وكانت بينه وبين الفتح صاحب القلائد عداوة ، ولذلك كتب في شأنه إلى أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ما صورته : أطال الله تعالى بقاء الأمير الأجل سامعا للنداء ، دافعا للتطاول والاعتداء ، لم ينظم الله تعالى بلبّتك الملك عقدا ، وجعل لك حلّا للأمور وعقدا ، وأوطأ لك عقبا ، وأصار من الناس لعونك منتظرا ومرتقبا ، إلا أن تكون للبرية حائطا ، وللعدل فيهم باسطا ، حتى لا يكون فيهم من يضام ، ولا ينال أحدهم اهتضام ، ولتقصر يد كل معتد في الظلام ، وهذا ابن زهر الذي أجررته رسنا ، وأوضحت له إلى الاستطالة سننا ، لم يتعد من الإضرار إلا حيث انتهيته ، ولا تمادى على غيه إلا حين لم تنهه أو نهيته ، ولما علم أنك لا تنكر عليه نكرا ، ولا تغير له متى ما مكر في عباد الله مكرا ، جرى في ميدان الأذية ملء عنانه ، وسرى إلى ما شاء بعدوانه ، ولم يراقب الذي خلقه ، وأمدّ في الحظوة عندك طلقه ، وأنت بذلك مرتهن عند الله تعالى لأنه مكنك لئلا يتمكن الجور ، ولتسكن بك الفلاة والغور (١) ، فكيف أرسلت زمامه حتى جرى من الباطل في كل طريق ، وأخفق به كلّ فريق ، وقد علمت أن خالقك الباطش الغيور ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وما تخفى عليه نجواك ، ولا يستتر عنه تقلبك ومثواك (٢) ، وستقف بين يدي عدل حاكم ، يأخذ بيد كل مظلوم من ظالم ، قد علم كل قضية قضاها ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، فبم تحتج معي لديه ، إذا وقفت أنا وأنت بين يديه؟ أترى ابن زهر ينجيك في ذلك المقام ، أو يحميك من الانتقام ، وقد أوضحت لك المحجّة (٣) ، لتقرم عليك الحجة ، والله سبحانه النصير ، وهو بكل خلق بصير ، لا رب غيره ، والسلام (٤).
وقد تذكرت هنا بذكر الفتح ما كتبه وقد مات بعض إخوانه غريقا : [بحر الطويل]
أتاني ورحلي بالعراق عشية |
|
ورحل المطايا قد قطعن بنا نجدا |
نعيّ أطار القلب عن مستقرّه |
|
وكنت على قصد فأغلطني القصدا |
نعوا والله باسق الأخلاق لا يخلف ، ورموا قلبي بسهم أصاب صميمه فما أخلف ، لقد سام الردى منه حسنا وجمالا ووسامة ، وطوى بطيّه نجده وتهامه ، فعطل منه النّديّ والنّدى ، وأثكل فيه الهديّ والهدى ، كم فلّ السيوف طول قراعه ، ودل عليه الضيوف موقد ناره
__________________
(١) الغور : المطمئن المنخفض من الأرض.
(٢) مثواك : إقامتك.
(٣) المحجة : الطريق.
(٤) في ب : «انتهى».