ومن لطف أهل الأندلس ورقّة طباعهم ما حكاه أبو عمرو بن سالم المالقي قال : كنت جالسا بمنزلي بمالقة ، فهاجت نفسي أن أخرج إلى الجبّانة ، وكان يوما شديد الحرّ ، فراودتها على القعود ، فلم تمكني من القعود ، فمشيت حتى انتهيب إلى مسجد يعرف برابطة الغبار ، وعنده الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي ، فقال لي : إني كنت أدعو الله تعالى أن يأتيني بك ، وقد فعل ، فالحمد لله ، فأخبرته بما كان مني ، ثم جلست عنده ، فقال : أنشدني ، فأنشدته لبعض الأندلسيين : [الكامل]
غصبوا الصباح فقسّموه خدودا |
|
واستوعبوا قضب الأراك قدودا |
ورأوا حصا الياقوت دون نحورهم |
|
فتقلّدوا شهب النجوم عقودا |
لم يكفهم حدّ الأسنّة والظّبا |
|
حتى استعاروا أعينا وخدودا (١) |
فصاح الشيخ ، وأغمي عليه ، وتصبّب عرقا ، ثم أفاق بعد ساعة ، وقال : يا بني ، اعذرني فشيئان يقهراني ، ولا أملك نفسي عندهما : النظر إلى الوجه الحسن ، وسماع الشعر المطبوع ، وانتهى (٢).
وستأتي هذه الأبيات في هذا الباب بأتمّ من هذا.
وعلى كل حال فهي لأهل الأندلس ، لا لابن دريد كما ذكره بعضهم ، وسيأتي تسمية صاحبها الأندلسي ، كما في كتاب «المغرب» لابن سعيد العنسي المشهور ، رحمه الله تعالى : وقال بعض الأدباء ليحيى الجزار ، وهو يبيع لحم ضأن : [المنسرح]
لحم إناث الكباش مهزول
فقال يحيى :
يقول للمشترين مه زولوا
وقال التطيلي الأعمى في وصف أسد رخام يرمي بالماء على بحيرة (٣) : [مجزوء الكامل]
أسد ولو أنّي أنا |
|
قشه الحساب لقلت صخره |
__________________
(١) الظّبا : جمع ظبة ، وهي حد السيف والسنان.
(٢) في ب : «انتهى» بإسقاط الواو.
(٣) انظر ديوان التطيلي ص ٢٤٩.