يحمل الفقيه؟ وما يحسن من العلوم؟ وما يقول؟ فقال لهم : أحمل اثني عشر ألف دينار ، وها هي تحت إبطي ، وأخرج لهم اثنتي عشرة ياقوتة ، كلّ واحدة منها بألف دينار ، وأمّا الذي أحسنه فاثنا عشر علما أدونها علم العربية الذي تبحثون فيه ، وأما الذي أحسنه فاثنا عشر علما أدونها (١) علم العربية الذي تبحثون فيه ، وأما الذي أقول فأنتم كذا ، وجعل يسبهم ، هكذا نقلت هذه الحكاية من خطّ الشيخ أبي حيان النحوي ، رحمه الله تعالى!
ومن حكاياتهم في الذكاء واستخراج العلوم واستنباطها أنّ أبا القاسم عباس بن فرناس ، حكيم الأندلس ، أوّل من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وأوّل من فكّ بها كتاب العروض للخليل ، وأوّل من فكّ الموسيقى ، وصنع الآلة المعروفة بالمنقالة (٢) ، ليعرف الأوقات على غير رسم ومثال ، واحتال في تطيير جثمانه ، وكسا نفسه الريش ، ومدّ له جناحين ، وطار في الجوّ مسافة بعيدة ، ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه ، فتأذّى في مؤخره ، ولم يدر أنّ الطائر إنما يقع على زمكّه (٣) ، ولم يعمل له ذنبا ، وفيه قال مؤمن بن سعيد الشاعر من أبيات : [الطويل]
يطمّ على العنقاء في طيرانها |
|
إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم (٤) |
وصنع في بيته هيئة السماء ، وخيّل للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود ، وفيه يقول مؤمن بن سعيد أيضا : [المنسرح]
سماء عباس الأديب أبي ال |
|
قاسم ناهيك حسن رائقها |
أمّا ضراط استه فراعدها |
|
فليت شعري ما لمع بارقها |
لقد تمنّيت حين دوّنها |
|
فكري في البصق في است خالقها (٥) |
وأنشد ابن فرناس الأمير محمدا من أبيات : [الطويل]
رأيت أمير المؤمنين محمدا |
|
وفي وجهه بذر المحبّة يثمر |
فقال له مؤمن بن سعيد : قبحا لما ارتكبته! جعلت وجه الخليفة محرثا يثمر فيه البذر ، فخجل وسبّه.
__________________
(١) أدونها : أقلها قيمة.
(٢) في ب : «بالمنقانة» وفي أ، ه «المنقالة». وفي ج «المثقال». وهي الساعة أي آلة حساب الوقت.
(٣) في ه : «زمكته». والزمك ـ بكسر الزاي والميم وتشديد الكاف ـ ذنب الطائر. ومثله الزمكي ، بزيادة ألف مقصورة.
(٤) القشعم : النسر.
(٥) في ب : «حين دوّمها .. فكري بالبصق ..».