أو تذمّ الزمان وهو حقيق |
|
فأبو الطيب البعيد المرامي |
ولمّا انتثر سلك نظام ملك لمتونة تفرّق ملك الأندلس رؤساء البلاد ، وكان من جملتهم الأمير أبو الحسن بن نزار لما له من الأصالة في وادي آش ، فحسده أهل بلده ، وقصدوا تأخيره عن تلك المرتبة ، فخطبوا في بلدهم لملك شرق الأندلس محمد بن مردنيش ، ووجّه لهم عمّاله وأوصالهم أن يخرج هذا الأسد من غيله ، ويفرّق بينه وبين تأميله ، ورفعوا له أشعارا كان يستريح بها على كاسه ، ويبثّها بمحضر من يركن إليه من جلّاسه ، ومنها قوله ، وقد استشعر من نفسه أنها أهل للتقديم ، مستحقّة لطلب سلفه القديم : [البسيط]
الآن أعرف قدر النّفع والضّرر |
|
فكيف أصدر ما للملك من صدر |
وكيف أطلع في أفق العلا قمرا |
|
ويستهلّ بكفّي واكف الدرر (١) |
وكيف أملأ صدر الدهر من رعب |
|
وأستقلّ بحمل الحادث النّكر |
وأستعدّ لما ترمي الخطوب به |
|
وأستطيل على الأيام بالفكر |
لكنني ربما بادرت منتهزا |
|
لفرصة مرقت كاللمح بالبصر (٢) |
في أمّ رأسي ما يعيا الزمان به |
|
شرحا فسل بعدها الأيام عن خبري |
فعندما وقف ابن مردنيش على هذا القول وجّه إلى وادي آش من حمله إليه ، وقيّده ، وقدم به إلى مرسية أسيرا ، بعدما كان مرتقبا أن يقدم أميرا ، فلمّا وقعت عين ابن مردنيش عليه قال له : أمكن الله منك يا فاجر ، فقال : أنت ـ أعزّك الله! ـ أولى بقول الخير من قول الشّرّ ، ومن أمكنه الله من القدرة على الفعل فما يليق به أن يستقدر بالقول ، فاستحيا منه ، وأمر به للسجن ، فمكث فيه مدّة ، وصدرت عنه أشعار في تشوّقه إلى بلاده ، منها قوله : [المتقارب]
لقد بلغ الشوق فوق الذي |
|
حسبت فهل للتلاقي سبيل |
فلو أنني متّ من شوقكم |
|
غراما لما كان إلّا قليل |
تعلّلني بالتداني المنى |
|
وينشدني الدهر : صبر جميل |
فقل لبثينة إن أصبحت |
|
بعيدا فلم يسل عنها جميل |
أغضّ جفوني عن غيرها |
|
وسمعي عن اللوم فيها يميل |
__________________
(١) الواكف : المطر المنهمل ، واستعار المعنى هنا للدرر.
(٢) في ه : «لفرصة فرقت كاللمح بالبصر».