وهو (١) إنّ المراد بجواز إرادة المعنى الحقيقي في الكناية ، هو أنّ الكناية ـ من حيث إنّها كناية (٢) لا تنافي ذلك (٣) كما أنّ المجاز ينافيه (٤) ، لكن يمتنع ذلك (٥) في الكناية بواسطة خصوص المادّة كما ذكره صاحب الكشّاف في قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(١) (٦) إنّه من باب الكناية (٧) ، كما في قولهم : مثلك لا يبخل ، لأنّهم إذا نفوه عمّن يماثله ، وعمّن يكون على أخصّ أوصافه فقد نفوه عنه ، كما يقولون : بلغت أترابه (٨) ، يريدون بلوغه ، فقولنا : ليس كالله شيء ، وقولنا : ليس كمثله شيء عبارتان
________________________________________________________
(١) أي البحث.
(٢) أي لا من حيث خصوص المادّة.
(٣) أي إرادة المعنى الحقيقي.
(٤) أي إرادة المعنى الحقيقي.
(٥) أي إرادة المعنى الحقيقي ، وكان الأنسب أن يقول : وأمّا من حيث خصوص المادّة فقد يمتنع في الكناية ذلك.
(٦) أي فإنّ المعنى الموضوع له ، وهو نفي مثل وهو ملزوم ، والمثل لازمه ، وهو الله تعالى ، فنفي الملزوم الّذي هو مثل مثله ، وأريد نفي المثل عنه تعالى ، وهذا معنى صحيح بليغ ، لا يجوز في هذه المادّة إرادة المعنى الموضوع له ، أعني نفي مثل مثله تعالى ، لأنّه تعالى على تقدير أن يكون له مثل ، هو مثل مثله فيلزم نفيه تعالى ، وهو باطل قطعا فثبت أنّ من أفراد الكناية ما يمتنع فيه بخصوصيّة المادّة جواز إرادة المعنى الموضوع له.
(٧) أي من نوعها وقبيلها ، كما أنّ قولهم : مثلك لا يبخل ، من قبيلها ، والمثال نظير للآية من حيث إنّ كلا كناية لا من حيث امتناع إرادة المعنى الحقيقي مع لازمه ، ويحتمل أن يكون نظيرها في ذلك أيضا ، لأنّ القصد من قولهم : مثلك لا يبخل ، نفي البخل عن المخاطب لا يصحّ أن يراد نفي البخل عن مثله أيضا ، لأنّ إثبات مثله للمخاطب نقص في المدح وهو خلاف المقصود.
(٨) أي أتراب جمع ترب بكسر التّاء ، أي أقرانه في السّن بأن يكون ابتداء ولادة الجميع في زمان واحد ، فيلزم من بلوغ أقرانه بالسّن بلوغه بالسّن.
__________________
(١) سورة الشورى : ١١.