وها أنا خارج منها سليبا |
|
أقلّب نادما كلتا يديّا |
وأبكي ثم أعلم أنّ مبكا |
|
ي لا يجدي فأمسح مقلتيّا |
ولم أجزع لهول الموت لكن |
|
بكيت لقلّة الباكي عليّا |
وأنّ الدهر لم يعلم مكاني |
|
ولا عرفت بنوه ما لديّا |
زمان سوف أنشر فيه نشرا |
|
إذا أنا بالحمام طويت طيّا (١) |
أسرّ بأنني سأعيش ميتا |
|
به ويسوءني أن متّ حيّا |
وقال الزاهد العارف بالله سيدي أبو العباس بن العريف (٢) نفعنا الله تعالى به : [البسيط]
سلوا عن الشوق من أهوى فإنّهم |
|
أدنى إلى النفس من وهمي ومن نفسي |
فمن رسولي إلى قلبي ليسألهم |
|
عن مشكل من سؤال الصّبّ ملتبس |
حلّوا فؤادي فما يندى ، ولو وطئوا |
|
صخرا لجاد بماء منه منبجس |
وفي الحشا نزلوا والوهم يجرحهم |
|
فكيف قرّوا على أذكى من القبس (٣) |
لأنهضنّ إلى حشري بحبّهم |
|
لا بارك الله فيمن خانهم ونسي |
قلت : وقد زرت قبره المعظم بمراكش سنة عشر وألف ، وهو ممّن يتبرّك به في تلك الديار ، ويستسقى به الغيث ، وهو من أهل المرية ، وأحضره السلطان إلى مراكش فمات بها ، وله كرامات شهيرة ومقامات كبيرة ، نفعنا الله تعالى به!.
واعلم أنّ أهل الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي ، وأهل الشام منذ أول الفتح ، ففي دولة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ـ وهو ثالث الولاة بالأندلس من الأمويين ـ انتقلت الفتوى إلى رأي مالك بن أنس وأهل المدينة ، فانتشر علم مالك ورأيه بقرطبة والأندلس جميعا ، بل والمغرب ، وذلك برأي الحكم واختياره ، واختلفوا في السبب المقتضي لذلك ، فذهب الجمهور إلى أن سببه رحلة علماء الأندلس إلى المدينة ، فلما رجعوا إلى الأندلس وصفوا فضل مالك وسعة علمه ، وجلالة قدره ، فأعظموه كما قدّمنا ذلك ، وقيل : إن الإمام مالكا سأل بعض الأندلسيين عن سيرة ملك الأندلس ، فوصف له سيرته ، فأعجبت مالكا لكون سيرة بني العباس في ذلك الوقت لم تكن بمرضية ، وكابد لما صنع أبو جعفر المنصور
__________________
(١) الحمام : الموت.
(٢) انظر في ترجمته وفيات الأعيان ج ١ ص ١٥١.
(٣) القبس : النار.