أعمال قرطبة (١) ، وأصل سلفه من موالي الوليد بن عبد الملك ، وسمع المذكور بقرطبة من بقي ابن مخلد ومحمد بن وضاح ومطرّف بن قيس وأصبغ بن خليل وابن مسرة وغير واحد ، ورحل إلى المشرق مع محمد بن عبد الملك بن أيمن ومحمد بن زكريا بن عبد الأعلى سنة أربع وسبعين ومائتين ، فسمع بمكة من محمد بن إسماعيل الصائغ وعلي بن عبد العزيز ، ودخل العراق ، فلقي من أهل الكوفة إبراهيم بن أبي العنبس قاضيها وإبراهيم بن عبد الله القصار (٢) ، وسمع ببغداد من القاضي إسماعيل وأحمد بن زهير بن حرب وغيرهما كعبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل والحارث بن أبي أسامة وكتب عن ابن أبي خيثمة تاريخه ، وسمع من ابن قتيبة كثيرا من كتبه ، وسمع من المبرد وثعلب وابن الجهم في آخرين ، وسمع بمصر من محمد بن عبد الله العمري ومطلب بن شعيب وغيرهما ، وسمع بالقيروان من أحمد بن يزيد المعلم وبكر بن حماد التاهرتي الشاعر ، وانصرف إلى الأندلس بعلم كثير ، فمال الناس إليه في تاريخ أحمد بن زهير وكتب ابن قتيبة ، وأخذوا ذلك عنه دون صاحبيه ابن أيمن وابن عبد الأعلى ، وكان بصيرا بالحديث والرجال ، نبيلا في النحو والغريب والشعر (٣) ، وكان يشاور في الأحكام ، وصنف على كتاب السنن لأبي داود كتابا في الحديث ، وسببه أنه لما قدم العراق سنة ست وسبعين ومائتين مع صاحبه محمد بن أيمن ، فوجدا أبا داود قد مات قبل وصولهما بيسير ، فلما فاتهما عمل كل واحد منهما مصنفا في السنن على أبواب كتاب أبي داود ، وخرجا الحديث من روايتهما عن شيوخهما وهما مصنفان جليلان ، ثم اختصر قاسم بن أصبغ كتابه وسماه «المجتنى» بالنون. وابتدأ اختصاره في المحرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة ، وجعله باسم الحكم المستنصر ، وفيه من الحديث المسند ألفان وأربعمائة وتسعون حديثا في سبعة أجزاء.
ومولده يوم الاثنين عاشر ذي الحجة سنة سبع وأربعين ومائتين ، رحمه الله تعالى!.
وحكى القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] : أن قاسم بن أصبغ قال : لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان ، فأخذت عن بكر بن حماد حديث مسدّد (٤) ، فقرأت عليه يوما فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أنه قدم عليه قوم من
__________________
(١) بيانة : من أعمال قرطبة ، وهي من مدن قبرة ، وعلى يمين الذاهب إلى قرطبة ، وشرقي قبرة ، بينهما عشرة أميال ، وهي على ربوة من الأرض ، طيبة التربة ، كثيرة المياه السائحة ولها حصن منيع ، ثم ذكر من أهلها قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف بن ناصح بن عطاء البياني (صفة جزيرة الأندلس ص ٥٩).
(٢) في ج : القصاد وهو تحريف.
(٣) في ب ، ه : في النحو والعربية والشعر.
(٤) في ه : أخذت عن بكر بن حماد حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم عليه ... إلخ.