ومنية الزبير منسوبة إلى الزبير بن عمر الملثّم (١) ملك قرطبة.
قال ابن سعيد : أخبرني والدي عن أبيه قال : خرج معي إلى هذه المنية في زمان فتح النّوّار أبو بكر بن بقيّ (٢) الشاعر المشهور ، فجلسنا تحت سطر من أشجار اللّوز قد نوّرت ، فقال ابن بقيّ : [البسيط]
سطر من اللّوز في البستان قابلني |
|
ما زاد شيء على شيء ولا نقصا |
كأنّما كلّ غصن كمّ جارية |
|
إذا النّسيم ثنى أعطافه رقصا |
ثم قال شعرا منه : [الطويل]
عجبت لمن أبقى على خمر دنّه |
|
غداة رأى لوز الحديقة نوّرا |
(٣) ولا أذكر بقية الأبيات ، قال : جدّي ثم اجتمعت به بعد ذلك بغرناطة ، فذكرته باجتماعه في منية الزبير ، فتنهّد وفكر ساعة وقال : اكتبوا عني ، فكتبنا : [الطويل]
سقى الله بستان الزّبير ، ودام في |
|
ذراه مسيل النّهر ما غنّت الورق (٤) |
فكائن لنا من نعمة في جنابه |
|
كبزّته الخضراء طالعها طلق |
هو الموضع الزّاهي على كلّ موضع |
|
أما ظلّه ضاف أما ماؤه دفق |
أهيم به في حالة القرب والنّوى |
|
وحقّ له منّي التّذكّر والعشق |
ومن ذلك النّهر الخفوق فؤاده |
|
بقلبي ما غيّبت عن وجهه خفق |
قال : فقلت له : جمع الله بينك وبينه على الحالة التي تشتهي ، قال : ذلك لك ، قلت : وكيف ذلك؟ قال : تدفع لي هذا السيف الذي تقلدت به أتزوّد به إليه ، وأنفق الباقي فيه على ما تعلم ، قال : فقلت له : هذا السيف شرّفني به السلطان أبو زكرياء بن غانية ، ما لعطائه سبيل ، ولكن أعطيك قيمته ، فخرج وأتى بشخص يعرف قيمة السيوف ، فقدّره وجعل يقول : إنه سيف السلطان ابن غانية ، ليعظم قدره في عينه فيزيد في قيمته ، ثم قبض ما قدّر به ، وأنشد ارتجالا : [الوافر]
__________________
(١) هو الزبير بن عمر أحد ولاة الملثمين سماه ابن سعيد صاحب قرطبة والحقيقة أنه كان واليا على غرناطة.
والزبير هذا هو الذي هجاه الشاعر المعروف بالأبيض. انظر المغرب ج ٢ ص ١٢٧.
(٢) أبو بكر بن بقيّ الطليطلي : أحد كبار الشعراء الوشاحين في عصر المرابطين. توفي سنة ٥٤٠ ه. انظر معجم الأدباء ١٩ / ٢١ ووفيات الأعيان ٥ / ٢٤٨ والمغرب ٢ / ١٩.
(٣) الدّنّ : وعاء الخمر الكبير. والنّور : الزهر.
(٤) في ب : مجاريه سيل النهر ما غنّت الورق. والورق : الحمائم البيض.