وقال : [البسيط]
سارت كبدر وليل الخدر يسترها |
|
ولو بدا وجهها جاءتك بالفلق (١) |
ودونها من صليل اللامعات حمّى |
|
فالبرق والرعد دون الشمس في الأفق (٢) |
واجتمع بغرناطة محمد بن غالب الرصافي الشاعر المشهور ومحمد بن عبد الرحمن الكتندي (٣) الشاعر وغيرهما من الفضلاء والرؤساء ، فأخذوا يوما في أن يخرجوا لنجد أو لحوز (٤) مؤمل ، وهما منتزهان من أشرف وأظرف منتزهات غرناطة ، ليتفرجوا ويصقلوا الخواطر بالتطلّع في ظاهر البلد ، وكان الرصافي قد أظهر الزهد وترك الخلاعة ، فقالوا : ما لنا غنى عن أبي جعفر ابن سعيد ، اكتبوا له ، فصنعوا هذا الشعر وكتبوه (٥) له ، وجعلوا تحته أسماءهم : [الطويل]
بعثنا إلى ربّ السماحة والمجد |
|
ومن ما له في ملّة الظرف من ندّ |
ليسعدنا عند الصبيحة في غد |
|
لنسعى إلى الحور المؤمّل أو نجد |
نسرّح منّا أنفسا من شجونها |
|
ثوت في شجون هنّ شرّ من اللحد (٦) |
ونظفر من بخل الزمان بساعة |
|
ألذّ من العليا وأشهى من الحمد |
على جدول ما بين ألفاف دوحة |
|
تهزّ الصّبا فيها لواء من الرّند |
ومن كان ذا شرب يخلّى بشأنه |
|
ومن كان ذا زهد تركناه للزهد |
وما ظرفه يأبى الحديث على الطّلى |
|
ولا أن يديل الهزل حينا من الجدّ |
تهزّ معاني الشعر أغضان ظرفه |
|
ويمرح في ثوب الصبابة والوجد |
وما نغّص العيش المهنّأ غير أن |
|
يمازجه تكليف ما ليس بالود (٧) |
نظمنا من الخلّان عقد فرائد |
|
ولمّا نجد إلّاك واسطة العقد |
فماذا تراه لا عدمناك ساعة |
|
فنحن بما تبديه في جنّة الخلد |
ورشدك مطلوب وأمرك نحوه ار |
|
تقاب وكلّ منك يهدي إلى الرشد |
__________________
(١) الفلق : الصبح.
(٢) اللامعات : السيوف. وصليلها : صوت وقع بعضها على بعض.
(٣) انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ٢٦٤.
(٤) في ب : «لحور».
(٥) في ب ، ه : «وكتبوا له».
(٦) نسرّح الأنفس : نطلقها من سجنها.
(٧) في ه : «يمازحه تكليف» بالحاء مهملة.