باب الحروف الّتى تنصب الاسم وترفع الخبر
وهى : «إنّ وأنّ ولكنّ» ومعناها التأكيد ، و «كأنّ» ومعناها التشبيه ، و «ليت» ومعناها التمنى ، و «لعلّ» ومعناها الترجّى فى المحبوبات ، والتوقع فى المحذورات.
اعلم : أنّ هذه الحروف لما كانت مختصة بالأسماء ، ولم تكن كالجزء منها ، أشبهت الأفعال ، فعملت ورفعت أحد الاسمين ، ونصبت الآخر ؛ لأنها أشبهت منها ما يطلب اسمين ، وما يطلب / من الأفعال اسمين يرفع أحدهما وينصب الآخر ، ولما كانت معانى هذه الحروف فى أخبارها ، أشبهت الأخبار العمد (١) فرفعت ، وأشبهت الأسماء الفضلات فنصبت.
وجميعها إنما يدخل على المبتدأ والخبر : فما كان مبتدأ ، كان اسما لها ، إلا اسم الشرط واسم الاستفهام وكم الخبرية ، وكل اسم التزم فيه الرفع على الابتداء ؛ كـ «ما» التعجبية ، وايمن الله ، وما كان خبرا للمبتدأ ـ فإنه يكون خبرا لها إلا الجمل غير المحتملة للصدق (٢) والكذب ، وأسماء الاستفهام وكم الخبرية (٣).
__________________
(١) م : باب الحروف التى تنصب الاسم وترفع الخبر
قولى : «لما كانت معانى هذه الحروف فى أخبارها أشبهت الأخبار العمد» أعنى : أنك إذا قلت : إن زيدا قائم ، ولكن عمرا منطلق ، وبلغنى أن عمرا خارج ، وكّدت القيام بـ «إنّ» ، والانطلاق بـ «لكن» والخروج بـ «أنّ» ، فمعنى هذه الحروف ـ وهو التأكيد ـ إنما هو فى الخبر ، وكذلك إذا قلت : كان زيد الأسد ، فإن معنى كان هو السببية فى الخبر ؛ ألا ترى أنك إنما شبّهت زيدا بالأسد ، وإذا قلت : ليت زيدا قائم ، ولعل زيدا قائم ، فإنما تمنيت ورجوت القيام ، فمعنى ليت ولعل أيضا إنما هو فى الخبر. أه.
(٢) في ط : الصدق.
(٣) م : وقولى : «إلا الجمل غير المحتملة للصدق والكذب واسم الاستفهام وكم الخبرية» إنما لم تقع أسماء الاستفهام وكم الخبرية أخبارا لهذه الحروف ؛ لأنها تلزم صدر الكلام ؛ فيلزم لذلك تقديمها ، وأخبار هذه الحروف لا يجوز تقديمها عليها ، وأما الجمل غير المحتملة للصدق والكذب فلم تقع أخبارا لهذه الحروف ؛ لمناقضة معناها معانى هذه الحروف ، فإن جاء ما ظاهره وقوع الجملة غير المحتملة للصدق والكذب فى موضع الخبر تئول ذلك ؛ نحو قوله : [من البسيط]
إنّ الذين قتلتم أمس سيّدهم |
|
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما |
[وهو لأبى مكعت أخى بنى سعد بن مالك فى خزانة الأدب ١٠ / ٢٤٧ ، ٢٤٩ ،