ودّ حنيت ضلوعك عليه ، ووثيق عهد انتدب كريم سجيّتك إليه ، فسألت فالق الحبّ ، وعامر القلب بالحبّ ، أن يصون لي حظي منك ، ويدرأ لي النوائب عنك ، ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك ، وأمتطي جواد الانحدار إلى محبوبك ، إلّا عارض ألم ألمّ بي فقيّد بقيده نشاطي ، وروّى براحته بساطي ، وتركني أتململ على فراشي كالسليم (٧) ، وأستمطر الإصباح من الليل البهيم ، وأنا منتظر لإدباره.
__________________
(١) في ب ، ه : «وتجليدها من جلد .. الخ». وأراد أن أباه دباغ.
(٢) انظر الذخيرة ج ٣ ص ٢٥٦.
(٣) الإنسان : بؤبؤ العين.
(٤) في ب : «وأبرزت شموسا أدجاها فقدك». وفي ه : «وأنرت شموسا أدجاها فقدك».
(٥) في ب : «فأجابه أبو عبد الصمد».
(٦) المصقع : البليغ.
(٧) في أ : «أتحامل على فراشي كالسليم» والسليم هنا : الملدوغ.