وقال صاحب «درة الأسلاك» (١) في سنة ٦٦٩ ، ما صورته (٢) : وفيها توفي الشيخ قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن سبعين المرسي ، صوفي متفلسف ، متزهد متقشف ، يتكلم على طريق أصحابه ، ويدخل البيت ولكن من غير أبوابه ، شاع أمره ، واشتهر ذكره ، وله تصانيف وأتباع ، وأقوال يميل إليها بعض القلوب وتملها بعض الأسماع ، وكانت وفاته بمكة المشرفة عن نحو خمسين سنة ، تغمده الله تعالى برحمته! انتهى.
وقال بعض الأعلام في حق ابن سبعين : إنه كان رحمه الله تعالى عزيز النفس ، قليل التصنع ، يتولى خدمة الكثير من الفقراء والسّفارة أصحاب العبادات (٣) والدفافيس (٤) بنفسه ، ويحفون به في السكك ، ولما توفرت دواعي النقد عليه من الفقهاء كثر عليه التأويل ، ووجهت لألفاظه المعاريض ، وفليت موضوعاته ، وتعاورته الوحشة ، وجرت بينه وبين الكثير من أعلام المشرق والمغرب خطوب يطول ذكر.
ووقع في رسالة لبعض تلامذة ابن سبعين المذكور ، وأظن اسمه يحيى بن محمد (٥) بن أحمد بن سليمان ، وسماها «بالوراثة المحمدية ، والفصول الذاتية» ما صورته : فإن قيل : ما الدليل على أن هذا الرجل الذي هو ابن سبعين هو الوارث المشار إليه؟ قلنا : عدم النظير ، واحتياج الوقت إليه ، وظهور الكلمة المشار إليها عليه ، ونصيحته لأهل الملة ، ورحمته المطلقة للعالم المطلق ، ومحبته لأعدائه ، وقصده لراحتهم مع كونهم يقصدون أذاه ، وعفوه عنهم مع قدرته عليهم ، وجذبهم إلى الخير مع كونهم يطلبون هلاكه ، وهذه كلها من علامات الوراثة والتبعية المحضة التي لا يمكن أحدا أن يتصف بها إلا بمجد أزلي وتخصيص إلهي ، وها أنا أصف لك بعض ما خصه الله سبحانه وتعالى به من الأمور التي هي خارقة للعادة ، ونلغي عن الأمور الخفية التى لا نعلمها ، ونقصد الأمور الظاهرة التي نعلمها ، والتي لا يمكن أحدا أن يستريب (٦) فيها إلا من أصمه الله تعالى وأعماه ، ولا يجحدها إلا حسود قد أتعب الله تعالى قلبه وأنساه رشده ، ونعوذ بالله ممن عاند من الله تعالى مساعده ومؤيده ، وهو معه بنصره وعونه ، فما أتعب معانده ، وما أسعد موادده ، وما أكبت مرادده ، فنبدأ بذكر ما وعدنا ، فنقول :
__________________
(١) درة الأسلاك في دولة الأتراك لمحمد بن حبيب الحلبي (انظر كشف الظنون ج ١ ص ٧٣٧).
(٢) في ب : العباءات.
(٣) كثر التصحيف في هذه الكلمة فجاءت تارة الدفافيس ، وتارة الدنافيس ، وتارة الدقاقيس. لعل الدفافيس نوع من الثياب الخشنة ، ولا يمكن الجزم فيها.
(٤) في ب ، ه : يحيى بن أحمد بن سليمان.
(٥) في ه : «يتريب». وما أثبتناه في ب ، ج وهو أدق. ويستريب : يقع في الشك ، أو يرى ما يريبه.
(٦) في ب ، ه : أول ما ذكر في شرفه.