الحياة الاجتماعية
المجتمع الأندلسى مجتمع معقد ؛ إذ يتألف من عناصر متعددة فى أصولها البشرية ، فقد توالى على البلاد منذ فجر التاريخ أجناس مختلفة ، فحكمها الإغريق ثم الرومان ثم القوط ، وجاء العرب فصادفوا بلادا قد انطبعت فيها سمات هذه الأمم المختلفة ، فطبعوا البلاد بسمات أخرى ، وخصوصا أن العرب قد امتزجوا بالسكان السابقين عليهم بالزواج والمصاهرة والحوار والمعاشرة ؛ لأنهم أتوا إلى هذه البلاد جنودا ؛ مما اضطرهم إلى الاتصال الأسرى بسكان شبه الجزيرة الأندلسية.
وبذلك أصبح سكان الأندلس بعد الفتح الإسلامى خليطا من :
البربر والمغاربة والعرب والمسيحيين الذين كانوا ينتمون إلى العناصر الأيبيدية التى جاءت من المغرب ، والعناصر الكلسية التى وفدت من أوربا والجماعات اليهودية القديمة والرومان والقوط وبعض العناصر الأوربية الشمالية والصقالبة (١).
ولهذا الاختلاط آثاره الخلقية والخلقية والعقلية ؛ مما دفع ذلك ابن المقرى إلى وصف أهل الأندلس نتيجة هذا الاختلاط بقوله :
«أهل الأندلس : «عرب» في الأنساب والعزة وعلو الهمة وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما فى أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية.
«هنديون» فى إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم إياها.
«بغداديون» فى نظافتهم وظرفهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم.
و «يونانيون» فى استبطانهم للمياه ، ومعاناتهم لضروب الفراسات واختيارهم لأجناس الفواكه ، وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر» (٢).
وقد كان سكان هذه البلاد فى حالة استقرار يعيشون فى القرى والحصون ، إضافة
__________________
(١) ينظر البيان المغرب فى أخبار الأندلس والمغرب ٢ / ١١ (دار الثقافة بيروت).
(٢) ينظر نفح الطيب ١ / ٧٥ ، ومجلة عالم الفكر ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤ المجلد العاشر.