الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

المتأخرين في التفصي عنها ، ولم يجرؤا على ردها بالكلية ، فذهب جملة منهم المحقق والعلامة إلى تنزيلها على أن تعليق الحكم بالصحة والبطلان على رؤية الزوج لهن وعدمها ، معناه أنه برؤيته لهن كملا ، قد وكل التعيين إلى الأب لأن الزوج إذا كان قد رآهن وقبل نكاح من أوجب عليها الأب يكون قد رضي بتعيينه ، ووكل ذلك إليه فيلزمه ما عين ، ويقبل قول الأب فيما عينه ، وإن لم يكن مفوضا إلى الأب ولا راضيا بتعيينه فيبطل العقد.

واعترض عليه في المسالك بأن تفويض (١) الزوج إلى الأب التعيين إن كان كافيا عنه مع كونه المتولي للقبول ، من غير أن يقصد معينة عنده ، فلا فرق بين رؤيته وعدمها ، لأن رؤية الزوج لا مدخل لها في صحة النكاح كما سبق ، وإن لم يكن ذلك كافيا في الصحة بطل على التقديرين.

ودعوى أن رؤيتهن دلت على الرضا بما يعينه الأب ، وعدمها على عدمه ، في موضع المنع ، لأن كل واحد من الحالين أعم من الرضا بتعيينه وعدمه.

وليس في الرواية على تقدير الاعتناء بها دليل على ذلك ، بل عند التنزيل تخصيص لها في الحالين ، وحينئذ فاللازم إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل كما فعل الشيخ ، أو ردها رأسا والحكم بالبطلان في الحالين كما فعل ابن إدريس ولعله أجود ، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منهما ، وهو شرط الصحة انتهى ، وهو جيد إلا فيما استجوده من رد الرواية رأسا.

وسبطه السيد السند في شرح النافع لما كان من قاعدته الدوران مدار صحة الأسانيد من غير ملاحظة ما يشتمل عليه متون الأخبار من المخالفات ، جمد على ما ذكره المحقق والعلامة هنا من التنزيل المتقدم ، فقال بعد ذكره : ولا بأس بهذا التنزيل جمعا بين الرواية والأدلة الدالة على الأحكام المتقدمة. انتهى.

__________________

(١) ولأن رؤيته لهن أعم من تفويض التعيين إلى الأب ، وعدمها أعم من عدمه ، والرواية مطلقة. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٨١

وهو تشبث بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، وهو من أوهن البيوت ، لما عرفت مما حققه جده (قدس‌سره) ، ولكنه لضيق المجال بالتزام هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب منه إلى الصلاح ، لا علاج لهم في ذلك كما يقال : إن الغريق يتشبث بكل حشيش ، ومثله ما تقدم منه في مسألة تزويج السكرانة نفسها من دعواه عدم مخالفة الرواية للقواعد ، وهي في مخالفتها أظهر من الشمس في دائرة النهار.

قال في المسالك : واعلم أن طريق الرواية في التهذيب ضعيف ، لأن فيه من لا يعرف حاله ، وظاهر الأصحاب المشي عليها. لأنهم لم ينصوا عليها بتصحيح ، بل رووها مجردة عن الوصف.

ولكن الكليني رواها بطريق صحيح ، ولقد كان على الشيخ روايتها به لأنه متأخر عنه ، فكان أولى باتباعه فيه ، ولكن قد اتفق ذلك للشيخ كثيرا ووقع بسببه من أصحاب الفتاوى خلل حيث رد الرواية بناء على ضعفها ولو اعتبروها لوجدوها صحيحة ، فينبغي التيقظ لذلك ، وحينئذ (١) يقوى الإشكال في رد الرواية نظرا إلى صحتها ، وللتوقف في ذلك مجال. انتهى.

__________________

(١) ومما يؤيد ما اخترناه في غير موضع من هذا الكتاب من العمل بالاخبار وان خالفت مقتضى قاعدتهم العقلية ـ ما ذكره الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في شرح الإرشاد في مسألة التزويج بأمة المرأة بدون اذنها كصحيحة سيف بن عميرة وغيرها ما لفظه ـ : واعلم أنه لا معارض لهذه الرواية في الحقيقة إلا الدليل العقلي الدال على تحريم التصرف في مال الغير بدون اذنه ، ولكن الأحكام الشرعية أخرجت كثيرا من الأصول العقلية بالأدلة كجواز أخذ مال الممتنع عن الأداء مقاصة بشروطه بغير اذنه ، وجواز أكل المار على النخل والشجر على المشهور ونحو ذلك ، فحينئذ لا يمتنع جواز مثل هذه المسألة من غير إذن المرأة ، اما لعلة خفية لا نعلمها أو لما يلتحق للأمة من الذلة بترك الوطي عند المرأة الذي هو إضرار ، ولا يزول إلا بالوطي. إلى آخر كلامه زيد في مقامه (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٨٢

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في تكرار هذا الكلام والاعتراض به على الشيخ (رحمه‌الله) كما تقدم نظيره قريبا لما قدمناه في مقدمات الكتاب في أول جلد كتاب الطهارة من تصريح جملة من الأصحاب منهم ابنه المحقق الشيخ حسن في مقدمات كتاب منتقى الجمان ومثله الشيخ البهائي في مشرق الشمسين بأن جملة الأخبار المروية في الأصول عند المتقدمين صحيحة ، فإن الصحة عندهم ليست بالنظر إلى الأسانيد.

والمتأخرون إنما عدلوا عن ذلك الذي كان عليه متقدموهم لما خفي عليهم الوجه في ذلك لخفاء القرائن والأسباب التي أوجبت للمتقدمين الحكم بالصحة فعدلوا إلى هذا الاصطلاح.

وأما ما ذكره اعتراضا على مثل المحقق والعلامة حيث نقلوا الرواية مع ضعفها من التهذيب ، ولم يردوها بذلك.

ففيه أنهم لا يردون إلا ما تعذر حمله على معنى يجتمع به مع الأخبار الباقية ، وإلا فمتى وجد للخبر معنى يمكن الجمع به بينه وبين ما ينافيه ظاهرا ، فإنهم يقدمون ذلك على رده وإطراحه.

وأما ما ذكره من الاعتراض على أصحاب الفتاوى من المتأخرين من عدم تتبعهم للاسانيد ومراجعة كتب الأصول كملا ، حتى أنهم يسارعون إلى رد الخبر بالضعف بناء على روايته في بعض الأصول مع وجود طريق صحيح له في أصل آخر فهو جيد ، وقد وقع له (قدس‌سره) مثله في غير موضع.

وأما ما ذكره من قوة الإشكال لصحة الخبر ، وتوقفه في المسألة لذلك بعد ما عرفت في كلامه المتقدم من ميله إلى مذهب ابن إدريس في المسألة ، فهو جار على ما قدمنا ذكره من اضطراب أصحاب هذا الاصطلاح في الخبر الصحيح السند متى خالف مقتضى القواعد المقررة بينهم.

١٨٣

والحق الحقيق بالاتباع وإن كان قليل الاتباع هو العمل بالخبر صح سنده باصطلاحهم أو لم يصح مهما أمكن ، وفي مثل هذه المواضع تخصص به تلك الأخبار الدالة على تلك القواعد ، والله العالم.

المسألة السادسة : قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يصح اشتراط الخيار في الصداق ، ولا يفسد به العقد ، وأما اشتراطه في أصل النكاح فالمشهور أنه غير جائز ، ولو اشترطه كان العقد باطلا ، وقيل : بصحة العقد وبطلان الشرط خاصة والكلام هنا يقع في مقامين.

الأول : في اشتراطه في الصداق والظاهر أنه لا خلاف في صحته ، لأن ذكر المهر في العقد غير شرط في صحته ، بل يجوز إخلاء العقد عنه ، فاشتراط الخيار فيه غير مناف لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط ، ولأن غايته فسخه وبقاء العقد بغير مهر ، فتصير كالمفوضة البضع ، وهو جائز شرعا.

ويشترط ضبط مدة الخيار. ولا يتقيد بثلاثة ، وإن مثل بها الشيخ في المبسوط لعدم إفادته الحصر ، ثم إن استمر عليه حتى انقضت عدته لزم ، وإن فسخه ثبت مهر المثل كما لو عرى العقد عن المهر ، ولكن إنما يوجب بالدخول كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ولو اتفقا على شي‌ء آخر غيره قبل الدخول صح.

الثاني : في اشتراطه في النكاح ، والمشهور بطلان العقد ، وبذلك قطع الشيخ في المبسوط وجملة من المتأخرين ، محتجين بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات القابلة لخيار الشرط ، بل فيه شائبة العبادة ، فالشرط يخرجه عن وضعه.

وخالف في ذلك ابن إدريس فحكم بصحة العقد وفساد الشرط ، لوجود المقتضي لصحة العقد باجتماع شرائط الصحة فيه كما هو المفروض ، وانتفاء الموانع وليس إلا اشتراط الخيار فيه.

وإذا كان العقد غير قابل للخيار لغى شرطه ، ووجب العمل بمقتضى العقد

١٨٤

لأصالة الصحة ، وعموم (١) «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر وبالغ ابن إدريس فقال : إنه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة : لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو من تخريج المخالفين وفروعهم ، واختاره الشيخ على عادته في الكتاب.

واعتمد القائلون بالبطلان ـ زيادة على ما تقدم ـ على أن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور ، فإذا لم يتم الشرط لم يصح العقد مجردا لعدم القصد إليه كذلك ، وصحة العقود مترتبة على القصود ، وبالجملة فإن الواقع غير مقصود ، والمقصود غير واقع.

أقول : قد تقدم الكلام في هذه المسألة في غير موضع ، أعني أنه متى اشتمل العقد على شرط فاسد ، فهل يصح العقد ، ويبطل الشرط خاصة ، أو يبطل العقد من أصله؟ قولان : المشهور بين المتأخرين الثاني ، وابن الجنيد وابن البراج على الأول ، ولهذا أن الشيخ هنا لم يعلل البطلان بما ذكروه.

وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في مقدمات الكتاب المذكورة في أول جلد كتاب الطهارة ، وفي الفصل الثاني عشر في نكت متفرقة من فصول كتاب التجارة.

وقد بينا أن الأخبار في ذلك مختلفة ، فجملة منها يدل على صحة العقد وبطلان الشرط خاصة.

وبعض يدل على القول المشهور ، فالتحقيق في ذلك هو الوقوف على ما دلت عليه الأخبار في كل جزئي جزئي من الأحكام ، ومع عدم وجود نص يجب الوقوف عن الفتوى.

وأما جعل ذلك قاعدة كلية كما عليه المشهور بناء على ما ذكروه من التعليلات العقلية فهو مردود بما ذكرناه من اختلاف الأخبار في المقام ، ودلالة

__________________

(١) سورة المائدة ـ آية ١.

١٨٥

أكثرها وأصحها على خلاف هذه القاعدة ، والمسألة هنا لما كانت عارية عن النص ، فالواجب التوقف فيها ، والله العالم.

المسألة السابعة : قد صرحوا بأنه يشترط في النكاح امتياز الزوجة من غيرها بالإشارة أو التسمية أو الصفة ، فلو زوجه إحدى ابنتيه لم يصح ، وعلل ذلك بأنه لما كانت الزوجة المعقودة عليها عينها مقصودة للاستمتاع ، اشترط تعيينها في صحة النكاح كما في كل معقود ، سواء أريد عينه كالبيع أو منفعته كالعين المؤجرة.

وكذلك يشترط تعيين الزوج لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا ومنفعلا معينين لتعينه ، فلو قال : زوجتك إحدى ابنتي أو تزوجت ابنتي من إحدى ولديك لم يصح.

أقول : وفي هذا الكلام تأييد لما ذهب اليه ابن إدريس في المسألة الخامسة من بطلان عقد الأب على إحدى بناته بمجرد قصده خاصة ، من غير معلوميتها للزوج ، وإن رآهن الزوج جميعا لعدم امتياز الزوجة عنده بشي‌ء من هذه الأمور المذكورة ولا فرق بين المسألتين إلا باعتبار ما يظهر منهم من تخصيص هذه المسألة بما إذا كانت مجهولة عند الولي والزوج معا كما تدل عليه الأمثلة المذكورة ، وأن تلك المسألة موردها تعيين الزوجة عند الولي ومجهوليتها عند الزوج.

والمفهوم من اشتراط الامتياز في هذه المسألة هو الامتياز عند الجميع على وجه لا يتطرق إليه النزاع والاختلاف بعد ذلك ، كما يظهر من التعليل المذكور هنا ، وتنزيل الخبر على ما ذكره المحقق والعلامة كما تقدم غير شاف ولا واف بالخروج عن مخالفة الخبر لمقتضى القواعد المذكورة ، إلا أنه لا مندوحة عن العمل بما دل عليه الخبر كما تقدم ، حملا على نظائره من الأخبار التي جرت هذا المجرى مما لا يكاد يعد ولا يحصى كما تقدم جملة من ذلك في الكتب المتقدمة ، وسيأتي أمثاله في الكتب الآتية إن شاء الله تعالى.

١٨٦

إذا عرفت ذلك فالإشارة أن تقول : زوجتك هذه ، ولو قلت مع ذلك المرأة أو فلانة كان ذلك تأكيدا ، لأن التخصيص حصل بالإشارة إليها ، وهكذا في تعيين الزوج ، والتسمية أن تقول : زوجتك فاطمة ، حاضرة كانت أو غائبة ، وفي معناه ما لو قال : زوجتك ابنتي ولا ابنة له غيرها ، ولو قال : فاطمة ابنتي أو ابنتي فاطمة كان ذلك تأكيدا إن كانا مطابقتين ، ولو لم تطابقا بأن أشار إليها ولكن سماها بغير اسمها أو قال : ابنتي ولكن سماها بغير اسمها ففي صحة العقد أو بطلانه إشكال.

ينشأ من ترجيح الإشارة والتنبيه على الاسم (١) لأنهما ـ أعني الإشارة والتنبيه ـ لازمتان متميزتان ، فيحصل التميز بهما ويلغو الاسم فيصح العقد حينئذ.

ومن أنه ليس له بنت بذلك الاسم إذا ليست الحاضرة كذلك فيبطل.

أقول : وقد تقدم نظير ذلك في البيع بأن يقول : بعتك هذا الفرس ، ويشير إلى بغل ، وظاهره في المسالك ترجيح الأول ، وهو القول بالصحة لما ذكر وهو محل توقف وتأمل لعدم الدليل الواضح في ذلك.

وأما الوصف فإنه بأن يقول زوجتك ابنتي الصغيرة أو الكبيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء أو نحو ذلك مع فرض أن له بنات متعددة متميزات بالصفات المذكورة ، والله العالم.

المسألة الثامنة : إذا عقد على امرأة ، فادعى آخر زوجيتها ، فقد صرح جمع من الأصحاب بأنه لا يلتفت إلى دعواه إلا بالبينة ، بمعنى عدم سماع دعواه بالكلية مع عدم البينة بحيث لا يترتب عليها اليمين على المرأة ، وإن كانت منكرة بالكلية مع عدم البينة بحيث لا يترتب عليها اليمين على المرأة ، وإن كانت منكرة كما هو مقتضى القاعدة «اليمين على المنكر» فإن مقتضى القاعدة المنصوصة أنه مع عدم البينة للمدعي فإن دعواه مسموعة وعلى المنكر اليمين أو ردها ، ويترتب على

__________________

(١) قوله «على الاسم» متعلق بترجيح أى الإشارة والتنبيه مرجحة على الاسم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٨٧

كل منهما ما هو حكمه شرعا ، وكذا لو نكل ، والحكم هنا ليس كذلك ، بل سماع الدعوى مخصوص بإقامة المدعي البينة.

قالوا : والوجه في ذلك أن اليمين إنما تتوجه على المنكر إذا كان بحيث لو اعترف لزمه الحق ويقع للمدعي ، والأمر هنا ليس كذلك لأن المرأة لو صادقت المدعي على دعواه لم يثبت الزوجية لأن إقرارها واقع في حق الغير فلا يؤثر شيئا ، فإن الزوج قد ملك بضعها بالعقد المعلوم المتفق عليه فلا يقبل قولها بعد ذلك في إسقاطه ، وكذا لا يتوجه دعوى إمكان ردها اليمين عليه ، لأن اليمين المردودة إن كانت كالإقرار ، فقد عرفت حكمه ، وأن إقرارها لو أقرت غير مسموع ، لكونه إقرارا في حق الغير ، وإن كانت كالبينة ، فالبينة إنما تفيد بالنسبة إلى المتداعيين دون غيرهما ، وهو هنا الزوج ، وحينئذ فلا وجه لرد اليمين على المدعي بالكلية كما في هذا المقام ، وإن كان ذلك مقتضى القاعدة المنصوصة.

وذهب آخرون من الأصحاب أيضا إلى قبول الدعوى وتوجه اليمين والرد وإن لم يسمع في حق الزوج ، فإن لذلك فائدة أخرى أيضا وكذا لإقرارها لو أقرت ، وإن لم يؤثر في حق الزوج.

وفائدته على تقدير الإقرار ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي لو أقرت لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني.

ونظيره ما لو باع شيئا على أنه له ، ثم أقر به لزيد ، فإنه يغرم لمن أقر له به عوضه مثلا أو قيمة ، وعلى تقدير رد اليمين أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي بالنكول أو مع اليمين فالحكم كذلك.

وأنت خبير بأن مبنى هذا القول على أن منافع البضع تضمن بالتفويت ، كما هو أحد القولين في المسألة المذكورة ، إلا أن الحكم بالتضمين مما لم يقم عليه دليل يعتد به.

١٨٨

واعلم أن الأصحاب لم ينقلوا في هذه المسألة نصا ، مع أن النصوص فيها موجودة. منها ما رواه

في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن عبد العزيز بن المهتدي (١) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام قلت : جعلت فداك إن أخي مات ، وتزوجت امرأته ، فجاء عمي فادعى أنه قد كان تزوجها سرا ، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الإنكار فقالت : ما كان بيني وبينه شي‌ء قط ، فقال : يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها». ورواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم مثله.

وما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن يونس (٢) «قال سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها : ألك زوج؟ فقالت : لا ، فتزوجها ، ثم إن رجلا أتاه فقال : هي امرأتي فأنكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج؟ فقال : هي امرأته إلا أن يقيم البينة».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (٣) قال : «سألته عن رجل تزوج أمة أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة ، فقال : إن هذه امرأتي وليست لي بينة ، فقال : إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه».

والروايتان الأولتان ظاهرتان فيما ذكره الأصحاب من عدم سماع دعواه إلا أن يقيم البينة ، سيما الثانية منهما ، ولو كانت دعواه مسموعة مع عدم البينة ـ بأن يترتب عليها لزوم اليمين على المرأة لإنكارها ، لأن اليمين على المنكر ـ لما حسن تخصيص الاستثناء بإقامة البينة في الخبر الثاني ، والحكم بكونها امرأة الثاني إلا مع إقامة الأول البينة ، بل كان ينبغي أن يقال : إلا مع إقامة البينة أو حلفها على نفي الزوجية ، ولوجب ذكر ذلك في الخبر الأول ، لأن المقام مقام البيان

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٣ ح ٢٧ ، الفقيه ج ٣ ص ٣٠٣ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٦ ح ١.

(٢ و ٣) التهذيب ج ٧ ص ٤٦٨ ح ٨٢ وص ٤٦١ ح ٥٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٦ ح ٣ و ٢.

١٨٩

مع أن ظاهر كلامه عليه‌السلام هو اندفاع دعواه بمجرد إنكارها وليس له عليها يمين كما هو على المنكر ، وليس إلا لما قدمناه مما صرح به الأصحاب من أنها لو اعترفت له لم يسمع اعترافها.

بقي الكلام في الخبر الثالث ، والمفهوم من قواعد الأصحاب عدم القول به ، إلا أنا قد قدمنا في كتب المعاملات ما يؤيده من الأخبار الدالة على ثبوت أمثال ذلك بقول الثقة (١) ، فالواجب تخصيص الخبرين المذكورين به فإن قول الثقة حكمه حكم البينة.

وبما ذكروه من فرض المسألة في الدعوى على المعقود عليها ليترتب الحكم بعدم سماع الدعوى نظرا إلى ما تقدم من التعليل ، يظهر أنها لو كانت خلية من الزوج لسمعت الدعوى قطعا كغيرها من الدعاوي ، ويترتب عليها اليمين مع الإنكار ولزوم العقد بالإقرار ، وثبوت النكاح لو نكلت عن اليمين أوردتها عليه فحلف كما هو مقتضى القاعدة المنصوصة ، إلا أن العلامة قال في القواعد في هذا المقام. ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت إليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أو لا وهو كما ترى مناف لما نقلناه عنهم من الفرق بين المسألتين ولا يحضرني شي‌ء من شروح الكتاب المذكور.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الظاهر من كلام شيخنا في المسالك الميل إلى القول الثاني ، وهو سماع الدعوى بالنسبة إلى تضمين فائت البضع وإن لم تسمع بالنسبة إلى الزوج ، قال (قدس‌سره) ـ بعد ذكر القولين المتقدمين ومبنى القولين على أن منافع البضع هل تضمن بالتفويت أم لا؟ ـ : وقد اختلف فيه الحكم ، فحكموا بضمانه تارة ، وبعدمه اخرى ، نظرا إلى أن حق البضع متقوم شرعا ، فمن أتلفه وجب عليه عوضه ، وهو المهر ، والتفاتا إلى أنه ليس مالا للزوج ، وإنما حقه الانتفاع به ، ومنافع الحق لا تضمن بالتفويت لأنها لا تدخل تحت

__________________

(١) منها ما قدمناه في كتاب الوصية في المسألة السابعة من المقصد الأول من الكتاب المذكور. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٩٠

اليد ، وينبه على حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بإرضاعها من يفسد النكاح ، ووجوب دفع المهاجرة المسلمة إلى زوجها الكافر المهر للحيلولة بينه وبينها بالإسلام : وهو قائم هنا.

وعلى الثاني عدم وجوب مهر للزانية ، ولا لزوجها ، وثبوت المهر لها في وطء الشبهة دونه ، والقول بسماع الدعوى ، وثبوت الغرم ، متجه عملا بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر ، وزجرا عن الاقدام على مثل ذلك. انتهى.

وفيه (أولا) أنك قد عرفت أنه لا نص هنا على ما ادعوه من تضمين فائت البضع كما تقدمت الإشارة إليه ، وبذلك أيضا اعترف سبطه السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع فقال : والحكم بالتضمين غير واضح. انتهى.

وإثبات حكم شرعي بمجرد هذه التعليلات العقلية مخالف لما دلت عليه الأخبار المعصومية والآيات القرآنية من النهي عن القول بغير علم كما استفاضت به الآيات أو سماع منهم كما تظافرت به الروايات.

و (ثانيا) أن ما استند إليه من العمل بالقاعدة المستمرة من أن اليمين على من أنكر فهو إنما يتم بالنسبة إلى ما لو وقعت الدعوى فيه ، والدعوى هنا إنما وقعت في الزوجية فالمدعي يدعي أنها زوجته وهي تنكر ذلك ، فمورد اليمين إنما هو نفي الزوجية ، وهو قد صرح هنا كغيره من الأصحاب بأن اليمين هنا لا وجه لها سواء كانت في معنى الإقرار أو البينة.

وأما دعوى كون اليمين ـ وإن لم تفد ثبوت زوجية الثاني لكنها تفيد دفع الضمان عنها ـ موقوف على وجوب ضمان فائت البضع ، فالاستدلال بالقاعدة المذكورة موقوف على ثبوت وجوب الضمان وهو قد استدل على وجوب ثبوت الضمان بها وذلك دور ظاهر.

و (ثالثا) أن ما ذكره من «حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها

١٩١

بإرضاعها من يفسد النكاح ، ووجوب دفع المهاجرة المسلمة إلى زوجها الكافر المهر للحيلولة» إن ثبت بنص عليه فهو المعتمد ، وإلا فهو ممنوع ، على أن المذكور في تفسير الآية الدالة على حكم المرأة المهاجرة المسلمة كما هو صرح به في كتاب مجمع البيان أن الدافع للمهر إنما هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا المرأة المسلمة.

وبالجملة فإن كلامه هنا (قدس‌سره) واختياره القول المذكور لا أعرف له وجها ، ولا دليلا شرعيا يدل عليه.

ثم إنه على تقدير وقوع الدعوى على امرأة خالية من الزوج وسماع الدعوى وأنه يترتب عليها ما يترتب على سائر الدعاوي لدخولها تحت القاعدة المنصوصة كما تقدم ، فهل يجوز العقد عليها لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى؟ قالوا : وجهان يترتبان على الخلاف المتقدم ، فإن قلنا في المسألة بالقول الثاني ، وهو سماع الدعوى وترتب الفائدة السابقة عليه جاز لها أن يعقد وصح العقد ، وكان الحكم كما تقدم من سماع الدعوى بالنسبة إلى فائت البضع دون أصل الزوجية مع احتمال البطلان.

وأيضا لأن العقد عليها ثانيا قبل انتهاء دعوى الأول يفيد الحيلولة بينه وبين البضع ، والغرض من دعواه الزوجية إنما هو البضع فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينهي الأول دعواه لسبق حقه فلا يسقطه الثاني بعقده.

نعم لو تراخى الأول في الدعوى وسكت عنها فجواز العقد أجود حذرا من الإضرار (١) في بعض الصور ، وإن قلنا بالقول الأول ، وهو عدم سماع الدعوى على المعقود عليها بالكلية اتجه عدم جواز تزويجها إلى أن تخرج من حقه بانتهاء

__________________

(١) وذلك فإنه متى علم بأنه ليس لها العقد حتى ينهى دعواه فإنه ربما سكت عن الدعوى لقصد تطويل الأمر عليها وحصول الضرر عليها بترك التزويج ليكون ذلك وسيلة إلى رجوعها اليه وموافقتها له على دعواه فيلزم من ذلك الضرر والحرج المنفيين آية ورواية. (منه ـ قدس‌سره ـ).

١٩٢

الدعوى لأنها متى تزوجت قبل انتهاء الدعوى لزم بناء على هذا القول عدم سماع دعواه بالكلية فيجب عليها الصبر عن التزويج إلى أن تنتهي الدعوى ، ولكن ينبغي أن يستثني منه ما تقدم من قصد الإضرار بها بالسكوت عن الدعوى والمماطلة بها. حتى ترجع إليه.

أقول : والأقرب والأنسب بالأصول أنه يجوز لها التزويج مطلقا كما أنه يجوز له التصرف في كل ما يدعيه عليه غيره قبل ثبوت دعواه استصحابا للحكم السابق ، والاستصحاب هنا ليس من قبيل الاستصحاب المختلف في حجية ، بل المراد هنا إنما هو استصحاب عموم الدليل ، فإن الأصل ملكه لما في يده ، والأصل ملك المرأة أمر نفسها ، فيجوز بناء على هذا الأصل تصرفه فيما يملكه كيف شاء حتى يقوم الدليل على المنع.

قولهم إنها بترويجها تحصل الحيلولة ـ بينه وبين قصده من تلك الدعوى ـ غير مسموع في مقابلة ما ذكرناه من ثبوت ذلك لها شرعا ، ويؤكد الجواز ما عرفت من تطرق الضرر في بعض الصور ، واحتمل بعض المحققين في صورة مماطلة المدعي بالدعوى ، وعدم تحليفه لها استقلال الحاكم بالتحليف ، لأنه قائم مقام المالك مع امتناعه مما يلزمه شرعا ، والله العالم.

المسألة التاسعة : المشهور بين الأصحاب رضوان الله عليهم من غير خلاف يعرف أنه لو ادعى زوجية امرأة ، وادعت أختها زوجية ، وأقام كل منهما البينة ، فالحكم لبينة الرجل ، إلا أن يكون مع المرأة ترجيح لبينتها من دخول أو تقدم تاريخ.

والأصل في هذا الحكم ما رواه الكليني في الكافي ، والشيخ في التهذيب عن الزهري (١) عن علي بن الحسين عليه‌السلام «في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي وشهود

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٥٦٢ ح ٢٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٥٤ ح ٢٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٢٥ ب ٢٢.

١٩٣

وأنكرت المرأة ذلك ، فأقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه قد تزوجها بولي وشهود ، ولم يوقتا وقتا ، فكتب : أن البينة بينة الرجل ولا تقبل بينة المرأة ، لأن الزوج قد استحق بضع هذه المرأة ، وتريد أختها فساد النكاح فلا تصدق ، ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها ، أو بدخول بها».

والرواية المذكورة ضعيفة السند جدا باصطلاح المتأخرين لما في سندها جملة من الضعفاء ورجال العامة ، ومنهم الزهري والراوي عنه ، وهو الأوزاعي ، ولكن ظاهرهم تلقاها بالقبول كما تلاقاها متقدموهم مع ما في مخالفة متنها لمقتضى الأصول كما ذكروه.

وفيه تأييد لما قدمناه من أن الواجب هو العمل بالرواية صح سندها أو ضعف باصطلاحهم. وعدم الالتفات إلي ما فيها من المخالفة لمقتضى الأصول ، ولكنهم لضيق المجال لما في هذا الاصطلاح تارة يردون الرواية وإن صح سندها بذلك كما تقدم قريبا ، وتارة يقبلونها وإن ضعف سندها كما في هذا الموضع ، فإنه لم يصرح أحد منهم بخلاف ذلك.

قال في المسالك بعد ذكر المصنف الحكم المذكورة : هذا الحكم مشهور بين الأصحاب لا يظهر فيه خلاف بينهم ، وهو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة الرجل مع إطلاق البينتين أو تساوي التاريخين لأنه منكر يقدم قوله مع عدم البينة ، ومن كان القول قوله ، والبينة بينة صاحبه.

أقول : ويمكن أن يقال في دفع ما ذكره من الاشكال ، أنه لا ريب أن هنا دعويين.

(إحديهما) دعوى الزوج على المرأة التي تزوجها مع إنكارها لدعواه.

و (الثانية) دعوى الأخت على الرجل أنه تزوجها مع إنكار الرجل ، والرجل إنما أقام البينة على دعواه على تلك المرأة التي ادعى تزويجها ، ولا ريب أنه مطابق لمقتضى القاعدة ، من أن البينة على المدعي ، وبموجب ذلك يثبت تزويجه

١٩٤

ولا مدخل هنا للأخت في ذلك حتى أنه يعد منكرا ، وأن البينة بينة صاحبه.

نعم هو في دعوى الأخت عليه منكر ، ولكنها دعوى اخرى ، وليس له بينة هنا حتى أنها ترد ، وإنما البينة بينة المرأة.

وبالجملة فإن هنا دعويين مختلفين ، فالرجل في الأولى مدع ووظيفته البينة وقد أقامها ، وفي الدعوى الثانية منكر إلا أن المرأة أقامت عليه البينة ، وكل من الدعويين وإقامة البينة فيهما جار على مقتضى الأصول لكن لما كان اللازم من ثبوت دعوى الأخت عليه وإقامتها البينة المنافاة لما ادعاه وأقام عليه البينة ، فإنه بثبوت إحدى الدعويين يجب انتفاء الأخرى يرجع الكلام إلى تقديم إحدى الدعويين ، والحكم بصحتها على الأخرى ، والامام عليه‌السلام حكم بتقديم دعوى الزوج وصحة نكاحه بالبينة التي أقامها ما لم يقدم تاريخ بينتها أو يحصل الدخول بها ، معللا ذلك بأن الأخت إنما أرادت بهذه الدعوى التي ادعتها فساد النكاح ، ولعل ذلك لأمر ظهر له عليه‌السلام ، وإن خفي الآن وجهه علينا.

وبالجملة فإن محط الكلام ومطرح البحث إنما هو في تقديم إحدى الدعويين على الأخرى الموجب لصحة المتقدمة وفساد المتأخر ، وهذا أمر آخر خارج عن محل الإشكال في كلامهم ، وبذلك يتجه أنه لا مخالفة في الرواية المذكورة لمقتضى الأصول كما ذكروه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن شيخنا الشهيد الثاني (عطر الله مرقده) في المسالك قد أنهى صور المسألة وما يتحصل منها إلى ثمانية عشر صورة بما هذا ملخصه بأن يقال : إذا وقع النزاع على هذا الوجه فإما أن يقيم كل من المدعيين بينة أولا يقيما أو يقيم أحدهما دون الآخر ، وهو إما الرجل أو المرأة ، فالصور أربع.

ثم إنه على تقدير إقامتهما البينة إما أن تكون البينتان مطلقتين أو مؤرختين أو تكون إحديهما مؤرخة والأخرى مطلقة ، فإما بينة الرجل أو بينة

١٩٥

المرأة ، والمؤرختان إما بتاريخ واحد أو مختلفتان بأن تقدم تاريخ الرجل أو المرأة ، فهذه تسع صور.

وعلى جميع التقادير إما أن يكون الرجل دخل بالمرأة المدعية أولا ، فهذه ثمانية عشر صورة ، وموضع النص منها ما إذا أقام كل واحد منهما بينة ، وما عداه ينبغي الرجوع فيه إلى القواعد الشرعية (١) في باب الدعوى ، وحينئذ فمع عدم البينة يكون القول قول الرجل في إنكار زوجية المدعية بيمينه لأنه منكر ، وهو ظاهر ، ودعواه زوجية أختها يرجع فيه إلى القواعد أيضا ، سواء أنكرت كما في الرواية أو اعترفت ، هذا إذا لم يكن دخل بالمدعية ، أما لو دخل بها ففي الاكتفاء بيمينه ، لأنه منكر أو يرجع الى يمينها ، لأن دخوله بها مكذب لإنكاره وجهان يرجعان إلى تعارض الأصل والظاهر.

قال في المسالك : والأول أقوى ، وإن أقام أحدهما بينة خاصة قضى له سواء كان الرجل أو المرأة ، إلا إذا كانت البينة للرجل وقد دخل بالمدعية فالوجهان لأنه بالنظر إلى إقامة البينة ، وثبوت الحق بها يثبت دعواه ، وبالنظر إلى أن دخوله بالأخت مكذب لبينته فلا تسمع ، ولعله الأقرب كما يشير إليه النص الوارد في المسألة وقرب السيد السند في شرح النافع (٢) في هذه الصورة توجه اليمين على ذي البينة ، فلا يقضى له بمجرد البينة كما ذكرنا أولا ، قال : لجواز صدق البينة الشاهدة للأخت المدعية للعقد مع تقدم عقده على من ادعاها ، والبينة لم تطلع عليه ، وجواز صدق بينة الزوج بالعقد على من ادعى عليها مع تقدم عقد أختها

__________________

(١) وعلى هذا فيقدم قولها في سبع صور من هذه الاثني عشر ، وهي الستة الجامعة للدخول مطلقا ، وواحدة من الستة الخالية عنه وهي ما لو تقدم تاريخها ، ويقدم قوله في الخالية عنه الباقية. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(٢) حيث صرح فيه بأن دعوى الزوج مقدمة على دعوى الأخت وبينته متقدمة إلا في صورة دخوله بها أو تقدم تاريخ بينة الأخت. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

١٩٦

عليه ، والبينة لا تعلم بالحال ، لكن الأخت تحلف على نفي العلم بسبق عقد أختها لأن اليمين ترجع إلى نفي فعل الغير ، والزوج يحلف على القطع لأنه حلف على نفي فعله. انتهى ، وهو جيد.

وإن أقام كل واحد منهما بينة مطلقة ، أو كانت إحديهما مطلقة والأخرى مؤرخة فالترجيح لبينة الرجل كما هو مقتضى النص إلا مع الدخول لسقوط بينة بتكذيبه إياها فيحكم لبينة الأخت ، وكذا إن ورختا معا وتقدم تاريخ بينتها ، فإنه لا إشكال في تقديمها لثبوت سبق نكاحها في وقت لا يعارضها الأخرى فيه ، ومع تساوي التاريخين أو تقدم تاريخ بينته تقدم بينته إن لم يكن دخل بالأخت كما هو مقتضى النص.

وقال في المسالك بعد البحث في المسألة : بقي أمران : (أحدهما) أن ظاهر النص أن من قدم جانبه لا يفتقر معه إلى اليمين ، وكذلك أطلق المصنف الحكم تبعا لظاهرة ، إذ لو افتقر إلى اليمين مع البينة لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإقامة جزء السبب التام مقامه ، وهو ممتنع ، والأقوى الافتقار إلى اليمين إلا مع سبق تاريخ إحدى البينتين.

أما الأول : فلأنه مع التعارض بتساوي التاريخ أو إطلاقه يتساقط البينتان فلا بد من مرجح للحكم بأحدهما ، فمن رجح جانبه افتقر إلى اليمين ، ومجرد الدخول على تقديره لا يوجب سقوط حكم بينته رأسا ، بل غاية كونه مرجحا ، فلا بد من اليمين جمعا بين النصوص والقاعدة الكلية.

وأما الثاني : فلأنه مع سبق تاريخ إحدى البينتين تكون السابقة مثبتة النكاح في وقت لا يعارضها فيه أحد فتعين الحكم بها.

(الثاني) على تقدير العمل بالنصوص هنا ينسحب الحكم إلى مثل الام والبنت لو ادعي زوجية إحديهما وادعت الأخرى زوجيته ، وجهان : من اتحاد صورة

١٩٧

الدعوى إذ لا مدخل للاخت في هذا الحكم بل إنما هو لتحريم الجمع ، وهو مشترك ، ومن كون الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على مورده. انتهى.

أقول : قد عرفت مما سبق في الكتاب وفيما تقدم في الكتب السابقة ، تكاثر الأخبار بالخروج على خلاف مقتضى قواعدهم ، فلا معنى لارتكاب هذا الوجه الذي تكلفه ، وقيد به الخبر من غير دلالة عليه ، ولا إشارة بالكلية إليه خروجا عن مخالفة مقتضى القاعدة التي ذكرها. شعر : «ما أنت أول سار غره قمر».

وقد قدمنا آنفا أن حكمه عليه‌السلام بتقديم بينة الرجل وصحة دعواه وبطلان دعوى الأخت ، لعله لأمر ظهر له عليه‌السلام بقرائن الحال يومئذ ، فإنه عليه‌السلام جزم وحكم بصحة دعوى الزوج ، وأنه قد استحق بضع هذه المرأة ، وحكم ببطلان دعوى أختها ، وأنها تريد فساد النكاح فلا تصدق ، إلا على أحد الوجهين المذكورين ، ومن البين أن حكمه بذلك إنما يكون لأمر أوجبه عنده ، دون مجرد الدعويين المذكورين ، إلا أن الوجه في ذلك خفي علينا ، وتطلب العلل والأسباب في أحكامهم عليهم‌السلام غير واجب علينا ، بل الواجب التسليم لما حكموا به وإن خفي علينا وجهة وسببه ، فالواجب العمل بما دل عليه الخبر ، وغض الطرف عن تطلب العلة المذكورة.

وما ذكره من أن مجرد الدخول على تقديره لا يوجب سقوط حكم بينة الرجل رأسا بل غايته كونه مرجحا رد للنص الظاهر ، بل الصريح في سقوط حكم بينته على التقدير المذكور ، فإنه عليه‌السلام قال «لا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها ، أو بدخول بها» فجعل كلا من تقديم التاريخ والدخول موجبا لبطلان دعوى الزوج ، وصحة دعوى الأخت.

فحكمه ـ بذلك في الأول لما ذكره من التعليل وتوقفه في الثاني على اليمين لما ذكره خروج عن النص.

١٩٨

وبالجملة فإنه قبل النص وعمل به ، فالواجب عليه القول بما دل عليه ، وعدم مقابلته بهذه التعليلات في بعض والإغماض عنها في أخرى ، وإلا فالواجب طرحه وسقوط هذا البحث من أصله ، والله العالم.

المسألة العاشرة : إذا تزوج العبد بمملوكة ثم أذن له سيده في شرائها ، فإن كان الشراء المأذون فيه إنما وقع لسيده فالعقد الأول باق بحاله ، إذ لم يحصل إلا انتقالها من مالك إلى آخر ، وذلك لا يوجب انفساخ عقدها ، وإن كان الاذن في الشراء إنما وقع للعبد أو للسيد ولكن ملكه إياها سيده بعد الشراء.

فإن قلنا أن العبد لا يملك فالنكاح الأول باق بحاله ، لأن الشراء والحال هذه باطل بل هي باقية على ملك الأول ، والتمليك من السيد لاغ بل هي باقية على ملك السيد.

وإن قلنا إن العبد يملك مطلقا أو يملك مثل هذا الفرد من التصرفات فإنها تنتقل إلى ملك العبد ، ويبطل النكاح الأول ، كما يبطل نكاح الحر للأمة إذا اشتراها الزوج ، للمنافاة بين وطئها بالملك والعقد ، بقوله عزوجل (١) «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» والتفصيل يقطع الشركة ، فإذا ثبت الثاني انتفى الأول.

ويدل على ما دلت عليه الآية من الأخبار ما رواه في الكافي عن الحسين بن زيد (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يحل الفرج بثلاث : نكاح بميراث ، ونكاح بلا ميراث ، ونكاح بملك اليمين».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن زيد (٣) قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه عبد الملك بن جريح المكي فقال له : ما عندك في المتعة؟ قال : أخبرني

__________________

(١) سورة المؤمنون ـ آية ٦.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٦٤ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٧ ب ٣٥ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٤١ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨ ح ٢.

١٩٩

أبوك محمد بن علي عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس فقال : أيها الناس إن الله أحل لكم الفروج على ثلاثة معان : فرج موروث وهو البنات وفرج غير موروث وهو المتعة ، وملك أيمانكم».

وروى الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال : «وأما ما يجوز من المناكح فأربعة وجوه : نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، ونكاح بملك اليمين ، ونكاح بتحليل من المحلل».

أقول : لا منافاة بين هذا الخبر وما تقدم من الحصر في الثلاثة ، فإن التحليل داخل في ملك اليمين لأنه متى أحل له جاريته فقد ملكه منها ما أحله.

وأما ما يؤيد ما ذكره الأصحاب من أن الجارية إذا اشتراها زوجها بطل العقد الأول وحل له النكاح بالملك فمنه ما رواه الكليني عن سماعة (٢) في الموثق قال : «سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ، ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، فقال : حرمت عليه».

وبإسناده آخر عن سماعة مثله ، إلا أنه قال : «حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها ، إلا أن يشتريها من جميعهم».

ورواه الصدوق عن زرعه عن سماعة مثله ، إلا أنه قال «إلا أن يشتريها جميعا».

وقد تكرر في الأخبار أن بيعها طلاقها ، وحينئذ فبيعها على زوجها يحصل طلاقها كما يحصل بالبيع على غيره ، وأما هو فإنه ينكحها بعد الشراء بالملك حينئذ لما عرفت من حصول الطلاق بالبيع.

وأما في صورة شراء شقص منها كما تضمنه الخبر ، فإنها تحرم مطلقا حتى يشتري الجميع ، فيرجع إلى النكاح بالملك ، وقد تقدم الكلام في نظير هذه المسألة ، وهو ملك المرأة زوجها ، وأنه بملكها له تحرم عليه ، وينفسخ نكاحها في كتاب

__________________

(١) تحف العقول ص ٣٣٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٨٥ ب ١٤ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٨ ح ٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٨٢ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٥٣ ح ١.

٢٠٠