ثم فصّل رحمه الله تعالى ذلك كله بما تعدّدت منه الأجزاء وقد لخصت منه هنا بعض ما ذكر ، ثم أردفته بكلام غيره ، فأقول : قال في كتاب أجار (١) : إن قرطبة ـ بالطاء المعجمة ـ ومعناه أجر ساكنها ، يعني عرّبت بالطاء ، ثم قال ودور مدينة قرطبة ثلاثون ألف ذراع ، انتهى.
وقال غيره : إن تكسيرها ومساحتها التي دار السور عليها دون الأرباض (٢) طولا من القبلة إلى الجوف ألف وستمائة ذراع ، واتصلت العمارة بها أيام بني أمية ثمانية فراسخ طولا وفرسخين عرضا ، وذلك من الأميال أربعة وعشرون في الطول ، وفي العرض ستة ، وكل ذلك ديار وقصور ومساجد وبساتين بطول ضفة الوادي المسمى بالوادي الكبير ، وليس في الأندلس واد يسمّى باسم عربيّ غيره ، ولم تزل قرطبة في الزيادة منذ الفتح الإسلامي إلى سنة أربعمائة ، فانحطّت ، واستولى عليها الخراب بكثرة الفتن إلى أن كانت الطّامّة الكبرى عليها بأخذ العدوّ الكافر لها في ثاني وعشري شوّال سنة ستمائة وثلاث وعشرين (٣).
ثم قال هذا القائل : ودور قرطبة أعني المسوّر منها دون الأرباض ثلاثة وثلاثون ألف ذراع ، ودور قصر إمارتها ألف ذراع ومائة ذراع ، انتهى.
وعدد أرباضها أحد وعشرون ، في كل ربض منها من المساجد والأسواق والحمّامات ما يقوم بأهله ، ولا يحتاجون إلى غيره ، وبخارج قرطبة ثلاثة آلاف قرية ، في كل واحدة منبر وفقيه مقلّص (٤) تكون الفتيا في الأحكام والشرائع له ، وكان لا يجعل القالص عندهم على رأسه إلا من حفظ الموطّأ (٥) ، وقيل : من حفظ عشرة آلاف حديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وحفظ المدوّنة ، وكان هؤلاء المقلّصون المجاورون لقرطبة يأتون يوم الجمعة للصلاة مع الخليفة بقرطبة ، ويسلّمون عليه ، ويطالعونه بأحوال بلدهم. انتهى.
قال : وانتهت جباية قرطبة أيام ابن أبي عامر إلى ثلاثة آلاف ألف دينار ، بالإنصاف ، وقد ذكرنا في موضع آخر ما فيه مخالفة لهذا ، فالله أعلم ، وما أحسن قول بعضهم : [البسيط]
دع عنك حضرة بغداد وبهجتها |
|
ولا تعظّم بلاد الفرس والصّين |
فما على الأرض قطر مثل قرطبة |
|
وما مشى فوقها مثل ابن حمدين |
__________________
(١) هو الكتاب المعروف بجغرافية الإدريسي الذي ألفه لأجار ، وهو أحد ملوك صقلية النور منديين وأجار وهو رجار.
(٢) الأرباض : جمع ربض ، وهو ما حول المدينة من مساكن ، وضواحي المدينة.
(٣) في ب : ثالث عشرين شوّال سنة ستمائة وثلاث وثلاثين.
(٤) المقلص والمقلس : الذي يلبس القلنسوة.
(٥) موطّأ الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.