إذا زرتكم غبّا فلم ألق بالبرّ |
|
وإن غبت لم أطلب ولم أجر في الذّكر |
فإني إذن أولى الورى بفراقكم |
|
ولا سيّما بعد التجلّد والصّبر |
ولمّا وفد على المنصور بن أبي عامر الشاعر المشهور أبو عبد الله محمد بن مسعود الغسّاني البجالي (١) اتّهم برهق في دينه ، فسجنه في المطبق مع الطليق القرشي ، والطليق غلام وسيم ، وكان ابن مسعود كلفا به يومئذ وفيه يقول : [البسيط]
غدوت في السجن خدنا لابن يعقوب |
|
وكنت أحسب هذا في التكاذيب |
رامت عداتي تعذيبي وما شعرت |
|
أنّ الذي فعلوه ضدّ تعذيبي |
راموا بعادي عن الدنيا وزخرفها |
|
فكان ذلك إدنائي وتقريبي |
لم يعلموا أنّ سجني لا أبا لهم |
|
قد كان غاية مأمولي ومرغوبي |
وسجن ابن مسعود (٢) والطليق قبله ، ووقع بينه وبين الطليق ، وعاد المدح هجاء ، فقال فيه : [السريع]
ولي جليس قربه منّي |
|
بعد الأماني كذبا عنّي |
قد قذيت من لحظه مقلتي |
|
وقرّحت من لفظه أذني |
هوّن لي في السجن من قربه |
|
أشدّ في السجن من السجن (٣) |
لو أنّ خلقا كان ضدّا له |
|
زاد على يوسف في الحسن |
إذا ارتمى فكري في وجهه |
|
سلّط إبطيه على ذهني |
كأنما يجلس من ذا وذا |
|
بين كنيفين من النّتن |
وقال يخاطب المنصور من السجن : [السريع]
دعوت لمّا عيل صبري فهل |
|
يسمع دعواي المليك الحليم |
مولاي مولاي ، ألا عطفة |
|
تذهب عني بالعذاب الأليم |
إن كنت أضمرت الذي زخرفوا |
|
عنّي فدعني للقدير الرحيم |
فعنده نزّاعة للشّوى |
|
وعنده الفردوس ذات النعيم |
__________________
(١) انظر الجذوة ص ٨٦.
(٢) في ب ، ه : «وانطلق ابن مسعود والطليق قبله».
(٣) في ب ، ه : «راهنني في السجن من قربه».