بالرد ، وأطللنا على قرطبة بمحلاتنا ننسف الجبال نسفا (١) ، ونعم الأرض زلزالا وخسفا ، ونستقري مواقع البذر احتراقا ، ونخترق أجوابها المختلفة (٢) بحب الحصيد اختراقا ، ونسلط عليها من شرر النار أمثال الجمالات الصفر مدت من الشّواظ أعناقا (٣) ، ونوسع القرى الواسعة قتلا واسترقاقا ، وندير على مستديرها كؤوس الحتوف دهاقا (٤) ، وأخذت النيران واديها الأعظم من كلا جانبيه حتى كأن العيون أحمت سبيكته فاستحالت ، وأذابت صفيحته فسالت ، وأتت الكفار سماؤهم بالدخان المبين ، وصارت الشمس من بعد سفورها وعموم نورها منقبة المحيّا (٥) معصبة الجبين ، وخضنا أحشاء الغريرة (٦) نعمّ أشتات النّعم انتسافا ، وأقوات أهلها إتلافا ، وآمال سكانها إخلافا ، وقد بهتوا لسرعة الرجوع ، ودهشوا لوقوع الجوع وتسبيب تخريب الربوع ، فمن المنكر البعيد ، أن يتأتى بعد عمرانها المعهود ، وقد اصطلم الزرع واجتثّ العود ، وصار إلى العدم منها الوجود ، ورأوا من عزائم الإسلام خوارق تشذ عن نطاق العوائد ، وعجائب تستريب فيها عين المشاهد ، إذ اشتمل هذا العام ، المتعرف فيه من الله تعالى الإنعام ، على غزوات أربع دمرت فيها القواعد الشهيرة تدميرا ، وعلا فوق مراقيها الأذان عزيزا جهيرا ، وضويقت كراسيّ الملك تضييقا كبيرا ، وأذيقت وبالا مبيرا ، ورياح الإدالة إن شاء الله تعالى تستأنف هبوبا ، وبأسا مشبوبا ، والثقة بالله قد ملأت نفوسا مؤمنة وقلوبا ، والله سبحانه المسؤول أن يوزع شكر هذه النعم التي أثقلت الأكتاد ، وأبهظت الطّوق المعتاد ، وأبهجت المسيم والمرتاد (٧) ، فبالشكر يستدر فريدها (٨) ، ويتوالى تجديدها ، وقطعنا في بحبوحة تلك العمالة المستبحرة العمارة ، والفلج المغني وصفها عن الشرح والعبارة ، مراحل ختمنا بالتعريج على حرب جيّان حربها ، ففللنا ثانية غربها وجدّدنا كربها واستوعبنا حرقها وخربها ، ونظمنا البلاد في سلك البلاء ، وحثثنا في إنجادها وأغوارها ركائب الاستيلاء ، فلم نترك بها ملقط طير ، فضلا عن معاف عير ، ولا أسأرنا لفلها المحروب بلالة خير ، وقفلنا وقد تركنا بلاد النصارى التي منها لكيادنا المدد ، والعدّة والعدد ، وفيها الخصام واللّدد ، قد لبست الحداد حريقا ، وسلكت إلى الخلاء والجلاء طريقا ، ولم نترك لها مضيفة؟؟؟ تخالط ريقا ، ولا نعمة تصون من الفراق فريقا ، وما كانت تلك النعم لو لا أن أعان الله تعالى من عنصري النار والهواء بجنود كونه الواسع ، ومدركه البعيد الشاسع ، لتتولى الأيدي البشرية تغريبها ولا ترزأ كثيرها ، ولا لتمتاح بالاغتراف غديرها ، بل لله القدرة جميعا ، فقدرته لا تتحامى ريعا ولا
__________________
(١) في ب ، ه : ننسف جبال النعم نسفا.
(٢) في ج : المحترقة.
(٣) الشواظ : اللهب الذي لا دخان فيه.
(٤) دهاقا : ملأى.
(٥) منقبة المحيا : لابسة النقاب.
(٦) في ب ، ه : الغرنتيرة.
(٧) في ج : المشيم.
(٨) في ب : مزيدها.