الحدائق الناضرة - ج ١٨

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٠٤

١
٢

بسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كتاب التجارة

وفيه مقدمات وفصول

المقدمة الأولى

اعلم انه قد استفاضت الاخبار بالحث على طلب الرزق والكسب الحلال ، ولا سيما بطريق التجارة مع الإجمال في الطلب والاقتصار على الحلال. وعلى هذا كان جملة فضلاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، كزرارة بن أعين ، وهشام بن الحكم ، ومحمد ابن النعمان مؤمن الطاق ، ومحمد بن عمير وأضرابهم ، كما لا يخفى على من لاحظ السير والاخبار.

قال الله تعالى «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا

٣

مِنْ رِزْقِهِ» (١). وقال سبحانه «فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ» (٢). وقال تعالى «وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ» (٣).

وروى ثقة الإسلام ، عن ابى خالد الكوفي ، رفعه الى ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العبادة سبعون جزء فضلها طلب الحلال» (٤).

وعن عمر بن يزيد ـ في الموثق ـ قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ، قال : لأقعدن في بيتي ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي ، فأما رزقي فسيأتيني ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم» (٥).

وعن عمر بن يزيد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أرأيت لو ان رجلا دخل بيته وأغلق بابه كان يسقط عليه شي‌ء من السماء؟» (٦).

وعن أيوب أخي أديم بياع الهروي قال : كنا جلوسا عند ابى عبد الله عليه‌السلام إذا قبل العلاء بن كامل فجلس قدام ابى عبد الله عليه‌السلام فقال : ادع الله ان يرزقني في دعة ، فقال : لا أدعو لك ، اطلب كما أمرك الله». (٧).

وعن سليمان بن معلى بن خنيس عن أبيه قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل وانا عنده ، فقيل له : أصابته الحاجة ، فقال : فما يصنع اليوم؟ قيل : في البيت يعبد ربه! قال : من اين قوته؟ قيل : من عند بعض إخوانه! فقال أبو عبد الله : والله

__________________

(١) سورة الملك : ١٥.

(٢) سورة الجمعة : ١٠.

(٣) سورة المزمل : ٢٠.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٧٨ رقم : ٦.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٧٧ رقم : ١.

(٦) «««رقم : ٢.

(٧) الكافي ج ٥ ص ٧٨ رقم : ٣.

٤

الذي يقوته أشد عبادة منه» (١).

وعن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام : قال : «من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس ، وتوسيعا على اهله ، وتعطفا على جاره ، لقي الله عزوجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر» (٢).

وعن على بن الغراب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملعون من القى كله عن الناس» (٣).

وروى المشايخ عن الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «اوحى الله عزوجل الى داود عليه‌السلام : انك نعم العبد لولا انك تأكل من بيت المال ، ولا تعمل بيدك شيئا ، قال : فبكى داود عليه‌السلام : أربعين صباحا ، فأوحى الله عزوجل الى الحديدان لن لعبدي داود عليه‌السلام فألان الله تعالى له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعا ، فيبيعها بألف درهم ، فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألفا ، واستغنى عن بيت المال» (٤).

وروى الصدوق عن المعلى بن خنيس قال : رآني أبو عبد الله عليه‌السلام وقد تأخرت عن السوق ، فقال : «اغد الى عزك» (٥).

وبإسناده عن روح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «تسعة أعشار الرزق في التجارة» (٦).

وروى في كتاب الخصال عن عبد المؤمن الأنصاري عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة ، والعشر الباقي

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٧٨ رقم : ٤.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٧٨ رقم : ٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٧٧ رقم : ٧.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٧٤ رقم : ٥.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٣ رقم : ٢.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ٣ رقم : ٣.

٥

في الجلود» (١).

قال الصدوق ـ قدس‌سره ـ يعنى بالجلود : الغنم ، واستدل بما يأتي.

وروى فيه عن الحسين بن زيد بن على عن أبيه زيد بن على عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «تسعة أعشار الرزق في التجارة والجزء الباقي في السابياء ، يعنى الغنم» (٢).

وروى في الكافي عن محمد الزعفراني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من طلب التجارة استغنى عن الناس ، قلت : وان كان معيلا؟ قال : وان كان معيلا ، ان تسعة أعشار الرزق في التجارة» (٣).

وعن هشام الأحمر قال : كان أبو الحسن عليه‌السلام يقول لمصادف : اغد الى عزك» ـ يعنى السوق ـ (٤).

وعن على بن عقبة قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لمولى له : «يا عبد الله ، احفظ عزك قال : وما عزى جعلت فداك؟ قال : غدوك الى سوقك ، وإكرامك نفسك». وقال لاخر مولى له : «مالي أراك تركت غدوك الى عزك؟ قال : جنازة أردت ان أحضرها ، قال : فلا تدع الرواح الى عزك» (٥).

وروى المشايخ الثلاثة عن سدير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اى شي‌ء على الرجل في طلب الرزق؟ قال : إذا فتحت بابك وبسطت بساطك ، فقد قضيت ما عليك» (٦).

وروى في الكافي عن الطيار ، قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : اى شي‌ء تعالج؟

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٤٤٥ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣ رقم : ٤.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٤٤٦ ، الوسائل ج ١٢ ص ٣ رقم : ٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٤٨ ص ٣ رقم : ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٤٩ رقم : ٧.

(٥) الوسائل ج ١٢ ص ٥ رقم : ١٣.

(٦) الوسائل ج ١٢ ص ٣٤ رقم : ١.

٦

ـ أي شي‌ء تصنع؟ ـ فقلت ما انا في شي‌ء ، فقال فخذ بيتا واكنس فنائه ، ورشه ، وابسط فيه بساطك فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما يجب عليك ، قال : فقدمت الكوفة ففعلت فرزقت» (١).

وروى في الكافي والتهذيب عن أبي عمارة الطيار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انى قد ذهب مالي ، وتفرق ما كان في يدي ، وعيالي كثير! فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا قدمت الكوفة ، فافتح باب حانوتك وابسط بساطك ، وضع ميزانك وتعرض للرزق ربك.

قال : فلما ان قدم الكوفة ، فتح باب حانوتة وبسط بساطه ، ووضع ميزانه ، فتعجب من حوله من جيرانه انه ليس في بيته قليل ولا كثير من المتاع ، ولا عنده شي‌ء! فجاءه رجل فقال : اشتر لي ثوبا ، قال : فاشترى له ثوبا ، وأخذ ثمنه وصار الثمن اليه ، قال ثم جاءه آخر فقال له : يا أبا عمارة اشتر لي ثوبا ، فطلب له في السوق واشترى له ثوبا وأخذ ثمنه ، فصار في يده ، وكذلك يصنع التجار ، يأخذ بعضهم من بعض ، ثم جائه رجل آخر فقال له يا أبا عمارة ان عندي عدلا من كتان ، فهل تشتريه منى وأؤخرك بثمنه سنة؟ قال : نعم ، أحمله وجئني به

قال : فحمله اليه ، فاشتراه منه بتأخير سنة ، قال : فقام الرجل فذهب ثم أتاه آت من أهل السوق ، فقال له : يا أبا عمارة ما هذا العدل؟ قال هذا عدل اشتريته ، قال يعنى نصفه واعجل لك ثمنه ، قال : نعم ، فاشتراه منه وأعطاه نصف المتاع وأخذ نصف الثمن.

قال : فصار في يده الباقي الى سنة ، قال : فجعل يشترى بثمنه الثوب والثوبين ، ويعرض ويشترى ويبيع ، حتى أثرى وعز وجهه (٢) وصار معروفا». (٣).

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٣٤ رقم : ٢.

(٢) في نسخة الكافي : وعرض وجهه.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٠٤ حديث : ٣.

٧

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع : الا ان الروح الأمين نفث في روعي (١) انه لا يموت نفس حتى يستكمل رزقها ، فاتقوا الله تعالى وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء شي‌ء من الرزق ان تطلبوه بشي‌ء من معصية الله ، فان الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ، ولم يقسمها حراما فمن اتقى الله عزوجل وصبر آتاه الله برزقه من حله. ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة» (٢).

وبهذا المضمون أخبار عديدة ، وروى في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ورواه في الفقيه مرسلا قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم العون على تقوى الله الغنى» (٣).

وروى في الكافي عن عمرو بن جميع قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه ويقضى به دينه ، ويصل به رحمه» (٤).

وعن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «نعم العون على الآخرة الدنيا» (٥).

وعن على الأحمسي ، عن رجل عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «نعم العون الدنيا ، على طلب الآخرة» (٦).

وروى في الفقيه مرسلا قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ليس منا من ترك دنياه لاخرته ،

__________________

(١) الروع ـ بضم الراء ـ : سواد القلب ، والمراد : روحه الكريمة كناية عن الباطن.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٧ حديث : ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٧١ حديث : ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٧٢ حديث : ٥.

(٥) الكافي ج ٥ ص ٧٢ حديث : ٩.

(٦) الكافي ج ٥ ص ٧٣ حديث : ١٤.

٨

ولا آخرته لدنياه» (١).

قال : روى عن العالم عليه‌السلام انه قال : «اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا» (٢).

إذا عرفت ذلك ففي هذا المقام فوائد لطيفة ، وفرائد منيفة ، تهش إليها الطباع القويمة ، وتلتذ بها الإسماع السليمة :

الفائدة الأولى

اعلم انه كما استفاضت الأخبار بالأمر بطلب الرزق وذم تاركه ، حتى ورد لعن من القى كله على الناس ، كما تقدم (٣) وورد الترغيب فيه كما تقدم ، حتى ورد ايضا ان العبادة سبعون جزأ ، أفضلها طلب الحلال ، كما قد استفاضت الاخبار بطلب العلم ووجوب التفقه في الدين وانه فريضة على كل مسلم كما في الكافي (٤) والتهذيب وغيره من الاخبار المتكاثرة بذلك.

وجملة من عاصرناه من علمائنا الاعلام ومشايخنا الكرام ومن سمعنا به قبل هذه الأيام كلهم كانوا على العمل بهذه الأخبار ، فإنهم كانوا مشغولين بالدرس والتدريس ونشر أحكام الشريعة والتصنيف والتأليف من غير اشتغال بطلب المعاش وغير ذلك مع ما عرفت من تلك الاخبار من مزيد الذم لتارك الطلب حتى ورد لعنه ، الدال على مزيد الغضب.

وحينئذ فلا بد من الجمع بين اخبار الطرفين على وجه يندفع به التنافي من البين ، وذلك بأحد وجهين :

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٤٩ حديث : ١.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٤٩ حديث : ٢.

(٣) راجع : الكافي ج ٥ ص ٧٢.

(٤) راجع : الكافي ـ الأصول ـ ج ١ ص ٣٠ فما بعد.

٩

الأول ـ ولعله الأظهر ، كما هو بين علمائنا أشهر ـ تخصيص الاخبار الدالة على وجوب طلب الرزق بهذه الأخبار الدالة على وجوب طلب العلم ، بان يقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته أو تعليمه وافادته.

وبهذا الوجه صرح شيخنا الشهيد الثاني في كتاب «منية المريد في آداب المفيد والمستفيد» حيث قال في جملة شرائط تحصيل العلم ما لفظه :

«وان يتوكل على الله ويفوض أمره اليه ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها وتكون وبالا عليه ، ولا على أحد من خلق الله تعالى ، بل يلقى مقاليد امره الى الله تعالى في امره ورزقه وغيرهما يظهر له من نفحات قدسه ولحظات أنسه ما يقوم به أوده ، ويحصل مطلوبه ، ويحصل به مراده. وقد ورد في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ان الله تعالى قد تكفل لطالب العلم برزقه خاصة عما ضمنه لغيره» بمعنى ان غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل غالبا ، وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب ، وكفاه مؤنة الرزق ان أحسن النية وأخلص العزيمة ، وعندي في ذلك من الوقائع والدقائق ما لو جمعته بلغ ما يعلمه الله تعالى من حسن صنيع الله بي وجميل معونته ، منذ اشتغلت بالعلم وهو مبادي عشر الثلاثين وتسعمائة ، إلى يومي هذا ، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وبالجملة ليس الخبر كالعيان.

وروى شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني ـ بإسناده إلى الحسين بن علوان ، قال : كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الاسفار ، فقال لي بعض أصحابنا : من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت : فلانا : فقال : إذا والله لا تسعف حاجتك (١) ولا يبلغك أملك ، ولا تنجح طلبتك! قلت : وما علمك رحمك الله؟ قال ان أبا عبد الله عليه‌السلام : حدثني أنه قرأ في بعض الكتب : ان الله تبارك وتعالى يقول وعزتي وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي ، لأقطعن أمل كل مؤمل (من الناس) غيري باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ولأنحينه من قربى ، ولأبعدنه من فضلي ، أيؤمل

__________________

(١) اى لا تقضى.

١٠

غيري في الشدائد ، والشدائد بيدي ويرجو غيري ويقرع بالفكر باب غيري؟ وبيدي مفاتيح الأبواب ، وهي مغلقة.

وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها ، ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجائه مني؟! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي وأمرتهم ان لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي فلم يثقوا بقولي! ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي انه لا يملك كشفها أحد غيري الا من بعد إذني فما لي اراده لاهيا عني ، أعطيته بجودي ما لم يسألني ، ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده ، وسأل غيري. أفيرانى ابدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فلا أجيب سائلي! أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟! أو ليس الجود والكرام لي؟! أو ليس العفو والرحمة بيدي؟! أو ليس انا محل الآمال؟ فمن يقطعها دوني؟! أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري؟!.

فلو ان أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ، ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة ، وكيف ينقص ملك أنا قيمه؟! ،

فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ويا بؤسا لمن عصاني ، ولم يراقبني (١).

ورواه الشيخ المبرور بسند آخر عن سعيد بن عبد الرحمن ، وفي آخره : «فقلت : يا ابن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أمل على ، فأملأه على ، فقلت : لا والله ما اسأله حاجة بعدها.

أقول : ناهيك بهذا الكلام الجليل الساطع نوره من مطالع النبوة على أفق الولاية من الجانب القدسي ، حاثا على التوكل على الله وتفويض الأمر اليه ، والاعتماد في جميع المهمات عليه ، فما عليه مزيد من جوامع الكلام في هذا المقام» (٢).

__________________

(١) الكافي ـ الأصول ـ ج ٢ ص ٦٦ ـ ٦٧.

(٢) منية المريد ص ٤٦ ـ ٤٧ طبعة النجف.

١١

انتهى كلام شيخنا المشار إليه ، أفاض الله شئابيب قدسه عليه.

أقول : ويدل على ذلك أيضا بأصرح دلالة ما رواه شيخنا ثقة الإسلام في الكافي أيضا بإسناده ، الى ابى إسحاق السبيعي عمن حدثه قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به ، الا وان طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، ان المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه ، وسيفي لكم والعلم مخزون عند أهله ، وقد أمرتم بطلبه من اهله فاطلبوه (١).

ولا يخفى ما في هذا الخبر من الصراحة في المدعى. اما الأمر بطلب العلم دون طلب المال ، لان الرزق كما ذكره عليه‌السلام مقسوم مضمون وهو إشارة إلى قوله تعالى : «نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» (٢) وقوله تعالى «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزْقُها» (٣).

ويؤكده ما رواه شيخنا المذكور في كتابه المشار اليه ، بسنده عن ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يقول الله ـ عزوجل ـ وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواه على هواي إلا شتت امره ولبست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أوته منها الا ما قدرت له. وعزتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني ، لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته ملائكتي وكفلت السموات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر وآتته الدنيا وهي راغمة (٤).

وقد حكى لي والدي العلامة عن جمع من فضلاء بلادنا (البحرين) الذين بلغوا من الفضل علما وعملا وتقوى ونبلا ما هو أشهر من ان ينقل :

__________________

(١) الكافي ـ الأصول ـ ج ١ ص ٣٠ حديث : ٤.

(٢) سورة الزخرف : ٣٢.

(٣) سورة هود : ٦.

(٤) الكافي ـ الأصول ـ ج ٢ ص ٣٣٥ حديث : ٢.

١٢

منهم العلامة الفقيه الشيخ سليمان بن على الشاخورى وهو استاد شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، ومنهم العلامة المحقق المدقق الشيخ محمد بن يوسف المعابى البحراني ، ومنهم الشيخ الفقيه الذي رجعت إليه رئاسة البلاد في زمانه امرا ونهيا وفتوى ، الشيخ محمد بن سليمان البحراني ، فإنهم كانوا في مبدء الاشتغال على غاية من الفقر والحاجة ، حتى ان الشيخ سليمان بن على المذكور ، كان يحضر الدرس في حلقة الشيخ العلامة الشيخ على بن سليمان البحراني ، وهو أحد تلامذة شيخنا البهائي وهو أول من نشر علم الحديث بالبحرين وكان الشيخ سليمان المذكور يحضر حلقة درسه حتى إذا صار قريب الظهر ودخل الشيخ على البيت لأجل الغذاء ، وتفرق المجلس ، مضى الشيخ المزبور للصحراء في وقت الربيع وأكل من حشائش التراب ما يسد جوعه ، ثم بعد خروج الشيخ يعود للحضور.

ومن هذا القبيل حكايات الباقين مما يطول بنقله الكلام. وحيث انهم رضوان الله عليهم طلقوا الدنيا وقصروا على الرغبة في الأخرى ، ارتقوا من الدنيا أعلى مراتبها وانقادت لهم بأزمتها وتراقيها حتى صار كل منهم نابغة زمانه ونادرة أو انه ، وهو وفق الحديث القدسي المتقدم.

لكن ينبغي ان يعلم ان هذه المرتبة ليست سهلة التناول لكل طالب ، ولا ميسرة الا بإخلاص النية له في طلب العلم ، فان مدار الأعمال على النيات ، وبسببها يكون العلم تارة خزفة لا قيمة لها ، وتارة جوهرة فأخره لا يعلم قيمتها ، لعظم قدرها ، وتارة يكون وبالا على صاحبه مكتوبا في ديوان السيئات ، وان كان ما اتى به بصورة الواجبات.

فيجب على الطالب ان يقصد بطلبه الإخلاص لوجه الله تعالى وامتثال امره ، وإصلاح نفسه وإرشاد عبادة إلى معالم دينه ، ولا يقصد بذلك شيئا من الأعمال الدنيوية من تحصيل مال ، وجاه ، ورفعة وشهرة بين الناس ، أو المباهاة والمفاخرة للاقران ، والترفع على الاخوان ونحو ذلك مما يوجب البعد منه سبحانه وتعالى ، والخذلان ، مضافا الى

١٣

ذلك التوكل عليه سبحانه في جميع الأمور ، والقيام بأوامره ونواهيه في الورود والصدور كما تقدم في كلام شيخنا المذكور.

الثاني : التفصيل في ذلك ويتوقف على بيان كلام في المقام :

وهو انه ينبغي ان يعلم أولا : ان العلم منه ما هو واجب وما هو مستحب ، والأول منه ما هو واجب عينا ومنه ما هو واجب كفاية. فأما الواجب عينا فهو العلم بالله سبحانه وصفاته وما يجوز عليه ويمتنع ، حسبما ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية على الصادع بها وآله أشرف صلاة وتحية ، وما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحوال المبدء والمعاد مما علم تواتره من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو تقليدا تسكن اليه النفس ويطمئن به القلب وما يحصل به الإذعان والتصديق ، وفاقا لجمع من متأخري أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ وما زاد على ذلك من الأدلة التي قررها المتكلمون والخوض في دقائق علم الكلام فهو فرض كفاية على المشهور صيانة للدين عن شبه المعاندين والملحدين.

ومن الواجب العيني أيضا تحصيل العلم بواجبات الصلاة حيث يكلف بها ولو تقليدا وواجبات الصيام كذلك ، والزكاة ممن يخاطب بها ، والحج كذلك ايضا وهكذا من كل ما يجب على المكلف بوجود أسبابه ، وما زاد من تحصيل العلوم في هذه الحال على ما ذكرناه فهو مستحب.

ومن الواجب العيني أيضا ما يحصل به تطهر القلب من الملكات الردية المهلكة ، كالرياء والحسد والعجب والكبر ونحوها كما حقق في محل مفرد ، وهو من أجل العلوم قدرا وأعلاها ذكرا بل هو الأصل الأصيل للعلوم الرسمية ، وان كان الان قد اندرست معالمه بالكلية وانطمست مراسمه العلية ، فلا يرى له اثر ولا يسمع له خبر.

واما الواجب كفاية فهو ما فوق هذه المرتبة فيما تقدم ذكره حتى يبلغ درجة العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية ، وهو المعبر عنه في ألسنة الفقهاء بالاجتهاد.

هذا إذا لم يوجد من يتصف به ويقوم به في ذلك القطر ، والا كان ذلك مستحبا

١٤

لان الواجب الكفائي مع وجود من يقوم به يسقط وجوبه عن الباقين ، فيكون مستحبا ويكون هذا من القسم الثاني في التقسيم الأول. وما يتوقف عليه الوصول إلى مرتبة الاجتهاد من المعلوم الاتية وغيرها تابع له في الوجوب والاستحباب.

ثم اعلم ايضا ان تحصيل الرزق منه ما يكون واجبا وهو ما يحصل به البلغة والكفاف لنفسه وعياله الواجبي النفقة عليه بحيث يخرج عن ان يكون مضيقا. ومنه ما يكون مستحبا ، وهو طلب ما زاد على ذلك للتوسعة على نفسه وعياله ، وهو الصرف في وجوه البر والخيرات. ومنه ما يكون مكروها وهو ما يقصد به الزيادة في جمع المال وادخاره والمكاثرة والمباهاة به والحرص عليه. ومنه ما يكون محرما وهي ما يقصد بتحصيله الصرف في اللهو واللعب والمعاصي ونحو ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم : ان وجه ما أشرنا إليه آنفا من التفصيل ، هو ان هيهنا صورا :

(احديها) تعارض الواجب العيني من طلب العلم مع الواجب من طلب الرزق ، والظاهر ان الواجب هنا تقديم طلب الرزق ان انسدت عليه وجوه التحصيل مما سواه لأن في تركه حينئذ إلقاء باليد إلى التهلكة. والمعلوم من الشارع في جملة من الأحكام تقديم مراعاة الأبدان على الأديان ، ولهذا أوجب الإفطار على المريض المتضرر بالصوم وان أطاقه. والتيمم على المتضرر بالماء وان لم يبلغ المشقة ، والقعود في الصلاة على المتضرر بالقيام. وأباح الميتة لمن اضطر إليها ، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع. اما لو حصل له من وجه الزكاة أو نحوها مما يمونه وجب تقديم العلم البتة.

(وثانيها) تعارض الواجب العيني من العلم ، مع المستحب من طلب الرزق ولا ريب في تقديم طلب العلم.

(وثالثها) تعارض الواجب من طلب الرزق ، مع الواجب الكفائي من طلب العلم ، ولا ريب أيضا في تقديم طلب الرزق لما ذكر في الصورة الأولى.

١٥

هذا إذا لم يمكن الجمع بين الأمرين ، والأوجب الجمع بقدر الإمكان في الواجبين. وباقي الصور يعرف بالمقايسة.

ولا يخفى ان ما ذكرناه في هذا المقام وان كان خارجا عن موضوع الكتاب ، الا ان فيه فوائد جمة ، لا تخفى على ذوي الأفهام والألباب والله العالم.

الفائدة الثانية

قد عرفت مما قدمناه من الاخبار ومثلها غيرها مما لم نذكره ، الدلالة على وجوب طلب الرزق ، واستحباب جمع المال بتجارة كان أو زراعة أو صناعة ، مع انا نرى في هذه الأوقات ولا سيما في أرض العراق زيادة جور السلاطين وظلمهم على من اشتغل بشي‌ء من ذلك حتى آل الأمر إلى تركهم ذلك أو الفرار من ديارهم الى بعض الأقطار ومنه يحصل الإشكال في العمل بتلك الاخبار ، اللهم الا ان يقال : ان السبب التام في تعدى الحكام على أولئك الأنام ، انما هو تعديهم الحدود الشرعية والأحكام ، في أعمالهم أو غيرها ، وعدم القيام بما أوجبه الملك العلام.

ويدل عليه ما رواه الصدوق في كتاب المجالس بسنده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قال الله تعالى : «انا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي ، فأيما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة ، وأيما قوم عصوني ، جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة. الا لا تشغلوا أنفسكم بسبب المملوك. توبوا الى ، أعطف قلوبهم عليكم» (١).

وهو كما ترى ظاهر الدلالة واضح المقالة ، في ان تسلط الملوك عليهم وظلمهم لهم انما نشأ من ظلمهم أنفسهم ، وتعديهم الحدود الشرعية ، ومن ثم منعهم من سب الملوك وتظلمهم من الحكام ، فإنه سبحانه هو الذي سلطهم عليهم ، وأمرهم بالتوبة والإنابة ، ليعطف قلوب الحكام عليهم.

ويؤيده ما ورد في بعض الاخبار التي لا يحضرني الان موضعها ، من قوله تعالى :

__________________

(١) أمالي الصدوق ص ٢٢٠ ـ بحار الأنوار ج ٧٥ ص ٣٤١.

١٦

«إذا عصاني من عرفني سلطت عليه من لا يعرفني» (١).

وما قيل أيضا : أعمالكم عمالكم. وبه يزول الاشكال من هذا المجال والله العالم.

الفائدة الثالثة

قد دلت جملة من الاخبار المتقدمة على ان الواجب هو التعرض للرزق ولو بالجلوس في السوق ، متعرضا لذلك والله سبحانه مسبب الأسباب ، يسوق اليه رزقه ، إذا كان جلوسه عن نية صادقة وتوكل على الله سبحانه وثيق ، فإنه تعالى هو الرزاق ، واما ما يفعله بعض أبناء هذا الزمان من شغل فكره وبدنه بالسعي في التحصيل والكدح والحيل ونحوها ليستغرق أوقاته ويشتغل بها عن اقامة الطاعات والمحافظة على السنن والواجبات ولا يبالي بتحصيله من وجوه الحلال كان أو من الشبهات أو المحرمات ، فهو من تسويلات الشيطان الرجيم ، وفعله الذميم.

ويعضد ما قلناه ما تقدم مما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع : «الا ان الروح الأمين نفث في روعي انه لا يموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله عزوجل وأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء شي‌ء من الرزق ان تطلبوه بشي‌ء من معصية الله ، فان الله تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالا ولم يقسمها حراما ، فمن اتقى الله عزوجل وصبر آتاه الله برزقه من حله ، ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير حله ، قص به من رزقه الحلال ، وحوسب عليه يوم القيامة» (٢).

وبمضمونه أخبار عديدة وفي بعضها : «لو كان العبد في جحر لأتاه الله رزقه» (٣).

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٧٦ حديث : ٣١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٨٠ حديث : ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٨١ حديث : ٤ والجحر : الغار البعيد الغور. وهو بتقديم الجيم المفتوحة.

١٧

وفي آخر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «كم من متعب نفسه مقتر عليه. ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير» (١).

وبالجملة فإن الإنسان متى أيقن ان الرزق بيد الله سبحانه وانه قد قسمه من عالم الأزل ، وضمن إيصاله لصاحبه وانه انما أمره بالطلب والتعرض له من مظانه ، لكي يأتيه كما وعد به ، وقد روى : «الرزق رزقان ، رزق تطلبه ورزق يطلبك» (٢).

وحينئذ فالعاقل العالم بذلك لا يهم بذلك ولا يشغل فكره ، ولا يتعب ليله ونهاره ، ولا يتجاوز الحدود الشرعية في طلبه. ولكن الشيطان الرجيم والنفس الامارة ، والجهل بالأحكام الشرعية والحدود المرعية ، هي السبب في وقوع الناس في شباك (٣) الخناس وتضييعهم الدين في طلب هذه الدنيا الدنية ، فإنهم يرون ان ما يحصلونه انما حصل بجدهم واجتهادهم وحيلهم وافكارهم وسعيهم الليل والنهار في ذلك ، وهذا هو الداء الذي لا دواء له.

وقد روى في الكافي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام كثيرا ما يقول : اعلموا علما يقينا ، ان الله عزوجل لم يجعل للعبد وان اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكابدته ، ان يسبق ما سمى له في الذكر الحكيم ، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته ، ان يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم.

ايها الناس انه لن يزداد امرء نقيرا بحذقه ولم ينتقص امرء نقيرا لحمقه ، فالعالم لهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته. والعالم لهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته. ورب منعم عليه مستدرج بالإحسان اليه ، ورب مغرور من الناس مصنوع له. فأفق أيها الساعي من سعيك وقصر من عجلتك ، وانتبه من سنة غفلتك» الحديث. (٤).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٨١ حديث : ٦.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٣١ حديث : ٥.

(٣) الشباك : جمع شبكة وهي المصيدة.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٨٢ حديث : ٩.

١٨

الفائدة الرابعة

قد تقدم في الفائدة الأولى الإشارة الى ان الواجب العيني بالنسبة إلى العلم بالأحكام الشرعية ما يتوقف عليه صحة العمل ، الذي يشتغل به المكلف من حج أو زراعة أو تجارة فإنه لا بد من التفقه في ذلك العمل. ومعرفة أحكامه وما لا يجوز وما يصح به ويفسد ، فينبغي لمريد التجارة ان يبدأ بالتفقه فيما يتولاه منها ، ليتمكن بذلك من الاحتراز عما حرم الله تعالى عليه في ذلك ، ويعرف ما أحله وحرمه ، لا سيما الربا وبيع المجهول وشرائه ، مما يشترط فيه الوزن والكيل ، وبيع غير البالغ العاقل وشرائه ونحو ذلك مما سيأتي إنشاء الله تعالى في محله مما يوجب صحة البيع وفساده ، وآداب التجارة من مستحباتها ومكروهاتها ، وان كان أهل هذا الزمان والأيام لمزيد جهلهم بأحكام الملك العلام ، لا يبالون بما وقعوا فيه من حلال وحرام. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : التاجر فاجر ، والفاجر في النار ، الا من أخذ الحق واعطى الحق» (١).

وروى الصدوق عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول على المنبر : «يا معشر التجار ، الفقه ثم المتجر ، الفقه ثم المتجر ، والله للربا في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا ، شوبوا إيمانكم بالصدق ، التاجر فاجر والفاجر في النار الا من أخذ الحق واعطى الحق».

ورواه في الكافي عن الأصبغ بن نباتة مثله (٢).

وعن طلحة بن زيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم» (٣).

قال : وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «لا يقعدن في السوق الا من يعقل الشراء

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٥ حديث : ٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ١٥٠ رقم : ١.

(٣) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٣ رقم : ٢.

١٩

والبيع» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام على ما رواه شيخنا المفيد في المقنعة : «من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه ، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات» (٢).

وروى في الكافي بسنده عن عمرو بن ابى المقدام عن جابر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام عند كونه بالكوفة عندكم يغتدي كل يوم بكرة من القصر ، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا ، ومعه الدرة على عاتقه ، وكان لها طرفان ، وكانت تسمى السبيبة فيقف على أهل كل سوق ، فينادي : يا معشر التجار اتقوا الله عزوجل ، فإذا سمعوا صوته ألقوا ما بأيديهم وأرعوا إليه بقلوبهم ، وسمعوا بآذانهم فيقول عليه‌السلام : قدموا الاستخارة وتبركوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعين وتزينوا بالحلم ، وتناهوا عن اليمين وجانبوا الكذب ، وتجافوا عن الظلم ، وأنصفوا المظلومين ، ولا تقربوا الربا و (أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ...) فيطوف في أسواق الكوفة ، ثم يرجع فيقعد للناس» (٣).

ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا. وفي المحاسن مسندا في الصحيح عن محمد ابن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام نحوه. وعن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من باع واشترى فليحفظ خمس خصال ، والا فلا يشترين ولا يبيعن : الربا والحلف ، وكتمان العيب ، والحمد إذا باع والذم إذا اشترى» (٤).

وعن احمد بن محمد بن عيسى رفع الحديث قال كان أبو أمامة صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اربع من كن فيه طاب مكسبه :

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٣ رقم : ٤.

(٢) الوسائل ج ١٢ ص ٢٨٣ رقم : ٤.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٥١ رقم : ٣.

(٤) الكافي ج ٥ ص ١٥٠ رقم : ٢.

٢٠