الحياة السياسية
عاش ابن عصفور في أواخر أيام الموحدين فى الأندلس ، وعاصر وقعة العقاب المشئومة على حد تعبير المقرى ، وجرت عام ٦٠٩ ه ـ ١٢١٢ م وكانت هزيمة الموحدين فيها ساحقة ، وأدت إلى طردهم من الأندلس بعد أن ضعفت قوتهم وعجزوا عن حمايته ، وتراجعوا أمام النصارى شمالا ، وتركت صدى أليما على امتداد العالم الإسلامي كله ، وكانت فى حقيقتها لقاء بين المسيحية والإسلام.
كان الجيش المسيحى فيها بقيادة ألفونسو الثامن ملك قشتالة ، ويضم جنودا من أرجون بقيادة ملكها ، وجاءت نبرة بملكها ، والبرتغال بفرق من فرسان المعبد إلى جانب جماعات من الصليبيين الفرنسيين والإيطاليين ، ومن وراء هؤلاء جميعا إنوسنيسيو الثالث يشجع ويخطط ، يهب الجنة ويمنح البركات ، وكان يقود المسلمين الملك الناصر بنفسه ، محمد بن المنصور ، أمير الموحدين ، وبلغ عددهم ستمائة ألف ، فداخله الإعجاب بكثرة من معه ، وأخطأ التدبير ، فدارت الدائرة عليه ، وخلا بسببها أكثر المغرب من السكان ، واستولى النصارى على أكثر الأندلس (١).
وبعد معركة العقاب تقاسم ملوك الكاثوليك جبهات الأندلس ، فكانت بمثابة الخطوة الأولى في طريق طويل انته بسقوط الأندلس وما تخلل ذلك السقوط من معاناة المسلمين من إيذاء النصارى وقسوة معاملتهم.
وإذا ما أردنا أن نحيط بالمخازى ، وأعمال العسف ، والإرهاق ، التى وقعت على المسلمين من غير المسلمين ـ لم يمكنّا ذلك. ولكن نورد صورة من تلك الصور الشديدة ؛ لتبين لنا منها ، إلى أى حد كانت معاملة غير المسلمين للمسلمين ، تلك الصورة التى وقعت بمسلمى الأندلس من المسيحيين ، الذين انتزعوا سلطان العرب ـ تمثل لنا أصدق تمثيل ، وتعبر لنا أقوى تعبير ، عن هذه المعاملة.
لقد حظر المسيحيون على المسلمين الإقامة فى مملكة غرناطة ، ومنعوهم من الاتصال
__________________
(١) ينظر دراسات أندلسية للدكتور الطاهر مكى ص ٢٧٦ (طبعة دار المعارف) الطبعة الثالثة ١٩٨٧ م.