للقائها الشجاع ويكترث ، فدعاه إلى البراز عظيم أبطالهم ، فقال له الملك : يا حريز ، أريد أن أنظر إلى مبارزتك هذا البطل ، فقال له حريز : المبارز لا يبارز إلّا أكفاءه ، وإنّ لي بيّنة على صدق قولي أن ليس لي فيهم كفء ، هذا رمحي قد ركزته ، فمن ركب واقتلعه بارزته ، كان واحدا أو عشرة ، فركب عظيمهم فلم يهزّ الرمح من مكانه حين رامه ، ثم فعل ذلك مرارا ، فقال له الملك : أرني يا حريز كيف تقلعه ، فركب وأشار بيده واقتلعه ، فعجب القوم ، ووصله الملك وأكرمه ، انتهى.
وكان حريز هذا شاعرا ، ولمّا اجتاز به كاتب ابن ذي النون الوزير أبو المطرف ابن المثنى كتب إليه : [مجزوء الرمل]
يا فريدا دون ثان |
|
وهلالا في العيان |
عدم الراح فصارت |
|
مثل دهن البلّسان (١) |
فجاوبه حريز ، وهو يومئذ أمير قلعته : [مجزوء الرمل]
يا فريدا لا يجارى |
|
بين أبناء الزمان |
جاء من شعرك روض |
|
جاده صوب البيان |
فبعثناها سلافا |
|
كسجاياك الحسان (٢) |
وكان لحريز كاتب يقال له عبد الحميد بن لاطون فيه تغفل شديد ، فأمره أن يكتب إلى المأمون بن ذي النون في شأن حصن دخله النصارى ، فكتب : وقد بلغني أنّ الحصن الفلاني دخله النصارى إن شاء الله تعالى ، فهذه الواقعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، بل هي الحادثة الشاهدة بأشراط الزمان ، فإنّا لله على هذه المصيبة التي هدّت قواعد المسلمين ، وأبقت في قلوبهم حسرة إلى يوم الدين. فلمّا وصل الكتاب للمأمون ضحك حتى وقع للأرض ، وكتب لابن عكاشة جوابه ، وفيه : وقد عهدناك منتقيا لأمورك ، نقّادا لصغيرك وكبيرك ، فكيف جاز عليك أمر هذا الكاتب الأبله الجلف (٣) ، وأسندت إليه الكتب عنك دون أن تطّلع عليه ، وقد علمت أن عنوان الرجل كتابه ، ورائد عقله خطابه ، وما أدري من أيّ شيء يتعجّب منه ، هل من تعليقه إن شاء الله تعالى بالماضي؟ أم من حسن تفسيره للقرآن ووضعه مواضعه؟ أم من تورّعه عن تأويله إلّا بتوقيف من سماع عن إمام (٤)؟ أم من تهويله لما طرأ على من يخاطبه؟ أم
__________________
(١) البلسان : البيلسان ، شجر أبيض الزهر يزرع للزينة.
(٢) السلاف : الخمر.
(٣) الجلف : الكز ، الغليظ ، الجافي.
(٤) في ه : «يتوقف عند سماع عن إمام».