وكل فعل ثلاثى يجوز فيه أن يبنى على وزن «فعل» (١) بضم العين ، ويراد به معنى المدح أو الذم ؛ وذلك فى الأفعال التى يجوز التعجب منها بقياس ، ويكون حكمه إذ ذاك كحكم نعم وبئس فى الفاعل والتمييز واسم الممدوح أو المذموم.
وما يجرى مجرى نعم وبئس فى المعنى «حبّذا» فتقول إذا أردت المدح : «حبذا زيد» ، وإذا / أردت الذم : «لا حبّذا زيد» ، وهى فى الأصل مركبة من : «حبّ وذا» الذى هو اسم إشارة ، فجعلا بمنزلة شىء (٢) واحد (٣) ، وحكم لهما بحكم الأسماء ، فإذا قلت : «حبّذا زيد» فحبّذا : مبتدأ أو خبر متقدم ، كأنك قلت : «المحبوب زيد» ؛ ولذلك لم يتغير «ذا» بحسب المشار إليه ؛ بل تقول : «حبذا الزيدان ، وحبذا الزيدون ، وحبذا الهندات» ، وكثرة (٤) إدخالهم حرف النداء على «حبذا» ؛ نحو قول جرير [من البسيط] :
١٩ ـ يا حبّذا جبل الرّيّان من جبل |
|
وحبّذا ساكن الرّيّان من كانا (٥) |
__________________
(١) م : وقولى : «وكل فعل ثلاثى يجوز أن يبنى على وزن فعل ...» إلى آخره ، من ذلك قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) [الكهف : ٥] ؛ ألا ترى أن فاعل «كبرت» مضمر على شريطة التفسير بما بعده ولا يعود الضمير على ما بعده ، إلا فى أبواب معلومة ، منها باب نعم وبئس ، فلو لا أن «كبرت» كلمة بمنزلة «نعم رجلا» لم يجز ذلك. أه.
(٢) في ط : اسم.
(٣) م : باب حبذا.
قولى : «فجعلا بمنزلة شئ واحد» مما يدل على أن حبّ مع ذا بمنزلة كلمة واحدة : أنه لا يجوز الفصل بينهما بشىء ؛ كما يجوز الفصل بين الفاعل والفعل ؛ لا يجوز أن تقول : حب اليوم ذا زيد ، تريد : حبذا زيد اليوم ، فلما جعلا بمنزلة شىء واحد ، غلّب حكم الاسم على الفعل ؛ لأن التركيب أغلب على الأسماء ؛ نحو : بعلبك ، منه على الأفعال ؛ نحو : هل يفعلن ، ومما يدل ـ أيضا ـ على أن «حبذا» بمنزلة الاسم ـ ما ذكرناه من كثرة مباشرته لحرف النداء. أه.
(٤) فى ط : وكثر
(٥) الشاهد فيه دخول فيه دخول حرف النداء «يا» على حبذا ؛ وهو كثير فى الشعر وفيه شاهد آخر أن «ذا» من «حبذا» لا تتبع المخصوص ، بل تلزم الإفراد والتذكير.
ينظر : ديوانه ص ١٦٥ ، والدرر ٥ / ٢٢٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٣ ، ولسان العرب (حبب) ، ومعجم ما استعجم ص ٦٩٠ ، ٨٦٧ وبلا نسبة في همع الهوامع ٢ / ٨٨ ، والأول منهما بلا نسبة في أسرار العربية ص ١١١ ، والجني الداني ص ٣٥٧ ، وخزانة الأدب