الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

بمضمونها ما صورته :

واعلم أنه لا معارض لهذه الرواية في الحقيقة إلا الدليل العقلي الدال على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولكن الأحكام الشرعية أخرجت كثيرا من الأصول العقلية عن الأدلة ، كجواز أحد مال الممتنع عن الأداء مقاصة بشروطه بغير إذنه وجواز أكل المار على النخل والشجر على المشهور ونحو ذلك.

فحينئذ لا يمتنع جواز مثل هذه المسألة من غير إذن المرأة ، إما لمصلحة خفية لا نعلمها أو لما يلحق الأمة من المشقة بترك الوطي عند المرأة ، الذي هو إضرار ولا يزول إلا بالوطء ، ولا سبيل في الزنا ولا إلى العقد الدائم لما فيه من شدة السلطنة والإضرار بمولاتها مع إمكان زوال الضرر بدونه فتعين جواز عقد المتعة وهو ظاهر فيما قلناه ومؤيد لما ادعيناه ، إلا أن ظاهر كلامه بعد ذلك الجمود على القول المشهور حيث إنه بعد هذا الكلام خص الجواز بشدة الضرر في أقل زمان يمكن فيه زوالها : قال : لقيام الدليل الدال على الخطر فيما عداه ، والمشهور بل المعتمد تحريم ذلك كله كأمه الرجل. انتهى.

أقول : الظاهر أن الذي أوجب له الجمود على القول المشهور ـ بعد ذكره هذا الكلام الذي نقلناه عنه مع ظهور قوته وعدم تعرض لرده أو الطعن في شي‌ء من مقدماته ـ إنما هو الاعتماد على الشهرة والتمسك بها ، وإلا فإن ما ذكره جيد متين مؤيد بما قدمنا ذكره من المواضع العديدة الجارية هذا المجرى في الأحكام الشرعية.

وبالجملة فإن المسألة وإن كانت لا تخلو من توقف إلا أن هذا القول عندي لا يخلو من قرب بالتقريب الذي أشرنا إليه وإن كان الاحتياط في الوقوف على القول المشهور.

وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : يمكن أن يقال

٢٨١

في تأويل الأحاديث الأخيرة أن يحمل قوله من غير إذن المولى ـ إن كانت امرأة كما تضمنته الأحاديث ـ على الاذن الصريح ، بل يكفي الإذن العادي المفيد للعلم بالقرائن ، باعتبار جرى العادة أن النساء كن يتخذن الإماء يتمتعن للانتفاع بأجورهن ، فهذه العادة المستقرة كافية لأنها تفيد العلم ولا حاجة إلى ضرورة الإذن الصريح ، والله أعلم. انتهى كلامه زيد مقامه.

وظاهر كلامه أن العادة في الزمن السابق أن النساء كن يتخذن الإماء ، ويطلقن لهن في التمتع بمن شاء وشاؤا لأجل الانتفاع بأجورهن.

فهذه العادة جارية مجرى الاذن الصريح ، ومفيدة للعلم والرضاء بذلك كما يفيده الاذن الصريح ، وهو جيد إن ثبتت هذه الدعوى ، ولكن ثبوتها محل إشكال حيث لا نعلم من ادعاها سواه ، ولا دليلا دل عليها.

قال السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع : ويمكن حمل الرواية الاولى والثالثة على أن المراد بالتمتع بأمة المرأة بغير إذنها الانتفاع بها بالوطء بعد انتقالها إليه من المرأة من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها ، ويكون ذلك هو المراد من الأذن ، وأما الرواية الثانية فمتروكة الظاهر لاقتضائها جواز التزويج ولا قائل به. انتهى.

أقول : أما الرواية التي ذكر أنها متروكة الظاهر فقد أجاب عنها الشهيد في شرح الإرشاد بناء على نصرته لهذا القول كما قدمناها عنه قال : وأما لفظة التزويج في الثانية والمراد به ـ والله يعلم ـ المتعة إطلاقا للفظ العام على الخاص وهو وإن كان مجازا إلا أنه يصار إليه بقرينة ، وهي هنا موجودة ، وهي الحديثان المذكوران. انتهى وهو جيد.

ولا ريب في أنه أقرب من تأويله الذي ارتكبه في هذه الروايات ، وظاهر كلامه هو انتقال الأمة إليه ببيع ونحوه ، وأن له الانتفاع بالجماع لها بعد

٢٨٢

الانتقال من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها ، وأن المراد بجواز التمتع بها بغير إذن إنما هو ذلك.

ولا يخفى أن هذا لا يتوقف على الانتقال بالبيع بل يكفى العقد عليها بإذن المالكة لها ، وأنه بعد العقد يجوز الانتفاع بالوطء من غير استبراء.

ولا يخفى ما في كل منهما من التكلف والبعد الظاهر ، إلا أنه مع ذلك لا مندوحة عنه إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرح الرواية المذكورة عندهم.

وأما على ما حققناه من وجود النظائر العديدة لهذه المسألة وقولهم فيها بما أنكروه هنا وطعنوا به على هذه الروايات فلا ضرورة إلى ارتكاب هذه التمحلات البعيدة والتكلفات الغير السديدة ، إلا أنه لما كان قولهم هو الأوفق بالاحتياط كما عرفت فينبغي الوقوف عليه.

ولا فرق في المرأة المالكة عندنا بين كونها مولى عليها ـ بالنسبة إلى النكاح كالبكر البالغ الرشيد عند من قال بثبوت الولاية عليها ـ أو لم يكن مولى عليها ، لأن المنع ثمة إنما هو بالنسبة إلى نفسها ، كما دلت عليه تلك النصوص المتقدمة في المسألة فلا يتعدى إلى غيرها كما ، لا يتعدى إلى التصرف المالي إجماعا ، وهذا من توابعه.

وأكثر العامة على إلغاء عبارة المرأة في النكاح مطلقا حتى في نكاح أمتها ، فيولي نكاحها أولياء المرأة على قول ، والحاكم على قول آخر ، وأخبارنا على خلافه كما عرفت. والله العالم.

المسألة الثالثة عشر : إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد ، فإن مات أحدهما ورثه الآخر على الأشهر الأظهر ، ولو كان المزوج لهما غير الأبوين ومات أحد الزوجين قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث ، ولو بلغ أحدهما فرضي بالعقد لزم العقد من جهته ، فإن مات والحال هذه عزل من تركته نصيب الآخر ،

٢٨٣

فإن بلغ وأجاز أحلف أنه لم يجز لطمع الميراث والرغبة فيه ، فإن حلف ورث ، ولو مات الذي لم يجز بطل العقد ولا ميراث.

وتفصيل هذه الجملة يقع في الموضعين الأول : فيما إذا كان المزوج للصغيرين الأبوين

فإن المشهور عدم الفرق هنا بين الصبي والصبية في لزوم العقد وثبوت التوارث بينهما.

وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية ومن تبعه ثبوت الخيار للصبي بعد البلوغ وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في المسألة الأولى من مسائل هذا المقصد ، ونقل الأقوال والأخبار المتعلقة بذلك.

وعلى تقدير القول المذكور من لزوم عقد الصبية وتوقف عقد الصبي على الإجازة لو ماتت الصبية قبل البلوغ ، فإن كان قبل بلوغ الصبي أيضا عزل ميراثه إلى أن يبلغ ، فإن رضي بالنكاح وأجازه أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث وورث وإن كان موتها وقد بلغ وأجاز فلا إشكال في استحقاقه الميراث وإن بلغ ولم يظهر منه الإجازة ولا عدمها فكالأول في الحلف إن أجاز.

وإن مات الزوج قبل البلوغ فالظاهر بطلان النكاح ، لأن صحته من جهته متوقفة على إجازته بعد البلوغ وعلى هذا لا ترثه الصبية.

الثاني : فيما لو كان العاقد عليهما غير الأبوين ، ولا ريب أنه يكون من قبيل العقد الفضولي ، فإن قلنا ببطلان العقد الفضولي في النكاح فلا إشكال.

وإن قلنا بصحته كما هو الأشهر الأظهر وقف في لزومه على الإجازة فإن كأن هناك ولي لهما وأجاز فلا إشكال أيضا.

وإن لم يكن ثمة ولي أو كان ولكن لم يجزه ولم يرض به وقف على إجازتهما بعد البلوغ.

فإن ماتا أو أحدهما قبل البلوغ بطل النكاح ولا إرث لعدم الإجازة.

٢٨٤

وإن بلغ أحدهما مع كون الآخر حيا فأجاز العقد لزم العقد من جهته ، وبقي من جهة الآخر موقوفا على الإجازة ، فإن اتفق بلوغه والآخر حي وأجاز العقد لزم ، وإن فرض موت المجيز أولا قبل أن يبلغ الآخر أو بعد بلوغه وقبل إجازته.

فإن أجاز بعد ذلك أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث ، وأنه لو كان الآخر حيا لرضي به بتزويجه وورث نصيبه منه.

والأصل في هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة (١) المروية في الكافي قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما ، وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الرجل الذي قد أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية».

وقد اعترض على الاستدلال بهذه الرواية بشيئين : (أحدهما) فرض الحكم في الرواية في تزويج الوليين ، وهو ماض على الولد ، ولا تجري فيه هذه الأحكام.

أقول : وهذا الإيراد قد تقدم الجواب عنه فلا حاجة إلى إعادته.

و (ثانيهما) حكمه عليه‌السلام فيها بنصف المهر للمرأة على تقدير موته ، فإن الأشهر

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٧ ح ١.

٢٨٥

أن الموت يقتضي تقرير جميع المهر وإن كان قبل الدخول ، وإنما ينتصف بالطلاق قبله.

والجواب عنه أنه قد ورد بنحو هذه الرواية جملة من الأخبار أيضا وأفتى بمضمونها جملة من الأصحاب ولا اختصاص لذلك بهذه الرواية مع احتمال حمل الرواية على أنه كان قد دفع نصف المهر كما هو المعتاد من تقديم شي‌ء قبل الدخول وأن الباقي هو النصف خاصة.

قال في المسالك : وهذا الحمل وإن كان لا يخلو من البعد إلا أنه محتمل لضرورة الجمع.

أقول : وسيأتي تحقيق الكلام في المسألة عند ذكرها إن شاء الله.

بقي الكلام هنا في مواضع أحدها : أن مورد النص تزويج الوليين الفضوليين للصغيرين ، فلو كانا والحال هذه كاملين قالوا : في انسحاب الحكم المذكور في الخبر وجهان : (أحدهما) ذلك للمساواة في المعنى ، وهو كون العقد الواقع بينهما فضوليا ، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك و (ثانيهما) العدم فإن الحكم بصحة العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر على خلاف الأصل ، لأن الإجازة جزء السبب (١) ولم يحصل بعد ، وحينئذ فيحكم ببطلان العقد فكما أنه يبطل العقد لو مات أحد المتعاقدين قبل القبول كذلك يبطل بموت أحد المتعاقدين قبل تحقق الذي يترتب عليه أثره.

وإلى هذا الوجه مال في المسالك ونحوه سبطه السيد السند في شرح النافع وغيرهما ، والظاهر أنه المشهور بينهم. وهو الأنسب بقواعدهم.

قال المحقق الثاني في شرح القواعد : فإن قيل هذا إنما يستقيم (٢) على

__________________

(١) قوله : لأن الإجازة جزء السبب أي إجازة الأخر منهما. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) قوله : هذا انما يستقيم أى بطلان العقد في الصورة المفروضة ، وقوله في آخر العبارة : «وهذا وجه القرب» إشارة إلى قول المصنف في عبارة الكتاب بعد ذكر البطلان وهو الأقرب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٨٦

القول بأن الإجازة في الفضولي جزء السبب ، أما على القول بأنها كاشفة فلا ، لأن الإجازة تكشف سبق النكاح على الموت فكيف لا يثبت الإرث.

قلنا : قد عرفت أن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت العقد إذ لا يتحقق النكاح بمجردها بل لا بد من اليمين ، وثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل فلا يتعدى مورده ، وهذا وجه القرب وهو المفتي به. انتهى.

وثانيها : لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي ، والآخر فضولي ، فمات من عقد له الولي أولا قبل بلوغ الآخر ، فهل الحكم المذكور في الخبر من أنه ينتظر بلوغ الآخر وإجازته ويورث بعد يمينه أم لا؟ احتمالان : للثاني أنه خلاف مورد النص ، ويؤيده ما تقدم في كلام المحقق الثاني من أن ثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.

وللأول منهما ـ وهو مختار شيخنا الشهيد الثاني ـ ما ذكره في المسالك قال : لأن هذا لا يزيد على مورد النص إلا بلزوم أحد الطرفين وكون المزوج الولي وهذا لا دخل له في الفرق ، بل الحكم فيه أولى ، لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع التوقف في ذلك من حيث إنه خلاف مورد النص ، ومما ذكره جده (قدس‌سرهما) من التعليل فإنه قال بعد نقل ملخص كلام جده المذكور ، ـ : وجزم جدي (قدس‌سره) بالثاني وهو يتوقف على ثبوت التعليل ، انتهى ، وهو جيد لما أسلفنا لك في غير مقام من عدم صلاحية أمثال هذه التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية.

وما اختاره شيخنا الشهيد الثاني هنا من الصحة في الصورة المذكورة هو

٢٨٧

اختيار العلامة في القواعد ، والمحقق الشيخ علي في شرحه معللا بالتعليل المذكورة في المسالك.

ونحو هذه الصورة ما لو كان أحدهما بالغا رشيدا عقد على نفسه ، والآخر فضولي عن الصغير فمات الأول منهما ، فإنه يعزل نصيب الصغير من الميراث إلى أن يبلغ ويجيز فيعطى ذلك بعد اليمين على القول المذكور ، وكيف كان فالظاهر أنه لا خلاف في البطلان لو مات الثاني قبل البلوغ أو بعده وقبل الإجازة.

وثالثها : لو كانا بالغين فأوقع أحدهما العقد لنفسه مباشرة والآخر زوجه الفضولي ، قال في المسالك في انسحاب الحكم الوجهان السابقان من تعدى صورة النص ، ومن الأولوية بلزوم أحد الطرفين فيكون أقوى كالسابقة وإن كانت أبعد من جهة الخروج عن النصوص في كونهما مع صغيرين ، إلا أن ذلك يجبر بالأولوية المذكورة ، ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا وهو متجه. انتهى. وفيه ما عرفت من التوقف على ثبوت هذه الأولوية.

بقي الكلام في أنه لو كان العقد الفضولي وقع عن الزوجة مثلا والعقد مباشرة وقع من الزوج ، فإنه لا ريب في لزوم العقد وإن كان للزوجة من حيث إن عقدها فصولي فسخه.

وقضية ذلك أنه قبل الفسخ منها أو الإجازة يثبت في حق الزوج تحريم المصاهرة فليس له أن يتزوج بخامسة لو كان المعقود عليها رابعة ، وإلا لزم الجمع بين خمس زوجات في حال واحد ، وهو حرام اتفاقا.

وليس له أيضا أن يتزوج بأخت الزوجة ، وإلا لكان جامعا بين الأختين ، ولا بأم الزوجة ولا بنتها وإلا لكان جامعا بين الام والبنت ، وكل ذلك محرم إجماعا.

أما لو فسخت الزوجة ولم يجز ذلك العقد الفضولي ، فإن التحريم في هذه

٢٨٨

المواضع ينتفي لانتفاء مقتضيه.

وهذا واضح في الأخت ، فإنها لا تحرم إلا جمعا لا عينا ، وقد انفسخ النكاح الأول وزال فلا مانع من التزويج بالأخت ، وكذا البنت ـ أي بنت المعقود عليها ـ حيث إنها بعد فسخ الام العقد لا تحرم ، فإنها لا تحرم عينا إلا مع الدخول بأمها ، ولم يحصل هنا فلا تحرم عليه بعد فسخ أمها.

أما الأم لو كان المعقود عليها البنت وفسخت النكاح فإنها عند الأصحاب محل إشكال ، ينشأ من أن الأم تحرم بنفس العقد اللازم على بنتها وقد حصل ، لأن العقد من طرف المباشر صحيح لازم كما عرفت ، فيتعلق به تحريم الام ، ومن أن العقد إنما يتم من الطرفين ، فإذا لم تجز المرأة العقد عليها ، وفسخته جرى مجرى عدمه ، فلا ينشر التحريم إلى الأم.

والظاهر من كلام بعض المحققين ولعله الأقرب أن المباشرة من أحد الطرفين لا تقتضي ثبوت النكاح من ذلك الطرف ، لأن النكاح أمر واحد لشي‌ء لا يعقل ثبوته إلا من الجانبين.

والحكم بثبوت المصاهرة إنما كان ، لأن العقد الواقع نقل من المحل الذي كان قبله ، وإن كان سببيته وعدم سببيته الآن غير معلوم ، فلم يبق حكم الأصل كما كان.

ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها ، فإن تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما ، وكذا القول لو اشتبه الطاهر بالنجس ، والحلال بالحرام ، قال : وبهذا البيان يظهر أنه بعد الفسخ يتبين أن لا عقد أصلا ولا تحريم أصلا ، وهذا هو الأصح. انتهى.

ومرجعه إلى أن تحريم المصاهرة في الصورة المذكورة إنما هو من حيث وقوع الشبهة بهذا العقد في أن المعقود عليها قبل الإجازة أو الفسخ زوجة أم لا ،

٢٨٩

لا أن العقد كان لازما من جهة المباشرة كما ذكروه ، فيترتب عليه أحكام المصاهرة.

والحق أن العقد في الصورة المذكورة يكون موقوفا لا يحكم عليه بلزوم ولا بطلان إلى أن تلحقه الإجازة أو الفسخ فيظهر حاله بذلك ، والحكم باللزوم بمجرد كونه من أحد الطرفين لا يخلو من مناقشة وإشكال.

ورابعها : قد عرفت أن ثبوت الميراث للمجيز المتأخر متوقف على يمينه بعد الإجازة ، فعلى هذا لو لم يحلف فلا إرث وإن كان تأخر الحلف لعارض من موت أو جنون أو غيبة أو نحو ذلك ، لأن ثبوت الإرث هنا على خلاف الأصل كما تقدم فيقتصر فيه على مورد النص.

نعم لو كان العارض المانع من الحلف مما يرجى زواله كالغيبة والجنون والإغماء فإنه يعزل نصيبه من الميراث إلى أن يزول المانع فيحلف ويأخذ نصيبه أو يحصل اليأس من البرء أو يوجب التأخير ضررا على الوارث بتأخير المال فلا يبعد حينئذ جواز دفعه إلى الوارث مع ضمانه لو ظهر استحقاق الحالف له ، فإن في ذلك جمعا بين الحقين ودفعا للضرر من البين.

وربما احتمل في أصل المسألة في صورة موته قبل اليمين بثبوت الإرث ، لأنه دائر مع العقد الكامل ، والعقد هنا قد كمل بالإجازة من الطرفين ، فوجب أن يثبت الإرث ولا يسقط بعدم اليمين.

ومن هذا الوجه مع ما قدمناه من الوجه الموجب للعدم استشكل العلامة في القواعد فقال : فإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال.

والظاهر ضعف الاحتمال المذكور ، أما (أولا) فإنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء مع أن النص دل عليها مضافا إلى الاتفاق على ذلك.

وأما (ثانيا) فلأن الإجازة المكملة للعقد إنما يكون مع معلومية تعلق

٢٩٠

الإجازة بالنكاح واحتمال التهمة بكون الإجازة هنا إنما هي لطمع الميراث دون النكاح قائم ، بل ظاهر.

وبالجملة فإن الإجازة على الوجه المذكور لا يعلم كونها مطابقة للواقع ونفس الأمر إلا باليمين الدافعة للتهمة ، فالمكمل للعقد الموجب لترتب الميراث عليه الإجازة المقرونة باليمين.

هذا مع كون الحكم بالميراث هنا على خلاف الأصل ، فكيف يتوهم ثبوته بدونه مع التعذر أو اشتراطه مع الإمكان.

وخامسها : لو كان المتأخر هو الزوج بعد أن أجازت المرأة وماتت ثم إنه أجاز ونكل عن اليمين ولم يحلف ، فهل يلزمه المسمى في العقد أم لا؟ إشكال.

وعلى تقدير اللزوم فهل يرث منه مقدار نصيبه أم لا؟ إشكال ثان.

ووجه الإشكال الأول ينشأ من أن المهر فرع ثبوت النكاح المتوقف على اليمين ولم يثبت ، ومن أنه بإجازته معترف بثبوته و «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١). ، وإنما منع من الميراث لتعلقه بحق غيره وحصول التهمة فيه بخلاف المهر وإلى هذا الوجه مال في المسالك فقال : والأقوى ثبوته بمجرد إجازته.

ووجه الإشكال الثاني ينشأ من توقف إرثه من المرأة المذكورة على اليمين ولهذا لا يرث شيئا من باقي تركتها قطعا ، وأن الزوجية لم تثبت شرعا ، والإرث فرع ثبوتها ولا يلزم من ثبوت المهر في ذمته بإقراره إرثه منه ، لأن ذلك متعلق بحق غيره بخلاف ثبوت أصل المهر ، فإن حقه عليه ، فيقبل إقراره فيه.

ومن استلزام إجازته استحقاق نصيبه منه على كل تقدير ، لأنه إن كان صادقا في إجازته فإرثه لنصيبه منه ثابت في ضمن إرثه بجملة الميراث وإن كان كاذبا ، فكل المهر مختص به ، فمقدار نصيبه ثابت على التقديرين.

__________________

(١) الوسائل ج ١٦ ص ١١١ ح ٢.

٢٩١

وبعبارة اخرى أنه لو قلنا بلزوم المهر ومنعنا الإرث منه لزم التنافي بين الحكمين ، وذلك لأن العقد في نفس الأمر إما صحيح أو باطل ، فإن كان صحيحا لزمه المهر وورث ، وإن كان باطلا فلا مهر ولا ميراث ، فالحكم بلزوم المهر وعدم إرثه منه مما لا يجتمعان.

وبعبارة ثالثة هو أن العقد إن كان صحيحا ملك الحصة من المهر وغيره وإن كان باطلا لم يلزمه المهر ، وكان بأجمعه باقيا على ملك مالكه ، فملكه لمقدار الحصة من المهر مقطوع به على كل واحد من التقديرين.

واختار في المسالك الوجه الثاني هنا أيضا فقال بعد الكلام في المسألة : وقد ظهر بذلك أن القول بإرثه من المهر مقدار نصيب الزوج متعين.

أقول : والمسألة لعدم الدليل الواضح محل تأمل وإشكال ، إلا أن الأقرب إلى قواعدهم والأنسب بمقتضى ضوابطهم هو عدم المهر في الصورة الأولى لأن ثبوت المهر فرع ثبوت النكاح ولم يثبت ، ومجرد إجازته النكاح مع عدم تأثيرها في ثبوته لا يترتب عليه فائدة.

وتوضيحه : أن الإجازة لما كانت محتملة لأن يكون للطمع في الميراث كما تقدم ذكره ، لا النكاح ، فإنها لا تصلح لأن يترتب عليها شي‌ء من لوازم النكاح مهرا كان أو ميراثا أو غيرهما ، ومعلومية كونها للنكاح إنما يثبت باليمين بعدها فمع عدم اليمين لا أثر لها شرعا ، ولا يترتب عليها أمر من الأمور.

وبذلك يسقط الاستناد إلى حديث «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». فإن الإجازة على الوجه المذكور من حيث قيام الاحتمال المتقدم فيها لا يستلزم الإقرار وإنما تستلزم الإقرار لو تمحضت لإجازة النكاح خاصة وهو لا يتحقق إلا باليمين معها.

وبذلك يظهر اندفاع الإشكال الثاني ، لأنه يترتب على ثبوت المهر ولزومه

٢٩٢

وقد عرفت أنه لا وجه له ، والله العالم.

وسادسها : لو انتفت التهمة بالطمع في الميراث بأن يكون ما يلزمه من المهر بعد الحلف بمقدار ما يرثه منها أو أزيد ، فهل يتوقف الحكم المذكور على اليمين إشكال ، من انتفاء فائدة اليمين على هذا التقدير ، لأن العلة فيها هي التهمة ولا تهمة على هذا التقدير ، ومن إطلاق النص والفتوى بتوقف الإرث على اليمين.

ويؤيده ما تقدم قريبا من أن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ، بل هي معرفات أو بيان لوجه الحكمة ، ولا يجب إطرادها في أفراد جميع المعلول ، بل يكفي وجودها في الأغلب الأكثر ، والله العالم.

المسألة الرابعة عشر : إذا أذن المولى لعبده في العقد صح ، لكن يبقى الكلام هنا في موضعين :

الأول : أنه إذا أذن له ، فإما ان يعين له الزوجة أم لا ، وعلى كل منهما إما أن يعين له قدر المهر أم لا ، فهنا أقسام أربعة :

الأول : أن يعينهما معا ، ولا إشكال في أنهما يتعينان بذلك ، فلو تعدى عنهما أو عن أحدهما كان موقوفا على الإجازة إن قلنا بصحة العقد الفضولي وإلا بطل.

الثاني : أن يطلق فيهما معا ، وحينئذ فله أن يتزوج بمن أراد من حرة وأمة وشريفة ووضيعة لكن بمهر المثل أو دونه ، بشمول الإطلاق لذلك صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، قال : وإذا أطلق الإذن تناول الإذن الحرة والأمة أو في تلك البلد أو غيره ، إلا أنه ليس له الخروج إلى غير بلد مولاه إلا بإذنه.

وربما استشكل ذلك من حيث اقتضائه تسلط العبد على من يريد مع تفاوت المهر للقلة والكثرة تفاوتا فاحشا ، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد

٢٩٣

بالاذن المطلق وإن كثر ، ورد بأن التقصير في ذلك من السيد حيث إنه أطلق الاذن مع علمه بتناول ذلك ، فالضرر مستند إليه.

بقي الكلام في تقييد إطلاق المهر بمهر المثل قالوا : والعلة فيه أنه بمنزلة ثمن المثل من البيع فيحمل عليه كما لو أذن له في البيع والشراء وأطلق ، فإنه يجب حمل ذلك على ثمن المثل ، إلا أن الفرق بينهما أنه لو تجاوزه هنا لم يوجب بطلان العقد ، لأنه مأذون في أصل النكاح ولا ارتباط لصحته بالمهر ، لكن يلزم المولى مهر المثل والزائد يتبع به العبد بعد تحريره.

وأما لو تجاوزه في البيع والشراء بأن أذن له المولى في البيع والشراء مطلقا فتجاوز ثمن المثل فإنه يتوقف على الإجازة من المولى فإن حصلت الإجازة وإلا بطل ، لأن الثمن شرط في صحة البيع والشراء ، وأنت خبير بما في هذا الدليل من الوهن ـ أعني الحمل على ثمن المثل في البيع والشراء ـ وأنه إنما وجب تقييد إطلاق المهر في إذن المولى بمهر المثل حملا على ثمن المثل فإنه لا يخرج عن القياس الموجب للوقوع في ظلمة الالتباس.

نعم يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما فإن فرق بينها فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول» الحديث.

فإن الظاهر من الاعتداء بإصداقها صداقا كثيرا إنما هو باعتبار زيادته عن صداق مثلها ، لأن القلة والكثرة لا حد لهما إلا بالإضافة إلى حال تلك

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ٢.

٢٩٤

المرأة كما لا يخفى.

وينبغي حمل استحقاقها الصداق على ما إذا كانت جاهلة بالحال ، وإلا فلو علمت بأنه مملوك وأن التزويج بغير إذن سيده فإنه لا صداق لها.

ومع هذا ففيه أيضا ما أورده المحقق الثاني في شرحه على القواعد قال : ولقائل أن يقول : إن كان العبد أهلا لأن يثبت شي‌ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه.

ثم قال : مع أن هنا إشكالا آخر ، وهو أن الزوجة إنما رضيت بمهر مستحق يمكن المطالبة به فلا يلزمها النكاح ، وبعض المسمى إنما يستحقه إذا أعتق العبد ، وقد كان المناسب للقواعد القول بوقوف النكاح والصداق على إجازة المولى ، فإن فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول وتخير المرأة. انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الجواب عما ذكره المحقق المشار إليه حيث قال في تقرير وجه الإشكال الذي ذكره المحقق المذكور أولا :

ويشكل هذا في جانب المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال ، فإنها إنما قدمت على مهر ثبتت في ذمة المولى معجلا ولم يحصل ، ثم قال في دفعه : ويندفع الاشكال بمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر معجلا في ذمة المولى أو غيره ، بل قد يكون كذلك وقد لا يكون كما في هذه الصورة ، والمرأة إنما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع والتقصير منها ، حيث لم تعرف الحكم ، فإنه لما كان من المعلوم أن العبد لا يملك شيئا فتعلقها بثبوت المهر في ذمة المولى أو ذمته معجلا قدوم على غير معلوم ، فالضرر جاء من قبلها. انتهى.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، فإن المستفاد من الأخبار أن السيد إذا زوج عبده فإن المهر لازم للمرأة على السيد أو العبد معجلا.

٢٩٥

وقوله ـ قد يكون معجلا وقد لا يكون كما في هذه الصورة ـ فيه أن هذه الصورة محل البحث والنزاع ، ولم يقم فيها دليل على التأجيل في ذمة العبد لو كان زائدا عن مهر المثل كما ادعوه حتى أنه يتمسك بها.

والمستفاد من رواية زرارة المتقدمة أن لها الصداق مع الدخول بها في الصورة المذكورة ، بشرط كونه مهر المثل ، كما ذكرناه.

وأما مع زيادته على مهر المثل فليس في الخبر تعرض لحكمه ، وأنه لازم للعبد في ذمته ، بل الظاهر منها هو وقوفه على إجازة المولى ، وأنه لو لم يجزه بطل وانتفى بالكلية كما هو ظاهر كلام المحقق المذكور.

وروى في الفقيه والتهذيب عن الحسن بن محبوب عن علي بن أبي حمزة (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام «في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مائة درهم ، ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ، قال : فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها إنما هو بمنزلة دين لو كان استدانه بإذن سيده».

والتقريب فيه هو أن ظاهره وجوب المهر على السيد ، ولكن لما حصلت الفرقة بسببه فلها نصف المهر حيث إنه لم يدخل بها.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع ، فإنها ظاهرة في تعجيل الصداق وهو مقتضى النكاح كما في غير هذه الصورة.

والقول بالتأجيل كما ادعوه في هذه الصورة ، وبقاءه في ذمة العبد إلى أن يتحرر يحتاج إلى الدليل.

فقوله ـ : إنها في نكاحها العبد إنما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع وأن التقصير منها بذلك ـ كلام مموه ، فإن المعلوم من الشارع

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٩ ح ١٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٥ ح ١٥٨ ، الوسائل ج ١٥ ص ٧٩ ح ١.

٢٩٦

عليه‌السلام بهذه الأخبار التي ذكرنا بعضها هو أن مهرها معجل لا تأخير فيه.

وبالجملة فإن ما يدعونه ـ من أنه مع تزويجه بالزيادة على مهر المثل بتبع بالزيادة بعد تحريره ، فيجب على المرأة الصبر ـ يتوقف على الدليل ، ولا دليل عليه كما عرفت ، والله العالم.

الثالث : أن يعين المرأة ويطلق المهر ، ولا إشكال في أنه بالنسبة إلى المرأة لا يجوز له التخطي إلى غير المعينة ، فإن تخطى كان فضوليا يترتب عليه ما عرفت من الخلاف في الفضولي.

وأما بالنسبة إلى المهر فإنه بإطلاقه عندهم كما تقدم محمول على مهر المثل أو أقل ، وأنه إن زاد تبع بالزائد بعد عتقه.

الرابع : عكسه ، وهو أن يعين المهر ويطلق المرأة ، فيتخير في تزويج من شاء بذلك المهر المعين ، هذا مقتضى الاذن فلو تخطى وتزوج بأزيد من ذلك ، قالوا : إنه يتعلق الزائد بذمته كالزائد عن مهر المثل وإن كانت الزيادة هنا لا يتجاوز مع المعين مهر المثل.

هذا إذا كان المعين بقدر مهر مثل مهر المرأة التي اختارها العبد أو أقل ، أما لو كان أكثر من مهر مثلها ، فهل يلزم العقد والمسمى نظرا إلى كونه مأذونا وأنه يتعلق الزائد عن مهر المثل بذمته ويتبع به بعد التحرير كما لو زاد في المطلق من حيث إن التجاوز عن مهر المثل حكمه ذلك ، وتعين المهر مع إطلاق الزوجة لا ينافيه؟ وجهان : إختار في التذكرة الأول ، واستشكل في المسالك وهو يؤذن باختياره الثاني.

الموضع الثاني : اختلف الأصحاب في محل المهر المتعلق بالمولى من المعين لو عينه أو مهر المثل مع الإطلاق ، وكذا في نفقة الزوجة ، فالمشهور وهو أحد قولي الشيخ أن جميع ذلك يتعلق بذمة المولى ، وذهب في المبسوط إلى

٢٩٧

أنه يتعلق بكسب العبد بمعنى أنه يجب الاكتساب عليه للمهر والنفقة.

ونقل عن ابن حمزة التفصيل بأنه إن كان العبد مكتسبا فهو في كسبه ، وإلا فهو على السيد ، ونقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن العلامة في المختلف ولم أجده فيه لا في هذا المقام ولا في باب نكاح الإماء.

احتج من قال بالقول المشهور بأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ولوازمه ، كما لو أذن له في الإحرام بالحج فإنه يكون إذنا في توابعه من الأفعال وإن لم يذكر ، ومع تعيين المهر أولى.

وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح ، والعبد لا يملك شيئا وكسبه من جملة أموال المولى كان الاذن فيه موجبا لالتزام ذلك من غير أن يتقيد بنوع خاص من ماله كباقي ديونه ، فيتخير بين بذله من ماله وبين كسب العبد إن وفي ، وإلا وجب عليه الإكمال ، كذا قرره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وهو جيد ، وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدة عليه ، فإنها وإن كان موردها المهر خاصة ، إلا أنه لا قائل بالفرق بين المهر والنفقة.

احتج من قال بالقول الثاني بأن ذلك يجب في مقابلة عوض يستوفيه العبد في الحال ، والسيد لم يلتزمه في ذمته ، ولا هو مستوف بدله ، ويأتي بناء على هذا القول أنه يجب على المولى تخلية العبد للاكتساب نهارا والاستمتاع بها ليلا ، إلا أن يختار الإنفاق عليه وعلى زوجته من ماله ، فله استخدامه حينئذ.

وأنت خبير بأن القول المذكور بمحل من القصور فلا فائدة في تطويل الكلام بما يتفرع عليه كما ذكروه.

وأما القول بالتفصيل فوجهه يعلم من القولين الأولين ، إلا أنك قد عرفت ما في الثاني منهما من الضعف في البين.

٢٩٨

تذنيبان

الأول : قالوا : من تحرر بعضه ليس للمولى إجباره على النكاح ، لأنه صار شريكا لمولاه في المتعلق برقبته ، فليس لأحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر ومنه النكاح.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (١) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عبد بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم ، ثم إنه علم بعد ذلك ، إله أن يفرق بينهما؟ قال : للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما ، وإن شاء تركه على نكاحه».

والتقريب فيها أن قضية الشركة عدم صحة تصرف أحد الشريكين إلا بإذن الآخر ، وحينئذ فليس للمولى إجبار العبد المذكور نظرا إلى جهة ملكه له لمعارضة ذلك بجانب الحرية ، والحر لا يجبر على ذلك.

وكذلك ليس للعبد الاستقلال به نظرا إلى جانب الحرية لمعارضتها بجانب الرقية ، بل لا بد من اتفاقهما على ذلك ، وصدور النكاح عن رأيهما ، ويكون المهر والنفقة بالنسبة ، ولو زاد البعض عن مهر المثل أو المعين تعلق الزائد عندهم بجزئه الحر.

الثاني : لو كانت الأمة لمولى عليه بصغر أو جنون أو نحوهما فقد صرح الأصحاب بأن نكاحها بيد وليه ، فإذا زوجها لزم ، وليس عليه مع زوال الولاية الفسخ.

والوجه في ذلك أن الولي له التصرف شرعا في أموال المولى عليه بأنواع

__________________

(١) التهذيب ج ٨ ص ٢٠٧ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٥ ح ١.

٢٩٩

التصرفات المنوطة بالمصلحة ، ومن جملتها نكاح أمته وإنكاحه أيضا من الولي المخصوص للنكاح ، وعلى هذا فليس له الاعتراض بعد زوال الولاية عنه فيما فعله الولي من إنكاح أمة أو غيره ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين أصحابنا ، وإنما نبهوا بذلك هذا الحكم على خلاف لبعض العامة حيث إن منهم من منع من تزوج أمة المولى عليه مطلقا ، لأنه ينقص قيمتها ، وقد تحبل وتهلك.

ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج بعد نقل ذلك ، والكل عندنا ساقط ، والفرق بين التصرفين ظاهر ، واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص. انتهى ، والله العالم.

المسألة الخامسة عشر : قالوا ، يستحب للمرأة إذا كانت ثيبا أن تستأذن أباها في العقد ، وكذا لو كانت بكرا ، وقلنا باستقلالها كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وعلل ذلك بأن الأب في الأغلب أخبر بالأنسب من الرجال ، وأعرف بأحوالهم من المرأة ، ولا سيما إذا كانت بكرا.

أقول : لم أقف فيه على نص والتجاؤهم إلى هذا التعليل مشعر بذلك أيضا.

قالوا : ويستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد ، ولم أقف في ذلك على نص أيضا ، وغاية ما عللوا به أن الأخ مع فقد الأب والجد أخبر بذلك منها غالبا وأن عليه غضاضة لو لم تعمل باختياره كالأب.

وأيد بما تقدم في رواية أبي بصير (١) أن الأخ من جملة من بيده عقدة النكاح ،. قال في المسالك : وحمله على الاستحباب حسن ، وربما كان أولى من حمله على كونه وصيا.

أقول : وفيه ما فيه ، فإن الاستحباب من جملة الأحكام الشرعية المتوقفة على الدليل الواضح ، وإثباته بمثل هذه التخرصات الوهمية مجازفة.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٣ ح ٤٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٣ ح ٤.

٣٠٠