الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

والقول الثالث له أيضا في الخلاف حيث قال : إذا أوصى إلى غيره أن يزوج بنته الصغيرة صحت الوصية وكان له تزويجها ويكون صحيحا سواء عين الزوج أم لا ، وإن كانت كبيرة لم تصح الوصية ، ومنع منه بعض الأصحاب. انتهى.

واختاره العلامة في المختلف والشهيد في شرح نكت الإرشاد ، والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، وظاهر عبارة الشيخ المذكورة أن القول بالمنع متقدم عليه أيضا.

والقول الرابع هو المشهور بين المتأخرين ، وهو مذهب المحقق والعلامة في غير المختلف فإنهم منعوا من ذلك.

وإن أوصى له بخصوص التزويج قال في التذكرة : إنما تثبت ولاية الوصي في صورة واحدة عند بعض علمائنا ، وهي أن يبلغ الصبي فاسد العقل ، ويكون له حاجة إلى النكاح وضرورة إليه.

وعللوا ذلك على ما نقله في المسالك بثبوت الضرورة ، وعجز المحتاج عن المباشرة ، فأشبه ذلك الإنفاق عليه.

وأكثرهم لم يذكروا هنا شيئا من الأخبار ، وإنما عللوا هذه الأقوال بتعليلات عقلية ، والواجب نقل ما وقفنا عليه في المسألة ، ثم الكلام بما يسر الله فهمه فيها.

ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (١) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه : «وقال في قول الله عزوجل (٢) «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه ، والرجل يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري لها ، فإذا عفى فقد جاز».

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٢ ح ١.

(٢) سورة البقرة ـ آية ٢٣٧.

٢٤١

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي وأبي بصير وسماعة (١) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام. في قول الله عزوجل «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصي إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويتجر ، فإذا عفا فقد جاز».

وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (٢) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)؟ قال : هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة ، فيبتاع لها ويشتري ، فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

وما رواه في التهذيب أيضا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم (٣) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، فقال : هو الأب والأخ والموصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري قال؟ فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز» الحديث.

وأنت خبير بأن هذه الأخبار مع صحة أسانيدها ظاهرة الدلالة في القول الأول لاتفاقها على عد الموصى إليه في جملة من بيدهم عقدة النكاح الذي هو بمعنى الولاية في التزويج كالأب.

والظاهر من إطلاق الموصى إليه هو من جعله الميت وصيا على أمواله وأطفاله ووصاياه وإن لم يصرح له بخصوصية الوصية في النكاح ، فإنه أحد من بيده عقدة النكاح.

هذا هو المتبادر من الروايات المذكورة المنساق إلى الذهن منها ، ومن

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ١٠٦ ح ٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٢٧ ح ٦ ، الوسائل ج ١٥ ص ٦٢ ح ١.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٩٣ ح ٤٩ الا أن في التهذيب «الجديد والقديم» عبد الله بن المغيرة عن أبى بصير وص ٤٨٤ ح ١٥٤، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٣ ح ٤ و ٥.

٢٤٢

ثم مال إلى هذا القول من محققي متأخري المتأخرين السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك وإن لم يذكرا من هذه الروايات إلا الروايتين الأخيرتين إلا أنه في شرح النافع زاد على الصغير والصغيرة ـ اللذين هما محل البحث ـ من بلغ فاسد العقل كما ذكره المانعون مستندا إلى أن الحاجة قد تدعوا إلى ذلك ، ولعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ». وبالجملة فإن هذه الروايات واضحة فيما قلناه ، ظاهرة فيما ادعيناه ، إلا أنه

قد روى ثقة الإسلام (نور الله تعالى مرقده) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) في الصحيح قال : «سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين والبنت والابنة صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ، ثم مات أبو الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوج ابنه فزوج الجارية من ابنه ، فقيل للجارية : أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر ، ثم إن الأخ الثاني مات ، وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج ، فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر؟ فقال : الرواية فيها إنها للزوج الأخير ، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها».

وهي كما ترى ظاهرة في أن عقد الوصي غير لازم لها ، وإنما هو فضولي يقف على الإجازة.

والسيد السند في شرح النافع لم يتعرض لنقل هذه الرواية ، والظاهر أنه لم يقف عليها ، وإلا لأجاب عنها ، ومن ثم جزم بالقول بثبوت الولاية مطلقا كما هو ظاهر الأخبار المذكورة ، والعلامة في المختلف قد نقل هذه الرواية حجة للقول

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٧ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٨٧ ح ٣٠ مع اختلاف يسير ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٢ ح ١.

٢٤٣

الثاني ، ولم يجب عنها بشي‌ء ، بل اختار مذهب الشيخ في الخلاف ، واستدل عليه برواية أبي بصير ، وغض النظر عن الجواب عنها ، وغيره من الأصحاب لم ينقلوا روايات المسألة ولم يتعرضوا لها.

ومن أجل هذه الرواية إختار المحدث الحر العاملي في الوسائل القول بالمنع كما دلت عليه ـ وارتكب فيما نقله من الروايات المتقدمة وهو بعضها ـ التأويلات البعيدة بالحمل على الوصاية الخاصة بالنكاح أو الحمل على البنت الكبير الغير الرشيدة أو التقية ، ولا يخفى ما في الأخيرين من البعد.

أما الأول فيمكن أن يكون وجه جمع بين هذه الرواية والروايات المتقدمة بأن يحمل إطلاقها على التخصيص بصورة الوصاية إليه بالنكاح ويحمل إطلاق هذه الرواية على الوصاية العامة من غير تخصيص بالنكاح ، ويجعل ذلك دليلا للقول الثالث الرواية على الوصاية العامة من غير تخصيص بالنكاح ، ويجعل ذلك دليلا للقول الثالث وهو جمع حسن بين الأخبار المذكورة.

وأما العمل بظاهر الرواية المذكورة من المنع مطلقا وإن صرح الموصي بالولاية في النكاح ، ففيه إطراح لتلك الأخبار مع صحتها وصراحتها في أن الموصى إليه من جملة من بيده عقدة النكاح الذي هو بمعني الولاية فيه ، ومن ذلك يظهر أن الأقرب من الأقوال المذكورة هو القول الثالث (١) هذا.

__________________

(١) أقول : لا يخفى أن غاية ما استدل به لهذا القول أعنى القول الثالث هو ما ذكره شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ، قال : لأن الحاجة قد تمس اليه وربما تعذر الكفو ، فالحكمة تقتضي ثبوتها تحصيلا للمصلحة ، ولأنه قائم مقام الأب والجد ، ولجريانه مجرى البالغ فاسد العقل أو سفيها ، ولعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ». انتهى. وفيه ما لا يخفى كما عرفت مما أسلفنا ذكره في غير مقام.

وأما الآية فان الاستدلال بها جيد ، واستدل في المختلف على ذلك بصحيحة أبي بصير المتقدمة ، وفيه أن إطلاقها أعم مما ذكره ، فإنها ظاهرة في الجواز مطلقا لا بخصوص التنصيص على النكاح ، وهو لا يقول به ، ولهذا نقل عنه الشهيد في شرح الإرشاد ظاهر مذهبه أن الوصي مطلقا يتولى العقد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٤٤

وأما القول الذي عليه المتأخرون من تخصيص ولايته بمن بلغ فاسد العقل فلا أعرف له وجها وجيها ، ولهذا قال السيد السند في شرح النافع : ولم أقف للقائلين باختصاص ولايته بمن بلغ فاسد العقل على مستند ، والمتجه إما ثبوت ولايته على الجميع ، أو نفيها رأسا وهو جيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد ذكر السيد السند المذكور في الكتاب المشار إليه ـ بعد اختياره في المسألة القول بثبوت الولاية للوصي مطلقا كما قدمنا نقله عنه ما صورته ـ : وعلى القول بثبوت ولايته فهل يثبت بتعميم الوصية أم لا بد من التصريح بالوصية في النكاح؟ الأظهر الثاني ، لأن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل إليها عند الإطلاق فيتوقف على التصريح به. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) رجوع القول بثبوت الولاية مطلقا إلى القول بالتنصيص على النكاح ، وأن من أطلق من الأصحاب فإنما مراده التقييد ، فيرجع القولان إلى قول واحد لما ذكره من التعليل.

وفيه أن جده (قدس‌سره) في المسالك ممن اختار القول بالإطلاق ، وصرح بالتعدد ، حيث إنه قال في الاستدلال على القول بالإطلاق : ووجه الثبوت مطلقا أن الوصي العام قد فوض إليه الموصي مما كان له فيه الولاية ، وتصرفاته كلها منوطة بالغبطة وقد يتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر أو أنثى بوجود كفو لا يتفق في كل وقت ، ويخاف بتأخره فوته.

ولا نسلم أن مثل هذه الولاية لا يقبل النقل فإن تصرفات الوصي كلها فيما كان للموصي فعله حيا لم ينقطع بموته مع انقطاع تصرفه.

وتخصيص هذا النوع الذي هو محل النزاع بدعوى عدم قبوله النقل غير مسموع ولعموم قوله تعالى (١) «فَمَنْ بَدَّلَهُ» ولصحيحة محمد بن مسلم وأبي بصير (٢).

__________________

(١) سورة البقرة ـ آية ١٨١.

(٢) تقدم في ص ٢٤٢.

٢٤٥

ثم أورد الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة ، ثم الثالثة ، إلى أن قال : ولو نص الموصي على التزويج فهو أولى بالحكم ، وربما قيل : باختصاص القول الثاني بذلك ، والدلائل عامة. انتهى.

وقوله «وربما قيل. إلى آخره» إشارة إلى ما اختاره سبطه هنا من تقييد الإطلاق في تلك العبارات بما إذا نص الموصى على التزويج ، ثم رده بأن الأدلة الدالة على ثبوت الولاية بالوصاية عامة لما لو نص أو لم ينص ، وهو كذلك ، فإن الروايات الأربع التي قدمناها ظاهرة في ذلك كما أشرنا إليه ذيلها.

ودعوى أن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل إليه الذهن عند الإطلاق ممنوعة ، وسند المنع ما أوضحه جده في كلامه المذكور ، والله العالم.

المسألة الرابعة : ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ـ من غير خلاف يعرف ـ هو أن المحجور عليه للسفه والتبذير لا يجوز له أن يتزوج ، لأنه ممنوع من التصرفات المالية ، ومن جملتها النكاح ، لما يترتب عليه من المال من مهر أو نفقة فيمنع منه مع عدم حاجته ، وفسروا الحاجة بداعي الشهوة ، أو الحاجة إلى الخدمة وعلى هذا فإن أوقع عقدا والحال هذه كان فاسدا لفقد شرط الصحة ، ثم ان كانت المرأة عالمة بالحال فلا شي‌ء لها وإن دخل ، وإن كانت جاهلة (١) فلها مع الدخول مهر المثل ، لأنه وطئ بشبهة ، وإن اضطر إلى التزويج لخدمة

__________________

(١) أقول : ما ذكر من التفصيل هنا لو جهلها ، أحد الأقوال في المسألة ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين. وقيل : بوجوب مهر المثل مطلقا ، ونقل عن الشيخ في المبسوط ، وقيل : لا شي‌ء لها مطلقا نقله في المبسوط عن قوم ، وقال : انه أقوى لأنها المتلفة لمنفعة بضعها بتسليم نفسها ، وتنظر فيه المحقق الثاني بأن التسليم ليس إتلافا ، وانما المتلف من استوفى المنفعة ، ثم انه على تقدير القول بالتفصيل بالجهل وعدمه فان فيه بحث وظاهرهم أن المراد الجهل بالسفه وزاد العلامة في المختلف أيضا الجهل بالحكم ، فلو علمت بالسفه وجهلت بالحكم فكالجاهلة بالسفه قواه المحقق الثاني ، وفيه أنه مناف لما صرحوا به في غير موضع من عدم معذورية الجاهل إلا في الموضعين المشهورين. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٤٦

أو شهوة أو غيرهما من الضرورات ، جاز للولي تزويجه ، مقتصرا على ما تندفع به الحاجة كما وكيفا.

أقول : لم أقف لهم في هذا المقام على نص يعتمد إليه ولا مستند شرعي يلجأ إليه أزيد مما ذكروه كما عرفت.

مع ما عرفت من استفاضة الأخبار باستحباب النكاح ، والحث عليه ، وما فيه من الفضل زيادة على الصلاة وذم العزاب على أبلغ وجه ، وأن فائدته غير منحصرة في كسر الشهوة الحيوانية بل له فوائد جمة منها : تكثير النسل ، والمباهاة بهم يوم القيامة ، ومنها جلب الرزق ، ومنها شفاعة الطفل لأبويها ، ومنها زيادة الثواب في عبادته ونحو ذلك.

ولا ريب أن المحجور عليه هنا وإن كان سفيها مبذرا إلا أنه بالغ عاقل مكلف بالتكاليف الشرعية واجباتها ومستحباتها داخل تحت هذه الأخبار التي ذكرناها ، وهي شاملة له كغيره من المكلفين ، ولا دليل لهم على استثنائه وخروجه عنها.

وغاية ما تدل عليه أدلة الحجر كما تقدمت في كتاب الحجر هو عدم تمكينه من المال خوفا أن يصرفه في غير المصارف الشرعية أو العرفية مما يوجب التبذير المنهي عنه لا أنه يبطل ما يأتي به من المستحبات المتوقفة على دفع المال كالتزويج مثلا ، وإنما يجوز له مع الضرورة والحاجة خاصة.

وقد تقدم في كتاب الحجر ما فيه مزيد إيضاح لما ذكرناه وتأييد بموافقة بعض المحققين لما اخترناه في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في الأحكام من الكتاب المشار إليه.

وبذلك يظهر لك تطرق المنع في قولهم «لأنه ممنوع من التصرفات المالية» فإنه على إطلاقه ممنوع ، والتحقيق إنما هو المنع عما يحصل منه التبذير والإسراف المنهي عنه ، والحجر عليه إنما هو بسبب خوف صرفه المال في ذلك.

٢٤٧

ويشير إلى ما ذكرناه قوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار (١) «إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على ماله». فإنه ظاهر في أن النهي عن تسليطهم إنما هو لخوف صرفهم المال في الفساد ، وهي الأمور الغير الجائزة.

وكذا قوله عليه‌السلام في بعضها (٢) «لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد». إنما هو لخوف صرف المال فيما هو خلاف الرشد ، وعلى هذا فلا تعلق للحجر بما لو كان الصرف في الأمور الشرعية ، وحينئذ فالواجب بمقتضى ما قلناه على الولي أن يدفع له من المال ـ متى أراد التزويج لضرورة كان أم لا ـ ما يقوم بذلك مهرا ونفقة ونحوها.

وبذلك يظهر لك ما في تفريعاتهم في المسألة ، ثم إنهم قالوا : إنه لو اضطر إلى التزويج لخدمة أو شهوة أو غيرهما من الضرورات جاز للولي تزويجه مقتصرا على ما يندفع به الحاجة كما وكيفا.

وهل يشترط تعيين الزوجة؟ فيه وجهان بل قولان : (أحدهما) ـ واختاره العلامة في كتبه والمحقق في الشرائع ـ العدم ، فيجوز للولي أن يأذن له في التزويج وإن لم يعين له الزوجة ، لأنه مقيد بمراعاة المصلحة ، فلو تجاوزها فسد ، وعلى هذا فيصح الاذن المطلق ، وينكح من شاء بمهر المثل أو أقل ، فلو نكح والحال هذه شريفة تستغرق مهر مثلها ماله أو معظمه لم يصح لأنه على خلاف المصلحة

و (ثانيهما) أنه لا بد من تعيين الزوجة بخصوصها أو حصرها في قوم أو قبيلة أو تعيين المهر ، لأن المقتضي للحجر عليه هو حفظ ماله وصيانته عن الإتلاف ، فلو جوزنا إطلاق الإذن ، لم يؤمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولا يكفي

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٤٩٦ ح ٢.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢٠ ح ٢٣ ، الوسائل ج ١٣ ص ٤٣٤ ح ١٠.

٢٤٨

لدفع المحذور كون النكاح فاسدا في هذه الحالة ، لأنه بالدخول يجب مهر المثل مع جهلها فيلزم الوقوع في المحذور.

وأنت خبير بأن إطلاق الاذن في القول الأول مقيد عندهم بالمصلحة كما عرفت ، فلو تجاوزها فسد العقد ، ومع فساد العقد يلزم مهر المثل مع جهل الزوجة أيضا.

وبذلك يظهر أن هذا الاختلاف لا ثمرة له هنا ، بل لو لم يأذن الولي بالكلية الموجب عندهم لبطلان العقد قطعا فإنهم صرحوا بوجوب مهر المثل في صورة جهل الزوجة أيضا.

ثم اعلم أنه قد وقع في جملة من عباراتهم مثل عبارة الشرائع ونحوها القواعد وغيرهما ما ظاهره المنافاة في المتولي للعقد متى جوزنا التزويج ، فإنه في الشرائع قال : فإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له ، سواء عين الزوجة أو أطلق ، ثم قال : ولو بادر قبل الاذن والحال هذه صح العقد ، وفي القواعد : ومع الحاجة يأذن له الحاكم مع تعيين الزوجة وبدونه ، وليس الاذن شرطا ، ونحو ذلك عبارته في الإرشاد (١).

ووجه الاشكال فيها هو أن مقتضى ذكر إذن الحاكم هنا توقف صحة العقد عليه ، ولا يظهر لذكره فائدة هنا إلا بذلك ، وإلا فلا فائدة في اعتباره.

ومقتضى قوله في القواعد «وليس الاذن شرطا» وقوله في الشرائع «ولو بادر قبل الاذن صح» هو عدم اشتراط إذن الحاكم بالكلية.

قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : واعلم أن ظاهر قوله «وليس الاذن شرطا» مناف لقوله «ومع الحاجة يأذن له الحاكم» لأن الظاهر أن المراد من قوله «يأذن له الحاكم» اعتبار ذلك في صحة نكاحه ، وعدم الاعتداد به من

__________________

(١) حيث قال : وليس للمحجور عليه للتبذير التزويج الا مع الضرورة فيستأذن الحاكم فان عقد بدونه بمهر المثل صح والا يطلق الزائد (منه ـ قدس‌سره).

٢٤٩

دونه ، أي ومع الحاجة يأذن الحاكم ولا يستقل من دون إذنه ، ولو لا ذلك لم يكن للحجر معنى ، فإنه إذا استقل السفيه ببعض التصرفات وأحسن بإمضائها كان ذلك سببا في الاقدام على أي تصرف كان ، ووسيلة إلى إتلاف المال ، ومتى كان هذا هو المراد ، كان قوله «وليس الاذن شرطا» منافيا له ، لأن مقتضاه جواز الاستقلال من دونه ، وسيأتي في كتابه. انتهى.

وظاهره في المسالك الجواب عن ذلك باعتبار ترتب الإثم وعدمه بمعنى أنه مع إذن الحاكم يكون صحيحا ولا إثم عليه ، وبدونه يكون صحيحا وإن أثم قال : لأن النهي في مثل ذلك لا يترتب عليه فساد. انتهى.

وفيه أن قضية الحجر الفساد بدون إذن الولي ، وبطلان التصرف في كل شي‌ء تعلق به الحجر من نكاح أو بيع أو شراء أو نحو ذلك كما تقدم في كتاب الحجر (١) ولا ريب أن الحجر قد تعلق هنا بالنكاح لما قدمنا في صدر المسألة ، لكن لما استثنى من ذلك صورة الضرورة والحاجة إلى النكاح وجب الرجوع في ذلك إلى الولي وهو الحاكم الشرعي ، ولهذا أنه (قدس‌سره) ذكر في آخر كلامه تفصيلا حسنا بناء على قواعدهم ، فقال : والأجود توقف تزويجه على إذن الحاكم مع وجوده فإن تعذر جاز له التزويج بدونه مع الحاجة مقتصرا على ما يليق به بمهر المثل فما دون ، فإن زاد عليه بطل الزائد ، وصح النكاح لأن الخلل في المهر لا يقتضي فساد النكاح كما في غيره ، ويظهر فائدة التوقف على إذن الولي مع إمكانه في فساد العقد ، وعدم استحقاق المهر شيئا لو كانت عالمة بالحال. انتهى ، والله العالم.

المسألة الخامسة : لو وكلت المرأة المالكة أمرها أحدا في تزويجها فإن عينت له الزوج فلا إشكال ، وإن أطلقت بأن قالت : أنت وكيلي في تزويجي أو

__________________

(١) ج ٢٠ ص ٣٤٢.

٢٥٠

وكيلي في تزويجي برجل أو كفو ، فالمفهوم من كلام الأكثر أنه كالأول في أنه إنما يتبادر إلى غير الوكيل ، فإنه وإن كان من حيث الإطلاق صالحا لدخوله فيه كغيره إلا أن المفهوم عرفا من كونه مأمورا بتزويجها أن الزوج غيره فلا يدخل حينئذ عملا بشاهد الحال ، واحتمل في التذكرة جواز تزويجها من نفسه مع الإطلاق معللا بإطلاق الاذن ومساواته لغيره.

ولو عممت الاذن فقالت : زوجني لمن شئت ، فهل يكون كالمطلق من حيث اشتراكهما في الصلاحية لكل واحد ممن يصلح لتزويجها ، واقتضاء المغايرة بين الزوج والمزوج فلا يدخل في الإطلاق ، أو يدخل هنا في العموم من حيث إن العام أقوى من المطلق ، لأنه ناص على جزئياته؟ قولان.

واعترض على ذلك في المسالك ، ومثله سبطه في شرح النافع بأن الفرق هنا لا يخلو من نظر من حيث إن الوكيل داخل في الإطلاق ، كما هو داخل في العموم وإن كان العموم أقوى دلالة ، إلا أنهما مشتركان في أصل الدلالة.

ولو عممت الاذن على وجه يتناول الوكيل نصا وكذا لو دلت القرائن مع الإطلاق أو التعميم على تناوله فلا إشكال في دخوله ، والمشهور بين الأصحاب أنه يجوز له تزويجها من نفسه حينئذ ، وقيل : بالعدم حتى لو قالت زوجني من نفسك ، فإنه لا يجوز أيضا.

أقول : والذي حضرني من الروايات في هذا المقام ما رواه في الكافي عن الحلبي (١) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة ولت أمرها رجلا ، فقالت : زوجني فلانا فقال : إني لا أزوجك حتى تشهدي لي أن أمرك بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا قال : نعم ، فقال هو للقوم : إشهدوا أن ذلك لها عندي ، وقد زوجتها نفسي ، فقالت المرأة : لا ،

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٧ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩١ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٦ ح ١.

٢٥١

ولا كرامة وما أمري إلا بيدي ، وما وليتك أمري إلا حياء من الكلام ، قال : تنزع منه ويوجع رأسه».

والظاهر من هذه الرواية هو من الفرد الأول من الأفراد المذكورة وهو تعيين الزوج لأن المرأة في أول الأمر قد عينت له الزوج ولكنه لأجل خدعها والمكر بها طلب منها أن تشهد له على الوكالة المطلقة ليوصل بذلك إلى إدخال نفسه ، ومع ذلك فقد صرحت بعدم إرادته ، ومن أجل ذلك أمر عليه‌السلام بأن يوجع رأسه ، كناية عن تعزيره ، وإهانته.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : لا ، قلت له : جعلت فداك وإن كانت أيما؟ قال : وإن كانت أيما ، قلت : فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال : نعم».

وهذه الرواية كما ترى صريحة في المنع من تزويج الوكيل لها ، وإن عينته وخصته كما هو أحد القولين في المسألة ، والظاهر أنه لا وجه لذلك إلا من حيث كونه موجبا قابلا بكما علل به الشيخ (رحمه‌الله) حيث ذهب إلى المنع من ذلك.

والمشهور بين المتأخرين الجواز وطرح الرواية المذكورة ، وردها بضعف السند ، وطعن في دلالتها أيضا الشهيد الثاني في المسالك ، وقبله المحقق الشيخ علي في الشرح على القواعد باحتمال رجوع النهي إلى قوله «قد وكلتك فاشهد على تزويجي».

قال في المسالك : والرواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة لجواز كون المنفي هو قولها «وكلتك فأشهد» فإن مجرد الاشهاد غير كاف. انتهى.

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٧٨ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٧ ح ٤.

٢٥٢

أقول : لا يخفى أن المسؤول عنه في الرواية والمستفهم عنه إنما هو أن توكل من يريد تزويجها ، هل يحل لها توكيله أم لا؟ فالجواب بالنهي إنما وقع عن ذلك.

وبالجملة فالرواية ظاهرة في المدعي ، ولا معارض لها فالظاهر هو العمل بها.

نعم يمكن المناقشة فيما قدمناه من أن دلالتها على المنع إنما هو من حيث لزوم كونه موجبا قابلا ، فإنه حيث لم يقم عليه دليل في أنه مانع لا في هذا المقام ولا غيره ، مع جوازه في الأب والجد بلا خلاف ، فإن لكل منهما أن يتولى طرفي العقد ، فلا وجه لتقييد الخبر به مع دلالته على المنع مطلقا ، فلا يزول بتوكيله غيره ، بخلاف ما لو جعلنا العلة في المنع هو ما ذكرناه ، فإنه يزول بذلك.

وبالجملة فإنه لا معارض للرواية هنا إلا أصالة الجواز ، وهو مما يجب الخروج عنه بالدليل ، والدليل موجود ولو كانت الرواية صحيحة باصطلاحهم لقالوا بمضمونها ، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين وأكثر متأخري المتأخرين ، فإنه يجب تخصيص الأصل المذكور بها ، والله العالم.

المسألة السادسة : لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل ، فهل لها الاعتراض بعد الكمال أم لا؟ قولان : وبالأول قال المحقق في المحقق في الشرائع بعد التردد ، والعلامة في القواعد ، والثاني مذهب الشيخ في الخلاف.

وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان تزويجها بدون مهر المثل على وجه المصلحة بها بأن وجد الولي في ذلك الوقت كفوا صالحا وربما لا يحصل في غير ذلك الوقت إلا أنه لم يبذل لها من المهر إلا ما هو أقل من مهر المثل ، أم لم يكن فيه مصلحة لها ولا مفسدة.

وشامل أيضا لما لو كان هناك نوع مفسدة بأن لا يكون الزوج من الأكفاء

٢٥٣

الراجحين بحيث لو لا العقد عليه لحصل من هو أرجح منه وأولى ، ومع ذلك كان العقد بدون مهر المثل.

والمراد باعتراضها فيه هو أن لها فسخ المسمى فيرجع إلى مهر المثل مع الدخول.

ثم إن المتبادر من الاعتراض هنا هو الاعتراض في المهر المذكور في العقد ، واحتمل بعضهم أن المراد في أصل العقد أيضا.

وبذلك يظهر أن مرجع الخلاف إلى أنه هل يصح العقد مطلقا ولا اعتراض بالكلية ، أو الاعتراض في المسمى أو في أصل العقد؟ (١) وعلل الأول بأن المفروض أن الزوج كفو ، والولي له العقد شرعا ، والمهر عندهم غير شرط في صحة العقد ، والنكاح ليس معاوضة محضة ، لأن البضع ليس مالا في الحقيقة ، والغرض الأصلي من النكاح إنما التحصين والنسل ، وليس الغرض منه المهر ، ولأن الولي يجوز له العفو عن بعض المهر بعد ثبوته ، فإسقاطه ابتداء أولى ، ومع تحقق الكفاءة لا يشترط في صحة العقد وجود المصلحة بل انتفاء المفسدة ، وهو موجود بالفرض.

وأنت خبير بأن ظاهر هذا التعليل مؤذن بإرادة العموم من الأول الذي تقدمت الإشارة إليه.

__________________

(١) أقول : نقل المحقق الثاني في شرح القواعد عن الشيخ في المبسوط بأنه حكم ببطلان المسمى لأن الأموال يراعى قيمتها قيمة المثل فكذا في البضع ، ثم قال : وضعفه ظاهر ، فان الغرض وجود المصلحة المجوزة ، والفرق قائم كما بيناه. انتهى.

أقول : وهذا قول رابع في المسألة ، ومقتضاه بطلان العقد من أصله كما في البيع لو كان الثمن أقل من ثمن المثل ، ورده بأن الغرض وجود المصلحة التي هي المدار في الصحة ، فلا يبطل حينئذ ، والفرق بين النكاح والبيع قائم كما أشرنا إليه في الأصل فلا يقاس عليه ، ويمكن إرجاع هذا القول المحكي الى ما ذكرناه في الأصل من الاحتمال ، وهو احتمال اعتراضها في أصل العقد بمعنى أن لها فسخه من أصله بالتقريب المذكور فيه ، وجوابه ما عرفت ولا سيما ما ذكر في الأصل والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٥٤

وعلل الثاني وهو جواز الاعتراض في المسمى مطلقا بأن النكاح عقد معاوضة في الجملة ، وإن لم تكن معاوضة محضة ، ومقابلة البضع بأقل من عوض مثله ينجبر بالتخيير ، ومجرد المصلحة في ذلك غير كاف في عدم الاعتراض ، كما لو باع الوكيل بدون ثمن المثل ، وإن كان هناك مصلحة للموكل.

والفرق بين البيع والنكاح ـ حيث حكم بصحة العقد بخلاف البيع بأقل من ثمن المثل ـ هو أن المهر ليس ركنا في النكاح كما تقدمت الإشارة إليه ، فلا مدخل له في صحته ولا فساده ، وإنما جبر نقصه بالتخيير في فسخه ، والرجوع إلى مهر المثل ، والتعليل بجواز عفو الولي لا يدل على المدعى ، لأن عفوه ثبت على خلاف الأصل في موضع خاص ، وهو كونه بعد الطلاق قبل الدخول ، فلا يتعدى إلى غيره ، لأن الأصل في تصرفه مراعاة المصلحة للمولى عليه.

وعلل جواز الاعتراض في العقد أيضا بأن العقد المأذون فيه شرعا على وجه اللزوم هو العقد بمهر المثل ، ومن ثم لم يجب الالتزام بمجموع ما حصل عليها هذا العقد.

ثم إن التراضي إنما وقع هنا على العقد المشتمل علي المسمى فمتى لم يكن ماضيا كان لها فسخه من أصله ، والأصل في هذا البناء أن الواقع أمر واحد ، وهو العقد المشخص بالمهر المذكور ، وإذا لم يكن ذلك لازما لها فسخت العقد.

وأورد عليه بأن أصل العقد صحيح ، وإنما المانع من قبل المهر ، ويمكن جبره بفسخه خاصة والرجوع إلى مهر المثل ، ولا نسلم أنهما واحد ، بل هما اثنان لا تلازم بينهما فإذا حصل الخلل في أحدهما لا ينقض الآخر.

نعم يتجه على تقدير اختيارها الفسخ في المسمى ثبوت الخيار للزوج في فسخ العقد وإمضائه لأنه لم يرض بالعقد إلا على ذلك الوجه المخصوص ، والحال أنه لم تتم له ، وإلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي إلا أن يكون

٢٥٥

عالما بالحال والحكم فيقوى عدم تخيره لقدومه على عقد يجوز أن يؤل إلى ذلك ، كذا حققوه (رضوان الله عليهم).

ولا يخفى عليك أن المسألة عارية من النص ، والاعتماد في تأسيس الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم سيما مع تعارضها وتدافعها.

وكيف كان فالظاهر ضعف القول الثالث كما أوضحوه في ذيله ، وإنما يبقى الإشكال في القولين الأولين ، ويمكن ترجيح الأول منهما بما ورد من «أن الصغيرة إذا زوجها أبوها فليس لها بعد بلوغها مع أبيها أمر» فإنه شامل بإطلاقه لأصل النكاح والمهر وأنه لا اعتراض لها في شي‌ء من الأمرين ولا غيرهما إلا ما قام دليل على إخراجه واستثنائه كأن يكون بغير الكفو مثلا ونحوه.

وتفصيل صور المسألة على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك يرجع إلى ست صور :

الأولى : أن يعقد عليها من كفو بمهر المثل على وجه المصلحة ولا اعتراض لها في شي‌ء مطلقا.

الثانية : الصورة بحالها لكن ، لا على الوجه المصلحة ، والأصح أنه كالأولى.

الثالثة : كذلك بدون مهر المثل على وجه المصلحة ، والأقوى أنه لا اعتراض لها مطلقا مع احتماله في المسمى.

أقول : وهذه هي الصورة التي هي مطرح البحث المتقدم ، وهو (قدس‌سره) قد اختار فيها القول الأول مع احتمال القول الثاني ، وجزم بنفي الثالث.

الرابعة : كذلك ، لكن بدون المصلحة فلها الاعتراض في المسمى خاصة ، فلو فسخته اتجه تخيير الزوج في أصل العقد.

الخامسة : أن يزوجها من غير كفو بمهر المثل فلها الخيار في أصل العقد مع احتمال

٢٥٦

بطلانه من رأس ، والوجهان مبنيان على حكم عقد الفضولي في النكاح ، وسيأتي البحث فيه.

السادسة : كذلك بدون مهر المثل فلها الخيار في كل منهما ، فإن فسخت العقد انتفيا ، وإن فسخت المهر خاصة رجعت إلى مهر المثل.

المسألة السابعة : المشهور بين الأصحاب صحة عقد النكاح فضولا كما في غيره من العقود ، ولزومه موقوف على الإجازة ، وادعى المرتضى الإجماع على صحته في النكاح ، وهو ظاهر ابن إدريس أيضا حيث قال في السرائر ما ملخصه : إنه لا خلاف في أن النكاح يقف على الإجازة إلا في العبد والأمة ، فإن بعضهم يوقف العقد على إجازة الموليين ، وبعضهم يبطله. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الخلاف القول ببطلانه من أصله فلا تصححه الإجازة وهو قول الشيخ فخر الدين بن العلامة في جميع العقود من نكاح وبيع وغيرهما.

والأظهر هنا هو القول المشهور ، أما في البيع ونحوه فقد تقدم تحقيق القول فيه في كتاب التجارة ، وأن الحق الذي دلت عليه الأخبار هو القول بالبطلان.

ومما يدل على الصحة هنا ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل زوجته امه وهو غائب قال : النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه».

وما رواه الكليني والشيخ في الحسن عن زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٠١ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١١ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ١.

٢٥٧

يقولون : إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنه لم يعص الله انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه ، فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه؟ فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول ، فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص الله إنما عصى سيده ، ولم يعص الله إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عزوجل عليه من نكاح في عدة وأشباهه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن وهب (٢) في الصحيح قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إني كنت مملوكا لقوم وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟ فقال له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم وسكتوا عني ولم يعيروا علي ، فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم أثبت على نكاحك الأول».

ورواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن زياد الطائي (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني كنت رجلا مملوكا» الحديث ، على اختلاف في ألفاظه. ورواه في الخلاف عن أبان بن عثمان أن رجلا يقال له ابن زياد الطائي قال : «

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٢ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٣ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٧٨ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٥١ ح ٦٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٥ ب ٢٦ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٣ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٦ ح ٣.

٢٥٨

قلت لأبي عبد الله» الحديث ، كما في التهذيب بأدنى تفاوت.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام «أنه أتاه رجل بعبده ، فقال : إن عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليه‌السلام لسيده : فرق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عدو الله طلق ، فقال علي عليه‌السلام : كيف قلت له؟ قال : قلت له : طلق ، فقال علي عليه‌السلام للعبد : أما الآن فإن شئت فطلق ، وإن شئت فأمسك ، فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال : ذاك لأنك حيث قلت له طلق أقررت له بالنكاح» (٢).

واستدل في المسالك لهذا القول بصحيحة أبي عبيدة الحذاء (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار». الحديث ، وقد تقدم ، ثم قال : لا يقال الرواية متروكة الظاهر ـ لتضمنها أن عقد الولي يقع موقوفا وأنتم لا تقولون به ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٥٢ ح ٦٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٦ ح ١.

(٢) قال الشهيد في شرح نكت الإرشاد بعد نقل خبر على بن جعفر المذكور : قد اشتمل هذا الحديث على لطائف :

الأول : أن نكاح العبد بغير اذن السيد لا يقع باطلا ، بل موقوفا ، ودل عليه ظاهر قوله «فرق بينهما» فإنه ليس المراد به إيجاب التفريق ، بل ظاهره إثبات أن له التفريق.

أقول : الأظهر في الدلالة على ما ذكره ما تقدم في الاخبار الأولة من قوله في حسنة زرارة «ذاك الى سيده الى آخره» فإنه صريح في كونه موقوفا لا باطلا ، فما نقله فيه عن العامة ، وقد رده عليه‌السلام «بأنه لم يعص الله ، وانما عصى سيده» ونحوها من الاخبار.

ثم قال (قدس‌سره) : الثانية : أن الاعتراف بالتابع أو اللازم المساوي اعتراف بالمطبوع والملزوم ، كطلب منكر البيع الإقالة أو الفسخ بالثمن ، وعليه دل قوله «أما الان فإن شئت فطلق» الخبر.

الثالثة : الإجازة ليست على الفور ، بل له أن يجيز ما لم يفسخ لان قوله «طلق» كان بعد مكث ، وفي هذه نظر. انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٠١ ح ٤ ، الوسائل ج ١٧ ص ٥٢٧ ح ١.

٢٥٩

فلا يصح الاستدلال بها على موضع النزاع لسقوط اعتبارها بذلك ـ لأنا نقول : لا يلزم من ثبوت الولاية لأحد على الأطفال أن يجوز له تزويجهم ، لأن ولاية التزويج أخص من مطلق الولاية ، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم.

ووجه خصوصه يظهر في الحاكم والوصي فإنهما وليان على الأطفال ، وليس لهما تزويجهم كما مر ، فيكون حمل الولي هنا على ذلك بقرينة جعل الخيار لهما إذا أدركا.

وفي المختلف حمل الولي هنا على غير الأب والجد ، كالأخ والعم فإن كلا منهما يطلق عليه اسم الولي (١) لكنه ولي غير مجبر.

وفي بعض عبارات الشيخ في المبسوط البكر إن كان لها ولي الإجبار مثل الأب والجد فلا يفتقر نكاحها إلى إذنها ، وإن لم يكن له الإجبار كالأخ وابن الأخ والعم فلا بد من إذنها ، والغرض من ذلك أنه سمي من ذكر من الأقارب وليا ، وإن لم يكن له ولاية النكاح.

وما فرضناه خال من التكلف ، والشواهد من الأخبار كثيرة ، وإن لم يكن مثلها في قوة السند.

ثم أورد جملة من الروايات العامة الدالة على ما دلت عليه صحيحة أبي عبيدة المذكورة ، ثم أورد حسنة زرارة المتقدمة.

والعجب منه (قدس‌سره) في استناده إلى روايات العامة ، ورواياتنا كما عرفت مما تلوناه بذلك متظافرة ، وهو لم يذكر منها إلا صحيحة أبي عبيدة وحسنة زرارة.

__________________

(١) أقول : مما يدل على إطلاق الولي على الأخ ما ورد في حديث المرأة التي أنكرت ولدها ، ويقرب منه ما هو مروي في الكافي ، قال فيه «ثم قال لها ـ يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : ألك ولى؟ قالت : نعم ، هؤلاء إخوتي ، فقال لإخوتها : أمري فيكم وفي أختكم جائز؟ فقالوا : نعم ، ثم انه عليه‌السلام زوجها من الغلام ـ الحديث». (منه ـ قدس‌سره ـ) ، الكافي ج ٧ ص ٤٢٣ ح ٦ ، الوسائل ج ١٨ ص ٢٠٦ ح ٢.

٢٦٠