الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

ولكل من الحر والعبد أن يضيف إلى ذلك بالعقد المنقطع وملك اليمين ما شاء ، أما عدم الحصر في الإماء فهو موضع وفاق من جميع المسلمين كما نقله بعض علمائنا المحققين ولعموم قوله تعالى (١) «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وجواز ذلك للعبد بناء على أنه يملك كما هو الأظهر ، وقد تقدم ذلك في مقدمات كتاب التجارة.

وأما بالعقد المنقطع فهو المشهور بين أصحابنا حتى ادعى عليه ابن إدريس الإجماع ، ونقل عن ابن البراج أنه حرم الزيادة على الأربع ، قيل : والمنقول من عبارته لا يدل على ذلك صريحا ، وكيف كان فإن الأخبار الدالة على الحكمين المذكورين متكاثرة.

ومن الأخبار الواردة في ملك اليمين ما رواه في الكافي عن الحسن بن زياد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «ولا بأس بأن يأذن له ـ يعني المملوك ـ مولاه فيشتري من ماله إن كان له جارية أو جواري يطؤهن ورقيقه له حلال».

وعن إسحاق بن عمار (٣) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك يأذن له مولاه أن يشتري من ماله الجارية الثنتين والثلاث ورقيقه له حلال؟ قال : يحد له حدا لا يتجاوزه».

وعن زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا أذن الرجل لعبده أن يتسري من ماله ، فإنه يتسري كم شاء بعد أن يكون قد أذن له».

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ذيل ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ٢١٠ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٦ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٧ ح ٢.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤٧٧ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٦ ح ٧٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٧ ح ٣.

٦٢١

وما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المملوك كم يحل له من النساء؟ فقال : لا يحل له إلا اثنتين ، ويتسري ما شاء إذا كان أذن له مولاه».

وأما ما يتعلق بالمتعة من الأخبار فمنه ما رواه في الكافي (٢) عن زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : ما تحل من المتعة؟ قال : كم شئت».

وعن عمر بن أذينة (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : كم تحل له من المتعة؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء».

وروى في الفقيه عن الفضل بن يسار (٤) «أنه سأله عن المتعة؟ فقال : هي كبعض إمائك».

وما رواه في الكافي والتهذيب (٥) عن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتعة؟ أهي من الأربع؟ فقال : لا».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم (٦) عن أبي بصير قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المتعة أهي من الأربع؟ قال : لا ، ولا من السبعين».

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢١١ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٧ ح ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٦ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٨ ب ١٠ ح ٢.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٨ ح ١٢.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٢ ، قرب الاسناد ص ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٦ ح ١.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٤ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٧ ح ٧.

٦٢٢

وما رواه في الكافي والتهذيب (١) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في المتعة ، قال : «ليست من الأربع ، لأنها لا تطلق ولا ترث ، وإنما هي مستأجرة».

وعن عبيد بن زرارة (٢) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ذكرت له المتعة أهي من الأربع؟ قال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات».

وما رواه في الكافي (٣) عن إسماعيل بن الفضل في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة؟ فقال : الق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها فإن عنده منها علما ، فلقيته فأملى على ـ منها شيئا كثيرا في استحلالها ، فكان فيما روى لي ابن جريح قال : ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء يتزوج منهن كم شاء ، وصاحب الأربع نسوة يتزوج منهن ما شاء بغير ولي ولا شهود ، فإذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشي‌ء اليسير ، وعدتها حيضتان وإن كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه‌السلام فعرضت عليه ، فقال : صدق وأقر به.

قال ابن أذينة : وكان زرارة بن أعين يقول هذا ويحلف أنه الحق ، إلا أنه كان يقول : إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف».

احتج ابن البراج على ما نقل عنه بعموم الآية المتقدمة وهي «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» (٤) الآية ، وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (٥) عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٩ ح ٤٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٤٦ ح ٤ و ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٢ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٦ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٥١ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٧ ح ٨.

(٤) سورة النساء ـ آية ٣.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٩ ح ٤٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٨ ح ٩.

٦٢٣

أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل تكون عنده المرأة ، أيحل له أن يتزوج بأختها متعة؟ قال : لا ، قلت : حكى زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء ، قال : لا ، هي من الأربع».

أقول : ويدل على ذلك أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «عن المتعة ، قال : هي أحد الأربعة».

وأجيب عن الآية ـ بعد تسليم دلالتها على تحريم الزائد بالحمل على النكاح الدائم ، جمعا بينها وبين الأخبار المتقدمة ـ وعن الرواية بحمل النهي على الكراهة وحمل قوله «من الأربع» على الاستحباب ، كما تدل عليه رواية البزنطي (٢) الأخرى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الأربع ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : نعم».

أقول : الظاهر أن وجه الاحتياط في جعلها من الأربع ، لدفع شنعة المخالفين لأنه متى جعلها من الأربع أمكنه دعوى كونها دائمة لا متعة ، بخلاف ما لو زادت على الأربع فإنه لا يتم له ذلك ، وبالجملة فالقول المذكور ضعيف لما عرفت من الأخبار الدالة على القول المشهور بأوضح دلالة في الظهور ، وعدم ظهور ما استدل به لما عرفت.

قال في المسالك ـ بعد أن أورد من هذه الروايات صحيحة زرارة وهي الاولى ثم رواية زرارة الدالة على أنه يتزوج منهن ألفا ، ثم رواية أبي بصير الدالة على أنه لا من الأربع ولا من السبعين ، ثم رواية محمد بن مسلم ، ثم موثقة عمار ، ثم رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر المتضمنة للاحتياط ووصفها بالصحة ـ ما صورته :

واعلم أن جميع ما في الباب من الأخبار معلول السند عدا الأخير ، لأن الأول موقوف ، والثاني في طريقه جهالة ، وكذا الرابع ، وفي طريق الثالث ضعف ومن ثم ذهب ابن البراج إلى تحريم الزيادة فيهن على الأربع ، عملا بمفهوم الآية

__________________

(١ و ٢) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٩ ح ٤٧ و ٤٩، الوسائل ج ١٤ ص ٤٤٨ ح ١٠ و ١١.

٦٢٤

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ثم نقل روايته الأولى التي قدمناها بتمامها ثم قال : ويؤيده الخبران الأخيران (١) وفي المختلف اقتصر من الحكم على مجرد الشهرة ولم يصرح بمختاره وعذره واضح ، ودعوى الإجماع في ذلك غير سديدة ولو تمت كانت هي الحجة. انتهى.

أقول : فيه (أولا) أن من روايات المسألة كما عرفت صحيحة بكر بن محمد الأزدي ، لأن سندها في الكافي هكذا الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق الأشعري عن بكر بن محمد الأزدي «قال : سألت» الخبر ، وهؤلاء كلهم ثقات مشهورون لا يرتاب أحد في عد حديثهم في الصحيح ، إلا أن عذره في ذلك واضح حيث عزب الخبر عن خاطره ولم يذكره.

ومنها حسنة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، وسندها في الكافي علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، وليس في هذا السند إلا إبراهيم بن هاشم وقد اعترف هو وغيره في غير موضع بأن حديثه وإن كان حسنا إلا أنه لا يقصر عن الصحيح ، وقد عده في الصحيح جملة من محققي متأخري المتأخرين ، وهو الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح ، ولهذا أنا في كل موضع يكون إبراهيم المذكور نردد بين الصحيح أو الحسن.

و (ثانيا) أن ما طعن به على صحيح زرارة من أنه موقوف ، والظاهر أنه أراد أنه مضمر ففيه أنه قد صرح غير واحد من المحققين بأن مثل زرارة في علو شأنه وسمو مكانه لا يعتمد في أخذ الأحكام على غير الامام عليه‌السلام.

و (ثالثا) أن وصفه روايتي أحمد بن محمد بن أبي نصر بالصحة ـ ليتجه له الطعن على القول المشهور بضعف دليل من خالفه ـ مردود بما ذكره سبطه السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع حيث قال : واعلم أن العلامة ومن تأخر عنه

__________________

(١) أقول : أراد بالخبرين الأخيرين رواية ابن أبى نصر التي وصفها بالصحة وموثقة عمار (منه ـ قدس‌سره ـ).

٦٢٥

وصفوا روايتي أحمد بن محمد بن أبي نصر بالصحة ، مع أن الشيخ في كتابي الأخبار أوردهما مرسلتين بغير إسناد.

وذكر الشيخ في الفهرست أن لابن أبي نصر كتاب الجامع وكتاب النوادر ، وطريقه إلى كتاب الجامع صحيح دون كتاب النوادر فيشكل الحكم بصحة الروايتين. انتهى ، وهو جيد.

وبالجملة فإن مناقشته هنا بعد ما عرفت من أضعف المناقشات ، بناء على تسليم العمل بهذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح.

الثانية : إذا تزوج الحر بالعقد الدائم أربع حرائر حرم عليه الزائد حتى تموت (١) واحدة منهن أو يطلق واحدة منهن وتنقضي عدتها إذا طلقها طلاقا رجعيا لأن الرجعية بحكم الزوجة ومن ثم لزمت نفقتها ، وجاز الرجوع إليها بمجرد الفعل

__________________

(١) ومما يدل على جواز التزويج مع الموت ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (قرب الاسناد ص ١٠٩ الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٢ ح ٧) عن على بن جعفر ورواه على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فماتت إحداهن هل يصلح له أن يتزوج في عدتها اخرى قبل أن ينقضي عدة المتوفاة؟ فقال : إذا ماتت فليتزوج متى أحب».

الا أنه قد روى الشيخ عن عمار (*) (التهذيب ج ٧ ص ٤٧٥ ح ١١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠١ ح ٥) في الموثق قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن ، فهل يحل له أن يتزوج اخرى مكانها؟ قال : لا ، حتى يأتي عليها أربعة أشهر وعشر».

وحملها الشيخ (رحمه‌الله) على الاستحباب ، قال : لأنه إذا ماتت المرأة جاز أن يتزوج الأخرى مكانها في الحال. انتهى.

أقول : وهذه من جملة غرائب روايات عمار المذكور ، كما شنع عليه المحدث الكاشاني في الوافي (منه ـ قدس‌سره ـ).

(*) قرب الاستاد ص ١٠٩ الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٢ ح ٧.

(*) التهذيب ج ٧ ص ٤٧٥ ح ١٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠١ ح ٥.

٦٢٦

كالاستمتاع فلم يفارق الزوجة في الحكم ، وحينئذ فلا تحل الخامسة ما لم تنقضي العدة لما تقدم من النهي عن جمع مائه في أكثر من أربع حرائر ، وهذا كله مما لا خلاف ولا إشكال فيه.

وإنما الكلام فيما إذا طلقها بائنا ، فهل يكون التزويج متوقفا على انقضاء العدة أيضا كما في الرجعية أم لا؟ إطلاق الأخبار الواردة في المسألة يقتضي ذلك وأطلق المفيد في المقنعة عدم جواز العقد على الخامسة حتى ينقضي عدة المطلقة.

والذي صرح به جملة من المتأخرين وهو المشهور بينهم أنه متى كان الطلاق بائنا فهو مثل الموت يتزوج قبل انقضاء العدة وإن كان على كراهية ، وعلل جواز التزويج بخروجها مع البينونة عن عصمة النكاح فصارت كالأجنبية وورد الروايات بجواز نكاح الأخت مع بينونة الأخت الأخرى قبل انقضاء عدتها.

مثل ما رواه الكليني (١) في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارأت ، إله أن يتزوج بأختها؟ قال : فقال : إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها» الحديث.

وعللت الكراهة بتحريمها بحرمة النكاح وبإطلاق النهي عن التزويج قبل انقضاء العدة ، وفيه ما لا يخفى.

أقول : والروايات الواردة في المقام منها ما تقدم من صحيحة زرارة أو حسنته ورواية علي بن أبي حمزة ورواية محمد بن قيس.

ومنها أيضا ما رواه الشيخ (٢) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل له أربع نسوة فطلق واحدة يضيف إليها أخرى؟ قال : لا ، حتى تنقضي العدة». الحديث.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٧ ، وفيه «بانت» عوض «بارأت» التهذيب ج ٧ ص ٢٨٦ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٠ ح ٢.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٧١ ح ٩٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠١ ح ٤.

٦٢٧

وما رواه الصدوق (١) (رحمة الله عليه) بطريقه إلى الحسن بن محبوب عن سعد بن أبي خلف عن سنان بن طريف عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل كن له ثلاث نسوة ثم تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها : ثم أراد أن يعتق أمته ويتزوجها قال : إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس بأن يتزوج اخرى من يومه ذلك وإن طلق من الثلاث النسوة اللاتي دخل بهن واحدة لم يكن له أن يتزوج امرأة أخرى حتى تنقضي عدة المطلقة».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (٢) عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ورواه علي بن جعفر في كتابه قال : «سألته عن رجل كانت له أربع نسوة فطلق واحدة ، هل يصلح له أن يتزوج اخرى قبل أن تنقضي عدة التي طلق؟ قال لا يصلح له أن يتزوج حتى تنقضي عدة المطلقة».

وأنت خبير بأن هذه الروايات على كثرتها وتعددها قد اشتركت في إطلاق توقف التزويج على انقضاء العدة أعم من أن تكون بائنة أو رجعية وليس في الباب ما يوجب التخصيص الذي ادعوه. نعم ورد ذلك في الأخت كما تقدم في حسنة الحلبي أو صحيحة.

وحمل ما نحن فيه على مسألة الأخت ـ باعتبار اشتراكهما في العلة المذكور في الأخت من قوله «إذا برأت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة له أن يخطب أختها» ـ مشكل فإنه لا يخرج عن القياس الممنوع منه ، إلا أن ظاهر قوله في صحيحة زرارة المتقدمة أو حسنته (٣) «لا يجمع الرجل ماءه في خمس». ما يؤيد القول المشهور

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٨٥ ح ١٥٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٥ ح ٤٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠١ ح ٦.

(٢) قرب الاسناد ص ١١١ الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٢ ح ٨.

(٣) قال في المسالك : وفي التذكرة حمل رواية زرارة السابقة على أحد الأمرين لورود النص في الأختين من حيث عدم الفارق بينهما ، وأشار برواية زرارة إلى صحيحته

٦٢٨

فإن الطلاق البائن لا يتحقق معه جمع الماء في خمس وإن بقيت العدة لأنها بالخروج عن عصمة النكاح تصير كالأجنبية.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من نوع إشكال وتوقف ، وظاهر السيد السند في شرح النافع التوقف في ذلك وإن رجح القول المشهور ، وقبله جده أيضا في المسالك ، والاحتياط طريق السلامة سيما في الفروج ، والله العالم.

الثالثة : لو طلق المرأة وأراد نكاح أختها فليس له نكاح الأخت حتى تخرج الاولى من العدة ، أو يكون الطلاق بائنا وهو مما لا خلاف فيه ، والأخبار به متكاثرة.

فأما بالنسبة إلى الخروج من العدة إذا كان الطلاق رجعيا فما يدل على ذلك ما رواه في الكافي (١) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته وهي حبلى ، أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال : لا يتزوجها حتى يخلو أجلها».

وعن علي بن أبي حمزة (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته أيتزوج أختها؟ قال : لا حتى تنقضي عدتها». إلى غير ذلك من الأخبار.

وأما بالنسبة إلى الطلاق البائن وأنه يجوز له التزويج ولا يتوقف على انقضاء العدة فما رواه في الكافي والتهذيب (٣) في الصحيح إلى أبي بصير وهو مشترك ،

__________________

أو حسنته المتقدمة في صدر المطلب ، وبالوجهين الى ما قدمه من حمل الرواية على الرجعي أو الكراهة ، وهذا الحمل أعنى حمل حكم الخمس على حكم الأختين عين القياس الذي قلناه.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧١ ب ٢٨ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٧ ح ٤٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨١ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٤٤ ح ٩ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٧ ح ٧٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٠ ح ١.

٦٢٩

إلا أن الأظهر عندي وفاقا لجمع من متأخري المتأخرين عد حديث الضرير في الصحيح فتكون الرواية صحيحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اختلعت منه امرأته ، أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال : نعم قد برءت عصمتها ، وليس له عليها رجعة».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بارأت ، إ له أن يتزوج بأختها؟ قال : فقال : إذا برئت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها» الحديث.

وما رواه الحسين بن سعيد في كتابه بسنده عن أبي بصير والمفضل بن صالح وأبي أسامة (٢) جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المختلعة إذا اختلعت من زوجها ولم يكن له عليها رجعة حل له أن يتزوج بأختها في عدتها».

بقي الكلام فيما لو كانت متعة قد انقضى أجلها وبقيت في العدة فهل يجوز العقد على أختها في تلك الحال ، المشهور بين الأصحاب الجواز ، نظرا إلى ما تقدم من الخبرين الدالين على أنها في العدة البائنة قد انقطعت عصمتها.

قال ابن إدريس في السرائر : وقد روى في المتعة إذا انقضي أجلها أنه لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها ، وهي رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ولا يجوز التصريح عليها.

أقول : والرواية التي أشار إليها هي ما رواه المشايخ الثلاثة (٣) بأسانيدهم ، إلا أن الصحيح منها هو ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد قال : «قرأت في كتاب

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٢ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٦ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨٠ ح ٢.

(٢) البحار ج ١٠٤ ص ٢٦ ح ٨ ط جديد ، الوسائل ج ١٥ ص ٤٨١ ح ٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٣١ ح ٥ عن يونس ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٧ ح ٤٥ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٩٥ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٦٩ ح ١.

٦٣٠

رجل إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك يتزوج الرجل متعة إلى أجل مسمي فينقضي الأجل بينهما ، هل له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب عليه‌السلام لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها». ورواه الحسين بن سعيد (١) في كتابه كما نقله عنه شيخنا المجلسي في كتاب البحار قال : «قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام» الحديث.

وبهذه الرواية أفتى الصدوق في المقنع فقال : وإذا تزوج امرأة متعة إلى أجل مسمى فلما انقضي أجلها أحببت أن يتزوج أختها؟ فلا يحل له حتى تنقضي عدتها.

ونقل هذا القول أيضا عن الشيخ المفيد ، والظاهر أنهم خصصوا به عموم تلك الروايات ، والشيخ بعد أن طعن في الخبر ـ بأنه ليس كل ما يوجد في الكتب صحيحا ـ جوز تخصيصه بالمتعة ، وهو جيد.

واختار العمل بالخبر المذكور أيضا السيد السند في شرح النافع ، وهذا مما يؤيد ما قدمنا ذكره في غير موضع من أن الواجب هو الوقوف في جزئيات الأحكام على الأخبار ، ولا يلتفت إلى ما يبنون عليه من القواعد وإن كانت مستفادة من الأخبار ، لجواز تخصيصها بذلك الخبر ، والمشهور حمل الخبر المذكور على الكراهة كما ذكره في المسالك.

ولو تزوج الأختين في عقد واحد فالمشهور بين المتأخرين بطلان العقد ، وقيل يتخير ، ومتى اختار إحداهما بطل نكاح الثانية ، وقد مر تحقيق الكلام في المسألة مستوفى ، وكذا لو تزوجهما على التعاقب ، تقدم ذلك في صدر المقصد الثاني فيما يلحق بما تقدم.

الرابعة : إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين فالعقد للسابقة إن وقع الترتيب ، وإن اقترنا في العقد فالمشهور بين المتأخرين البطلان ، كما ذكروه

__________________

(١) البحار ج ١٠٤ ص ٢٧ ح ١٢ ط جديد.

٦٣١

فيما لو اتفق اقتران العقد على الخمس.

وقيل : إنه يتخير أيهما شاء كما في الخمس أيضا ، وهو قول الشيخ في النهاية وجماعة ، ونقل المحقق في الشرائع أن القول بالتخيير بين الاثنتين رواية ، ثم ردها بضعف السند ، وأنكرها الشارح في المسالك ، قال : والرواية بالتخيير في خصوص المسألة ما وقفت عليها.

وهو كذلك فإنه لم يصل لنا في هذا المقام إلا حسنة جميل بن دراج الواردة في الخمس ، وهي ما رواه عن الصادق عليه‌السلام (١) عليه‌السلام «في رجل تزوج خمسا في عقدة ، قال : يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع».

ورواية عنبسة بن مصعب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في رجل كانت له ثلاث نسوة فتزوج عليهن امرأتين في عقدة فدخل بواحدة منهما ثم مات فقال : إن كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها وذكرها عند عقدة النكاح فإن نكاحها جائز ولها الميراث وعليها العدة ، وإن كان دخل بالمرأة التي سميت وذكرت بعد ذكر المرأة الأولى فإن نكاحها باطل ، ولا ميراث لها».

ولا أعلم قائلا بمضمون هذه الرواية ، ومقتضي كلام الأصحاب في الخمس من البطلان كما هو المشهور أو التخيير كما هو القول الآخر يجري في هذه المسألة أيضا فإما أن يبطل العقد من رأس أو يتخير ، ولو وجدت هذه الرواية التي نقلها لما كان عنها معدل لتأيدها بحسنة جميل ، وإن خالفها رواية عنبسة.

وكيف كان فإن التعارض هنا بين الحسنة المذكورة والرواية الأخرى ظاهر إذ لا فرق بين العقد على الخمس دفعة ولا بين العقد على اثنتين دفعة مع وجود

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٣٠ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٥ ح ٧٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٣ ب ٤ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٣٠ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٩٥ ح ٧٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٣ ب ٥ ح ١.

٦٣٢

الثلاث عنده وإحداهما دلت على التخيير والثانية على صحة عقد من تقدم اسمها ومقتضاها أنه في العقد على الخمس دفعة يبطل من تأخر ذكر اسمها عن الرابعة.

ولا أعرف وجها للجمع بينهما إلا أن يقال ـ : وإن كان لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع قريب ـ بحمل حسنة جميل الدالة على التخيير على ما إذا وقع العقد عليهن إجمالا بأن قال زوجتك هذه الخمس النسوة أو زوجتك الخمس النسوة المعلومة بيني وبينك ، أو الثنتين المعلومتين بيني وبينك ، وحينئذ فيتخير إحداهن ـ ورواية عنبسة على وقوع الخمس أو الاثنتين تفصيلا بذكر اسم كل واحدة بعد الأخرى.

المقام الثاني : في عدد المطلقات المحرمات ، وهي ثلاث أو تسع فالكلام هنا في موضعين.

الأول : في الثلاث مذهب الأصحاب من غير خلاف يعرف أن كل امرأة حرة استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غير المطلق ، سواء كانت مدخولا بها أو لم يكن ، راجعها أو تركها ، وسواء كان زوجها حرا أو عبدا.

وكل أمة استكملت طلقتين حرمت على المطلق حتى تنكح زوجا غيره حرا كان زوجها أم عبدا ، فالاعتبار حينئذ بالثلاث واثنتين إنما هو باعتبار الزوجة.

والعامة جعلوا الاعتبار بحال الزوج ، فإذا كان حرا اعتبر في التحريم الثلاث وإن كانت الزوجة أمة ، وإذا كان عبدا اعتبر طلقتان وإن كان تحته حرة ، فعلى هذا لو كان حرا تحته حرة فالاعتبار بالثلاث إجماعا من الجميع ، وكذا لو كان عبدا تحته أمة فالاثنتان اتفاقا ، وإنما يظهر الخلاف في الحر تحته أمة والعبد تحته حرة ومستند الأصحاب فيما ذكروه الأخبار المتكاثرة الدالة على أن الاعتبار بحال الزوجة لا بحال الزوج.

٦٣٣

ومنها ما رواه في الكافي عن أبي بصير (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق الأمة فقال : تطليقتان».

وعن عيص بن القاسم (٢) في الصحيح «قال ابن شبرمة قال : الطلاق للرجل ، فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام الطلاق للنساء ، وتبيان ذلك أن العبد يكون تحته الحرة فيكون تطليقها ثلاثا ، ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين».

وعن زرارة (٣) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها وكم عدتها؟ فقال : السنة في النساء في الطلاق فإن كانت حرة فطلاقها ثلاثا وعدتها ثلاثة أقراء ، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرءان».

وعن عبد الله بن سنان (٤) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق المملوك للحرة ثلاث تطليقات ، وطلاق الحر للأمة تطليقتان».

إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال ، ولا فرق في الطلقات المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة وغيرها بخلاف المحرمة أبدا.

الثاني : في التسع لا خلاف ولا إشكال في أنه إذا استكملت المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان بعد الثالثة وبعد السادسة ، فإنها تحرم على المطلق أبدا.

والمراد بطلاق العدة هو أن يطلقها بالشرائط ثم يراجعها في العدة ويطأها ، ثم يطلقها في طهر آخر ، ثم يراجعها في العدة ويطأها ، ثم يطلقها الثالثة ، ثم

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٦٩ ح ٢ ، التهذيب ج ٨ ص ١٥٤ ح ١٣٢ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٩١ ح ٤ وص ٤٧٣ ح ٦.

(٢) الكافي ج ٦ ص ١٦٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٩١ ح ١.

(٣) الكافي ج ٦ ص ١٦٧ ح ١ ، التهذيب ج ٨ ص ١٣٤ ح ٦٥ الوسائل ج ١٥ ص ٤٦٩ ب ٤٠ ح ١.

(٤) الكافي ج ٦ ص ١٦٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٩٤ ح ٧.

٦٣٤

ينكح زوجا غيره بعد العدة ، ثم يفارقها وتعتد منه فيتزوجها الأول ، ويفعل كما فعل أولا ، ثم بعد الطلقة السادسة يتزوجها آخر ، ثم يرجع إلى زوجها الأول بعد العدة ويعمل بها كما تقدم ، فإنها في التطليقة التاسعة تحرم عليه مؤبدا.

ومن هنا يعلم أن إطلاق كون التسع للعدة إنما وقع تجوزا فإن الثالثة من كل ثلاث إنما هي للسنة لا للعدة ، والظاهر أن وجه التجوز باعتبار أن الأكثر للعدة ، فأطلق اسم الأكثر على الأقل ، أو باعتبار المجاورة.

قال في المسالك : وتظهر فائدة الاعتبارين فيما لو طلق الأولى للعدة والثانية للسنة فإن المعنيين ينتفيان عن الثالثة ويصدق على الثانية اسم العدية بالاعتبار الثاني دون الأول : وفيما لو كانت الثانية للعدة والأولى للسنة ، فعلى الأول يختص بها الاسم وعلى الثاني يصدق الاسم على الطرفين بمجاورتهما.

ومع ذلك ففي اعتبار التحريم بمثل هذا إشكال ، من وجود العلاقة فيهما كما اعتبرت في الثالثة إجماعا ، ومن أن تعليق الحكم على المعنى المجازي على خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع الاشتباه ، وهذا هو الأقوى فيجب الاقتصار بالتحريم المؤبد على موضع اليقين ، وهو وقوع التسع على الوجه الأول وإكمال التسع للعدة حقيقة مع التفرق ، ولا يغتفر الثالثة كما اغتفرت في الأولى لكونها على خلاف الأصل كما ذكرناه فيقتصر بها على موردها ، وهو وقوعها بعد عديتين.

وعلى هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عدية احتسبت خاصة ، وإن وقع في بعض الأدوار عديتان احتمل إلحاق الثالثة بهما ـ كما في مورد النص لوجود العلاقة بالمعنيين ـ وعدمه لخروج مجموع الواقع عن مورده ، وللتوقف في الحكم ـ بالتحريم مطلقا فيما خرج عن موضع النص والإجماع ـ مجال. انتهى.

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار المتعلقة بهذه المسألة أنه لا دلالة في شي‌ء منها على ما ذكروه من اشتراط كون تلك الطلقات التسع الموجبة للتحريم المؤبد عدية ، بل هي ظاهرة في الأعم من الطلقات العدية أو السنية ، بل بعضها

٦٣٥

ظاهر في طلاق السنة ، ولا أعرف لهم مستندا غير الإجماع ، فما ادعاه (قدس‌سره) من النص في قوله ـ وللتوقف فيما خرج عن موضع النص والإجماع مجال ـ لا أعرف له وجها.

والذي وقفت عليه من نصوص المسألة هو ما رواه ثقة الإسلام (١) (عطر الله مرقده) عن زرارة وداود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام وابن بكير عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال : الملاعنة إذا لا عنها زوجها لم تحل له أبدا ، والذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا والذي يطلق الطلاق الذي لا يحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات ، وتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا ، والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا».

ورواه الحسين بن سعيد (٢) في كتابه عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام نحوه ، إلا أنه لم يذكر «وتزوج ثلاث مرات».

والتقريب فيها أنهم قد صرحوا بأن الطلقات المحرمة ثلاثا التي لا تحل إلا بعد نكاح أخرى أعم من أن يكون عدية أم للسنة ، وهو عليه‌السلام في هذا الخبر قد صرح بأن هذه الثلاث إذا تكررت ثلاث مرات حرمت مؤبدة ، وهو ظاهر في أن التحريم المؤبد يحصل بالتسع مطلقا ، للعدة كانت أم للسنة.

ومنها ما رواه في الكافي (٣) أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في رجل ـ إلى أن قال ـ : وسألته عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق ، قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح زوجا

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٠٥ ح ٣٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٧٨ ح ١ وج ١٥ ص ٣٥٨ ح ٤.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٣ ح ٨.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٢٨ ح ٩ ، الوسائل ج ١٥ ص ٣٥٧ ح ٢.

٦٣٦

غيره فيطلقها ، ثم ترجع إلى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة ثم تنكح ، فتلك التي لا تحل له أبدا» الحديث.

وهو كما ترى لا إشارة فيه إلى طلاق العدة فضلا عن التصريح به ، بل هو ظاهر في أن الثلاث الأولى إنما كانت للسنة ، والثلاث الثانية مجملة والثلاث الثالثة قد صرح بأنها على السنة.

قال في الوافي : وقوله في آخر الحديث «ثم تنكح» ، كأنه لتتميم الأمر وذكر الفرد الأخفى ، وإلا فلا مدخل لنكاح الغير في تأييد الحرمة. انتهى.

أقول : وأنت خبير بأن الخبر السابق على هذا الخبر قد تضمن ذلك على رواية الكافي لقوله فيه «وتزوج ثلاث مرات» فإن المرة الثالثة هي التي بعد التاسعة وظاهر هذين الخبرين هو اشتراط النكاح بعد التاسعة في التحريم المؤبد على الزوج الأول ، إلا أنه لا قائل به.

والعجب من المحدث الحر العاملي في الوسائل حيث عنون الباب بما يوافق المشهور ولم يورد فيه خبرا يدل على ذلك ، بل أطال فيه بالأخبار الواردة بالتحريم بالثلاث وأورد هذه الرواية ، وحمل السنة فيها على المعنى الأعم من غير معارض لها في الباب بل الأخبار كما تقدم ويأتي لا يعتريها فيما ذكرناه الشك ولا الارتياب.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (١) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام وإبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي الحسن عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ثم طلقها فتزوجها رجل ، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا».

وهي كما ترى صريحة في طلاق السنة دون العدة للشروط بالرجوع في العدة والدخول بها كما عرفت ، نعم ذلك في حديث رواه الصدوق في الخصال في حديث قد اشتمل على جوامع محرمات النكاح ، إلا أن الظاهر أنه ليس هو المستند لهم

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٨ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٣١١ ح ٤٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٠٨ ب ١١ ح ٢ وما عثرنا على هذه الرواية في الفقيه.

٦٣٧

سيما المتأخرين الذين عملهم مقصور على أخبار الكتب الأربعة المشهورة كما صرحوا به ولا بأس بنقله بطوله لما اشتمل عليه من تعداد المحرمات كتابا وسنة وكتابنا هذا كما أنه كتاب فقه وفروع ، فهو كتاب أخبار كما أشرنا إليه سابقا.

والخبر المذكور ما رواه الصدوق في الكتاب المذكور (١) بسنده عن موسى ابن جعفر عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عما حرم الله عزوجل من الفروج في القرآن وعما حرمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سنته فقال : الذي حرم الله عزوجل أربعة وثلاثون وجها سبعة عشر في القرآن ، وسبعة عشر في السنة.

فأما التي في القرآن فالزنا ، قال الله عزوجل (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)» (٢) ونكاح امرأة الأب قال الله عزوجل «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» (٣) و «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ» (٤) والحائض حتى تطهر ، قال الله عزوجل (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ)» (٥)» والنكاح في الاعتكاف قال الله عزوجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» (٦).

وأما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا ، وتزويج الملاعنة بعد اللعان ، والتزويج في العدة ، والمواقعة في الإحرام ، والمحرم يتزوج أو يزوج والمظاهر قبل أن يكفر ، وتزويج المشركة ، وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع

__________________

(١) الخصال ص ٥٣٢ ح ١٠ من أبواب الثلاثين وما فوقه.

(٢) سورة الإسراء ـ آية ٣٢.

(٣ و ٤) سورة النساء ـ آية ٢٢ و ٢٣.

(٥ و ٦) سورة البقرة ـ آية ٢٢٢ و ١٨٧.

٦٣٨

تطليقات ، وتزويج الأمة على الحرة وتزويج الذمية على المسلمة ، وتزويج المرأة على عمتها وخالتها ، وتزويج الأمة من غير إذن مولاها : وتزويج الأمة لمن يقدر على تزويج الحرة ، والجارية من السبي قبل القسمة ، والجارية المشتراة قبل أن يستبرءها والمكاتبة التي قد أدت بعض المكاتبة».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) ـ بعد أن ذكر طلاق السنة وأنها تحرم بعد الثلاثة ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ولم يتعرض لذكر التسع ـ ما لفظه : وأما طلاق العدة فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع ثم يراجعها من يومه أو من غد أو متى ما يريد من قبل أن تستوفي قرؤها ، وأدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق فيكون إنكار الطلاق مراجعة ، فإذا أراد أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها.

وإذا أراد طلاقها تربص بها حتى تحيض وتطهر فيطلقها ، فإن أراد مراجعتها راجعها ، فإن طلقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلقها ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإذا انقضت عدتها منه فتزوجها رجل آخر فطلقها أو مات عنها وأراد الأول أن يتزوجها فعل.

فإن طلقها ثلاثا واحدة بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإن تزوجها غيره وطلقها أو مات عنها وأراد الأول أن يتزوجها فعل ، فان طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا ، واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا. انتهى كلامه عليه‌السلام ملخصا.

وأنت خبير بأن ظاهره الدلالة على ما هو المشهور من اشتراط كون التسع للعدة فإنه بعد ذكر طلاق السنة لم يتعرض للتسع ، وإنما ذكر التسع في الطلاق العدي وظاهره اختصاص التسع المحرمة أبدا بالطلاق العدي ، كما يشير قوله

__________________

(١) فقه الرضا ص ٣١ و ٣٢ ، مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٢ و ١٣.

٦٣٩

«واعلم أن كل من طلق تسع تطليقيات على ما وصفت لم تحل له أبدا» ، والذي وصفه إنما هو الطلاق العدي كما عرفت.

وأصرح من ذلك ما صرح به علي بن إبراهيم في تفسيره (١) حيث قال : وأما المرأة التي لا تحل لزوجها أبدا ، فهي التي طلقها زوجها ثلاث تطليقات للعدة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، وتتزوج زوجا غيره فيطلقها ويتزوج بها الأول الذي طلقها ثلاث تطليقات ثم يطلقها أيضا ثلاث تطليقات للعدة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين فتتزوج زوجا آخر ثم يطلقها فيتزوجها الأول الذي قد طلقها ستة تطليقات على طهر وتزوجت زوجين غير زوجها الأول ثم طلقها الزوج الأول ثلاث تطليقات للعدة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ، فهذه التي لا تحل لزوجها الأول أبدا ، لأنه قد طلقها تسع تطليقات ، وتزوج بها تسع مرات وتزوجت ثلاثة أزواج ، فلا تحل للزوج الأول أبدا».

وفتوى مثل هذه الثقة الجليل بذلك لا يكون إلا عن وصول خبر إليه بذلك حيث إنه من عمدة أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها بالعموم أو الخصوص مع أن الأخبار التي قدمناها كما عرفت ظاهرة في خلاف ذلك.

وبالجملة فالمسألة لما عرفت محل إشكال وإعضال لعدم حضور وجه بالبال يحمل عليه الأخبار المتقدمة ، وعدم إمكان الخروج عما عليه الأصحاب بعد الاعتضاد بما ذكرناه من الخبرين وكلام هذا الثقة الجليل ، والله العالم.

هذا في الحرة وأما في الأمة فلم أقف في النصوص علي الحكم فيها ، قال شيخنا في المسالك : أما الأمة فيحتمل تحريمها بالست ، لتنزيلها منزلة التسع للحرة ، ولأن نكاح الرجلين يتحقق فيها كتسع الحرة ، وبالتسع كالحرة ، لأنها إذا طلقت تسعا نكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنه نكحها بين التسع رجلان

__________________

(١) تفسير القمي ج ١ ص ٧٩.

٦٤٠