فأفرط بعض الحاضرين في استحسانها ، وقال : هذا ما لا يقدر أندلسي على مثله ، وبالحضرة أبو بكر يحيى بن هذيل (١) ، فقال بديها : [الطويل]
عرفت بعرف الريح أين تيمّموا |
|
وأين استقلّ الظاعنون وخيّموا |
خليليّ ، ردّاني إلى جانب الحمى |
|
فلست إلى غير الحمى أتيمّم |
أبيت سمير الفرقدين كأنما |
|
وسادي قتاد أو ضجيعي أرقم (٢) |
وأحور وسنان الجفون كأنّه |
|
قضيب من الريحان لدن منعّم |
نظرت إلى أجفانه وإلى الهوى |
|
فأيقنت أني لست منهنّ أسلم |
كما أنّ إبراهيم أوّل نظرة |
|
رأى في الدرّاري أنه سوف يسقم (٣) |
ومن كلام ابن بسام صاحب «الذخيرة» في جزيرة الأندلس : أشراف عرب المشرق افتتحوها ، وسادات أجناد الشام والعراق نزلوها ، فبقي النسل فيها بكلّ إقليم ، على عرق كريم ، فلا يكاد بلد منها يخلو من كاتب ماهر ، وشاعر قاهر.
وذكر أن أبا علي البغدادي ، صاحب الأمالي ، الوافد على الأندلس في زمان بني مروان قال : لمّا وصلت القيروان وأنا أعتبر من أمرّ به من أهل الأمصار فأجدهم درجات في العبارات وقلّة الفهم ، بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد ، كأنّ منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاصّة ومقايسة. قال أبو علي : فقلت إن نقص أهل الأندلس عن مقادير من رأيت في أفهامهم بقدر نقصان هؤلاء عمّن قبلهم فسأحتاج إلى ترجمان ، في هذه الأوطان. قال ابن بسام : فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجّب من أهل هذا الأفق الأندلسي في ذكائهم ، ويتغطّى عنهم عند المباحثة والمناقشة (٤) ، ويقول لهم : إنّ علمي علم رواية ، وليس علم (٥) دراية ، فخذوا عنّي ما نقلت ، فلم آل لكم أن صحّحت. هذا مع إقرار الجميع له يومئذ بسعة العلم وكثرة الروايات ، والأخذ عن الثقات ، انتهى.
ومن كلام الحجاريّ في «المسهب» د :
__________________
(١) كذا في أ، ب ، ج. وفي ه : «أبو بكر بن يحيى بن هذيل».
(٢) القتاد : شجر صلب له شوك كالإبر.
(٣) يشير إلى ما حكاه الله تعالى عن الخليل إبراهيم عليه السلام في قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ). سورة الصافات الآية : ٨٩. والدراري في البيت بمعنى النجوم.
(٤) في ب ، ه «المباحثة والمفاتشة».
(٥) في ب ، ه : «وليس بعلم دراية».