باب التّعجّب
التعجب استعظام زيادة فى وصف الفاعل خفى سببها ، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره ، أو قل نظيره.
فقولنا : استعظام ؛ لأن التعجب لا يتصور إلا ممن يجوز فى حقه الاستعظام ؛ ولذلك لا يجوز أن يرد التعجب من الله تعالى ، فإن ورد ما ظاهره ذلك ، صرف إلى المخاطب ؛ نحو قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة : ١٧٥] أى : هؤلاء ممن يجب أن يتعجب منهم.
وقولنا : زيادة ؛ أكثر التعجب لا يكون إلا ممن يزيد وينقص.
وأما الخلق الثابتة : فلا يجوز أن يتعجب منها إلا أن يشذ من ذلك شىء ، فيحفظ ولا يقاس عليه ، والذى شذ من ذلك : «ما أحسنه ، وما أقبحه ، وما أطوله ، وما أقصره ، وما أهوجه ، وما أحمقه ، وما أنوكه ، وما أشنعه».
وقولنا : فى وصف الفاعل : لأنه لا يجوز التعجب من فعل المفعول ؛ لا يجوز أن نقول : «ما أضرب زيدا» إذا تعجبت من الضرب الذى أوقع به ، إلا إن شذ من ذلك أيضا شىء ؛ فيحفظ ولا يقاس عليه ؛ والذى شذ منه (١) : «ما أشغله ، وما أولعه بالشىء ، وما أعجبه برأيه ، وما أحبه إلىّ ، وما أمقته عندى ، وما أبغضه إلى / ، وما أخوفه عندى» ؛ بدليل قول كعب بن زهير (٢) [من البسيط] :
٢١ ـ فلهو أخوف عندى إذ أكلّمه |
|
وقيل إنّك محبوس ومقتول |
_________________
(١) في أ: يشذ.
(٢) كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني ، أبو المضرب : شاعر عالي الطبقة ، من أهل نجد ، له ديوان شعر ، كان ممن اشتهر في الجاهلية ولما ظهر الإسلام هجا النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ وأقام يشبب بنساء المسلمين فأهدر النبي دمه فجاءه «كعب» مستأمنا وقد أسلم ، وأنشده لا ميته المشهورة التي مطلعها : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول. فعفا عنه النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وخلع عليه بردته ، وهو من أعرق الناس شعرا.
ينظر : خزانة الأدب ٤ / ١١ ، ١٢ ، والشعرو الشعراء ٦١ ، وابن سلام ٢٠ ، وابن هشام ٣ / ٣٢ ، عيون الأثر ٢ / ٢٠٨ ، جمهرة أشعار العرب / ١٤٨ ـ وسمط اللآلي / ٤٢١.