فزاد طربه وسروره بحسن ارتجاله ، وأمر له بجائزة سنيّة.
قال علي بن ظافر : وأخبرني أيضا أنّ سبب اشتهار ابن جاخ هذا أنّ الوزير أبا بكر بن عمار كان كثير الوفادة على ملوك الأندلس ، لا يستقرّ ببلدة (١) ، ولا يستفزّه عن وطره (٢) وطن ، وكان كثير التطلّب لما يصدر عن أرباب المهن ، من الأدب الحسن (٣) ، فبلغه خبر ابن جاخ هذا قبل اشتهاره ، فمرّ على حانوته وهو آخذ في صناعة صباغته (٤) ، والنيل قد جرّ على يديه ذيلا ، وأعاد نهارهما ليلا ، فأراد أن يعلم سرعة خاطره ، فأخرج زنده ويده بيضاء من غير سوء ، وأشار إلى يده ، وقال : [المجتث]
كم بين زند وزند؟
فقال :
ما بين وصل وصدّ
فعجب من حسن ارتجاله ، ومبادرة العمل واستعجاله ، وجذب بضبعه ، وبلغ من الإحسان إليه غاية وسعه.
وبلغني أيضا أنه دخل سرقسطة فبلغه خبر يحيى القصّاب السرقسطي ، فمرّ عليه ، ولحم خرفانه (٥) بين يديه ، فأشار ابن عمار إلى اللحم ، وقال : [المنسرح]
لحم سباط الخرفان مهزول
فقال :
يقول للمفلسين مه زولوا (٦)
__________________
(١) في ب : «لا يستقر ببلد». وكلاهما صحيح لورودهما في القرآن الكريم (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) [النمل : ٩١] وقوله (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ) [فاطر : ٩].
(٢) وطره : حاجته وهمته.
(٣) في ه : «من الأدب المحسن».
(٤) في ه : «صباغه».
(٥) في ه : «ولحم جزوره بين يديه».
(٦) في ب ، ه : «يقول يا مشترين مه زولوا».