وهذا وهن على وهن ، لبطلان الأصل كما سنحقّقه.
وأما البعيد بفرسخين فلمّا كان تكليفه الخروج قبل الزوال إلى الجمعة من باب المقدّمة كالحجّ ، فلا يبعد القول بتحريم سفره بعد ضيق الوقت إلّا عن المقدّمة إن كان على غير صوب الجمعة.
وأمّا لو سافر في صوب الجمعة فقيل : يجب عليه الحضور عيناً (١).
واحتمل في الذكرى عدم كون هذا المقدار محسوباً من المسافة ، لوجوب قطعه على كلّ تقدير (٢).
وربّما يضعّف بأنّ ذلك لا يخرجه عن كونه جزء المسافة (٣).
والّذي يمكن أن يستدلّ به للوجوب أنّ كلّ ما يستلزم وجوده عدمه فهو باطل بديهة ، ويلزم من تحريم هذا السّفر عدم تحريمه ؛ لأنّ الحرمة إنّما هي لأجل تفويت الجمعة ، وحينئذٍ فإن كان حراماً كانت الجمعة واجبة فيه كما تقدّم ، وإذا بقي وجوب الجمعة فتنتفي الحرمة.
فإن قلت : إنّ هذه الحرمة توصليّة ، وسنقول في مباحث القصر إنه لا يجب التّمام على المسافر التّارك لتحصيل الواجب ، ولا يعتبر اقتضاء الأمر بالشّيء النهي عن ضدّه.
قلت : قد بيّنا في الأُصول الفرق بين ما كان من المقدّمات منصوصاً عليها وغيرها ، فلا نمنع من صدق المعصية الواردة في أخبار القصر على ما نصّ الشارع بالنهي عنه ، مضافاً إلى ما أشار إليه بالأمر بأصل الواجب ، بخلاف ما انحصر أمره في الثاني ، وما نحن فيه من قبيل الأوّل.
ثمّ إنّهم ذكروا أنّ حرمة السفر إنّما هي إذا لم يكن واجباً كالحجّ ، أو مضطراً إليه
__________________
(١) الذكرى : ٢٣٣.
(٢) الذكرى : ٢٣٣.
(٣) كما في المدارك ٤ : ٦٢.