الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

وأعجب من ذلك ما وقع له والعلامة في المختلف قبله من الاستشكال في الاستدلال بصحيحة أبي عبيدة حتى استشهدا على ما ذكراه من حمل الولي في صدرها على غير الأب والجد بما صرحا به ، مع أن عجز الرواية أوضح شاهد بما ذكراه حيث قال في عجزها «فإن كان أبوها الذي هو زوجها قبل أن تدرك قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية».

والتقريب فيها أنه لو لم يحمل صدرها على غير الأب والجد للزم المنافاة والمضادة بين ما دل عليه صدرها وعجزها ، ونحن قدمنا الرواية بتمامها وبينا الوجه فيها في آخر المسألة الاولى من هذا المقصد.

احتج الشيخ على ما نقله في المسالك على البطلان من رأس بما روي عن عائشة (١) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل».

ورواية أبي موسى الأشعري (٢) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا نكاح إلا بولي».

ورواية ابن عمر (٣) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل».

ورواية الفضل البقباق (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يتزوج الأمة بغير إذن أهلها قال : هو زنا إن الله تعالى يقول (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)». وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة وهي منتفية في محل النزاع.

ثم قال في المسالك : ووافقه على البطلان الشيخ فخر الدين مضيفا إليه سائر العقود مستدلا عليه بأن العقد سبب الإباحة ، ولا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه ، وبأن رضى المعقود عليه أو وليه شرط ، والشرط متقدم.

ثم رده بأن الأولى منهما مصادرة والثانية لا تفيد لأن الرضا شرط اللزوم

__________________

(١ و ٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٢٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٤٨ ح ٥٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ح ١.

٢٦١

وهو متأخر عنه لا العقد الذي هو المتنازع فيه ، ثم أجاب عن روايات الشيخ بأنها كلها عامية قال : وقد أتينا بخبر منها ومثلها فتكون رواياتنا أرجح ـ إلى أن قال ـ : والرواية الأخيرة الخاصة بنا ظاهرة في أن زوج الأمة وطأها بذلك العقد من غير إجازة المولى ، ولا شبهة في كونه زنا ، ولو ادعى عدم الوطي حمله على ما لو فعله كذلك ، جمعا بينها وبين ما سلف ، وهو جيد.

والعجب من الشيخ ـ مع روايته للروايات المتقدمة في كتبه الصريحة في المدعي ـ كيف يدعي أن الأدلة منتفية في محل النزاع.

وبقي الكلام في الروايات الاولى وما دلت عليه ، من أن المهر لازم لامه مع عدم قبوله ورضائه بالتزويج.

والشيخ في النهاية قد أفتى بمضمون الرواية فقال : إذا عقدت الام بابن لها على امرأة كان مخيرا في قبول العقد والامتناع منه فإن قبل لزمه المهر ، فإن أبي لزمها هي المهر ، وتبعه ابن البراج.

وقال ابن إدريس : حمل ذلك على الأب قياس ، فإن الام غير والية على الابن فإنما هذا النكاح موقوف على الإجازة أو الفسخ ، فإن بلع الابن ورضي لزمه المهر وإن أبي انفسخ النكاح ، ولا يلزم الام من المهر شي‌ء بحال ، إذ هي والأجانب سواء فكما لو عقد عليه أجنبي كان الحكم ما ذكرناه بغير خلاف ، فلا دليل على لزوم المهر ، لأن الأصل براءة الذمة ، شغلها يحتاج إلى دليل. انتهى.

أقول : لا يخفى أن ما أفتى به الشيخ هنا إنما استند فيه إلى الرواية المذكورة ، والرواية ظاهرة في أن الابن بالغ عاقل ، وإنما كان غائبا فعقدت الام عنه فضولا ، وكلام ابن إدريس يشعر بأنه توهم أن المعقود عليه صغير ، ولا ولاية للأم عليه كما للأب ، فلا يلزمها المهر كما يلزم الأب لو عقد على ابنه الصغير ، وهو بمعزل واضح عن ظاهر الرواية ، وكلام الشيخ المبنى عليها وإن كانت عبارة

٢٦٢

الشيخ مجملة هنا.

بقي الكلام في ضمانها المهر مع كون عقدها فضوليا ، وقضية ذلك أنه إن أجاز لزمه المهر ، وإلا فلا مهر ، والعلامة في المختلف وقبله شيخه المحقق في الشرائع حملا الضمان على ما إذا ادعت الأم الوكالة ولم يثبت ، فإنها تضمن المهر لأنها قد فوتت البضع على الزوجة فضمنت ، وهو جيد.

ويدل عليه جملة من الأخبار ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الوكالة في المسألة الثانية من المطلب السابع في التنازع (١) من الكتاب المذكور.

وأما ما ذكره في المسالك بعد ذكر حمل المحقق والعلامة حيث قال : وفيه نظر لأن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع ، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا ، والأقوى عدم وجوب المهر على مدعى الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه فيجب حسبما يضمن عن الجميع أو البعض. انتهى.

ففيه ما ذكره في الموضع المشار إليه من ورود الأخبار وفيها الصحيح بالضمان ، وأن الظاهر أن الوجه فيه إنما هو العقوبة للوكيل حيث ضيع حق المرأة بعدم الاشهاد على الوكالة فليرجع إليه من أحب الاطلاع عليه ، والله العالم.

المسألة الثامنة : المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف إلا من ابن إدريس أنه يجزي في إجازة البكر وإذنها سكوتها ، ويعتبر في الثيب النطق ، وقال ابن إدريس ـ بعد أن حكى قول الشيخ في النهاية أن الأخ إذا أراد العقد على أخته البكر استأمرها فإن سكت كان ذلك رضا منها ، ما صورته ـ : المراد بذلك أنها تكون قد وكلته في العقد.

وإن قيل : إذا وكلته في العقد فلا حاجة به إلى استيمارها قلنا : بل يستحب أن يستأمرها عند العقد بعد ذلك ، وكذلك الأب إذا لم يكن وليا

__________________

(١) ج ٢٢ ص ١٠٩.

٢٦٣

عليها ، ولا له إجبارها على النكاح ، وولت أمرها إليه فإنه يستحب له أن يستأمرها إذا أراد العقد عليها ، وهذا معنى ما روي «أن إذنها صماتها» وإلا السكوت لا يدل في موضع من المواضع على الرضا.

والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار الواضحة المنار.

ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها» الحديث.

وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (٢) قال : «أبو الحسن عليه‌السلام «في المرأة البكر إذنها صماتها والثيب أمرها إليها». ورواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر مثله.

وما رواه في الكافي والفقيه عن داود بن سرحان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها».

ويؤيده ما تقدم في سابق هذه المسألة من حكمه عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب ، «بأن سكوت موالي العبد الذي تزوج بغير إذن منهم ، إقرار له على التزويج».

وهذه الروايات كما ترى ظاهرة بل صريحة في القول المشهور ، وليس في شي‌ء منها ما يشير إلى حصول الوكالة التي ادعاها ابن إدريس ، بل هي ظاهرة في خلاف ذلك ، وما ادعاه من استحباب استيمارها بعد الوكالة مجرد عدوى ألجأه إليه

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٣ ح ٤ وص ٣٩٤ ح ٨ ، قرب الاسناد ص ١٥٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠ ح ٤ وص ٢٠٦ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٢٩٣ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢٠١ ح ٣.

٢٦٤

ضيق الخناق في الخروج عما وقع عليه الاتفاق ، فإنا لم نقف لذلك على دليل عقلي ولا نقلي كما لا يخفى.

وينبغي تقييد الاكتفاء بالسكوت عن اللفظ الصريح بما إذا لم يكن ثمة قرينة دالة على عدم الرضاء ، وإلا لم يفد السكوت الاذن.

قيل : ولو ضحكت عند استئذانها فهو إذن ، لأنه أدل على الرضاء من السكوت.

وفيه توقف إذ ربما يكون الضحك عن استهزاء وتعجب ، لا عن فرح وسرور ، مع خروجه عن موضع النص المخالف للأصل ، فيجب الاقتصار على مورد النص.

ونقل عن ابن البراج أنه ألحق بالسكوت والضحك البكاء وهو أبعد ، بل ربما كان ذلك قرينة ظاهرة على الكراهة.

والظاهر أن وجه الحكمة فيما دلت عليه هذه الأخبار من الاكتفاء بالسكوت هو أن البكر غالبا تستحي من الكلام والجواب باللفظ ، هذا كله في البكر.

أما الثيب فيعتبر نطقها إجماعا ، ويؤيد ما عرفت من وجه الحكمة في البكر وأن الثيب بسبب الثيوبة ومخالطة الرجال يزول عنها الحياء.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا إشكال في حصول الثيوبة الموجبة لوجوب النطق بالجماع ، لعقد كان أو ملك أو شبهة أو زنا ، كبيرة كانت أو صغيرة ، لصدق الثيوبة في الجميع ولزوال الحياء بممارسة الرجال.

وإنما الإشكال في حصول الثيوبة بغير ذلك من طفرة ووثبة وسقطة ، أو بالإصبع ونحو ذلك ، فظاهر العلامة إلحاق من كانت ثيوبتها بأحد هذه الأمور بالبكر لوجود معنى البكر فيمن ذكر حيث لم تخالط الرجال فيبقى الحياء بحاله.

ونفى عنه البعد السيد السند في شرح النافع ، مع أن جده اعترضه في المسالك

٢٦٥

بأن فيه نظر من حيث إطلاق النصوص الشامل لمن ذكر ، قال : والاقتصار على الحكمة غير لازم ، ومن الجائز كونها حكمة في الحكم الكلي ، وإن تخلفت في بعض جزئياته.

ومثله كثير في القواعد الشرعية المترتبة على أمور حكمية تضبط بضوابط كلية ، وإن تخلفت الحكمة في بعض مواردها الجزئية كما جعلوا السفر موجبا للقصر نظرا إلى المشقة بالإتمام فيه غالبا مع تخلفها في كثير من المسافرين المترفهين ووجودها في كثير من الحاضرين ، وكترتب العيب المجوز للرد ، على نقصان الخلفة وزيادتها ، نظرا إلى كون ذلك مما يوجب نقصان القيمة غالبا ، وقد تخلف في مثل العبد إذا وجد خصيا ، فأبقى على القاعدة وإن زادت قيمته أضعافا مضاعفة. انتهى ، وهو جيد.

ومن جملة ما ذكره أيضا ما صرحت به الأخبار من العلة في العدة هو أن وجه الحكمة فيها استبراء الرحم ، مع وجوبها في مواضع عديدة يقطع ببراءة الرحم كمن سافر عن زوجته عشر سنين ثم طلقها في سفره أو مات عنها ، ونحوه.

وما ورد من أن مشروعية غسل الجمعة كان لتأذى الناس من روائح اباط الأنصار في المسجد إذا حضروها ، فأمر بالغسل لذلك مع استحباب الغسل أو وجوبه مطلقا ، بل استحباب تقديمه وقضائه ، وإن كان روائح المصلين أطيب من ريح المسالك ، الى غير ذلك من العلل المذكورة في كتاب علل الأخبار.

ونقل في المسالك عن الشهيد في بعض فوائده أن الثيوبة على أحد الوجوه المتقدمة الخارجة عن الجماع حكمها كالثيوبة الحاصلة بالجماع ، واختاره في المسلك أيضا قال : لا طلاق النص ، والمسألة لا تخلو من نوع إشكال ، وإن كان ما اختاره الشهيدان لا تخلو من قرب ورجحان.

قال في المسالك : وفي الموطوء في الدبر وجهان : من صدق البكارة ، وزوال الحياء ، واختار في التذكرة اعتبار النطق فيها. انتهى.

٢٦٦

أقول : لا يخفى أن مقتضى تعليق الاكتفاء بالسكوت على البكارة في النصوص المتقدمة هو الاكتفاء بالسكوت في المنكوحة دبرا لثبوت البكارة ، وهذه العلة التي ذكروها هنا غير منصوصة ، بل هي مستنبطة فترجيح العمل بها على إطلاق النص لا يخلو من الاشكال ، والله العالم.

المسألة التاسعة : قد عد جملة من الأصحاب مسقطات الولاية وهي أربعة : الكفر ، وعدم الكمال بالبلوغ والرشد ، والرقية ، والإحرام.

فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع أربعة (أحدها) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في اشتراط الإسلام في الولاية فلا تثبت للكافر ـ أبا كان أوجدا أو غيرهما ـ الولاية على الولد المسلم صغيرا أو مجنونا ذكرا كان أو أنثى ، ويتصور إسلام الولد في هذه الحال بإسلام امه أو جده على قول ، وكذا يتصور إذا أسلم بعد بلوغه ثم جن ، أو كانت أنثى على القول بثبوت الولاية على البكر البالغ ، واستندوا في عدم الولاية في هذه الصورة إلى قوله عزوجل (١) «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».

وظاهر بعضهم اشتراط ذلك أعم من أن يكون المولى عليه مسلما أو كافرا ، والحكم في الأول إجماعي.

واستدل عليه زيادة على ما سبق بقوله عزوجل (٢) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» وقوله (٣) «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».

وأما الثاني وهو أن المولى عليه متى كان كافرا فإنه يشترط في الولي عليه الإسلام ، فلا يجوز ولاية الكافر على الكافر.

فقال في المسالك : إن وجه المنع غير ظاهر ، وعموم الأدلة متناولة وقوله

__________________

(١) سورة التوبة ـ آية ٧١.

(٢) سورة النساء ـ آية ١٤١.

(٣) الوسائل ج ١٧ ص ٣٧٦ ح ١١.

٢٦٧

تعالى (١) «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» يشهد له.

بل قال الشيخ في المبسوط : إن ولي الكافرة لا يكون إلا كافرا ، فلو كان لها وليان أحدهما مسلم والآخر كافر ، كان الذي يتولى تزويجها الكافر دون المسلم لقوله (٢) «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».

ومنه يظهر ضعف ما نقل عن ظاهر بعضهم من اشتراط الإسلام في الولي وإن كان المولى عليه كافرا ، وأن الأجود هو أن يتولى الكافر نكاح الكافرة مطلقا إذا لم يكن لها ولي مسلم ، وإلا فالمسلم مع وجوده أولى ، خلافا لما ذكره في المبسوط.

ويتصور ولاية المسلم على ولد الكافر فيما إذا كان الأب والجد كافرين فأسلم الجد بعد بلوغ الولد ثم عرض الجنون للولد ، أو يكون الولد البالغ أنثى وقلنا بالولاية على البكر البالغ.

أقول : لم أقف في المقام على نص مخصوص ، ولا أعرف لهم مستندا فيه سوى ما يظهر من اتفاقهم على الحكم المذكور.

وأما الآيات التي ذكروها في المقام فهي لا تنهض حجة في مقام الخصام ، فإن الظاهر من الآية الأولى والثالثة إنما هو النصرة والمحبة والمساعدة في الأمور ، ولهذا عقب الآية الأخيرة بقوله «إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» لا الولاية بالمعنى المدعى هنا ، وأما آية «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فإن المراد بالسبيل المنفي إنما هو من جهة الحجة والدليل ، كما روي عن الرضا عليه‌السلام في تفسير الآية المذكورة لا ما توهمه أصحابنا.

واستدلوا عليه بالآية في غير موضع من الأحكام حسبما صرح به الخبر المشار إليه وأوضح بطلانه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في غير موضع من الكتاب.

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ٢٥.

(٢) سورة الأنفال ـ آية ٧٣.

٢٦٨

و (ثانيها) في اشتراط الكمال بالبلوغ والرشد ، فلا ولاية للصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا السكران الموجب سكره لذهاب عقله ، قالوا : والوجه في ذلك هو أن هؤلاء لعجزهم عن اختيار الأزواج والنظر في أحوالهم وإدراك التفاوت بينهم المطلوب من الولي لا تثبت لهم الولاية نعم لو زال الجنون والإغماء والسكر عادت الولاية.

وربما قيل بأن الجنون المنقطع كالمطبق في رفع الولاية وهو ظاهر عبارة القواعد ، قال الشارح المحقق : والأول أقرب مع قصر زمانه ، ثم قال : والإغماء إن كان مما يدوم يوما أو يومين أو أكثر تزول الولاية حال الإغماء. لكن إذا زال عادت مع وجود مقتضاها كالأبوة والجدودة ، وإن قصر زمانها غالبا فهي كالنوم لا تزول به الولاية. انتهى (١).

وأشار بقوله «مع وجود مقتضاها» ـ بمعنى أن عود الولاية إنما يكون مع وجود المقتضي لها بكونه أبا أوجدا ـ إلى أنه لو كان وصيا لم تعد الولاية ، وقد نبه على ذلك في آخر كلامه في المقام ، فقال : إذا عرفت ذلك فإذا زال المانع عادت الولاية ، وهذا في الأبوة والجدودة ظاهر ، وأما في الوصاية فلأنها إذا بطلت لا تعود الولاية إلا بنص الموصي على عودها بعد زوال المانع. انتهى.

ومرجع ذلك إلى أن الولاية في الأب والجد مترتبة على الأبوة والجدودة ، وهي موجودة في محل الفرض ، والولاية في الوصاية ليست كذلك بل منفكة عنها فزوالها بالإغماء لا يعود بمجرد بقاء الوصاية ، لانفكاكها عنها ، بل يحتاج إلى نص من الموصي على العود ، إذ لا بد من دليل على عودها ، وليس إلا ذلك ،

__________________

(١) أقول : ظاهره في المسالك أنه لا فرق بين قصر الجنون والإغماء أو طولهما في زوال الولاية بهما وعودها بعد زوالهما ، قال بعد الكلام في المقام : ولا فرق بين طول زمان الجنون والإغماء وقصره ، لقصور حالته ، ووجود الولاية في الأخر ، وانما يفرق بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي فيجعل المانع القصير غير مبطل للولاية ، ولا ناقل لها إلى إلا بعد كالنوم. انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٦٩

ولا يخفى أن هذا الكلام إنما يتجه على تقدير القول في مسألة ولاية الوصي المتقدمة بأن ولايته مخصوصة بنص الموصي على الولاية.

وأما على القول بأنها تثبت بمجرد الوصاية وإن لم ينص عليها كما هو مختار جمع من المحققين فإنه لا فرق حينئذ بين الأب والجد وبين الوصي لبقاء الوصاية التي هي الموجبة للولاية كالأبوة والجدودة.

و (ثالثها) اشتراط الحرية في الولي ، فلا ولاية للمملوك على ولده حرا كان الولد أو مملوكا ، لمولى الأب أو لغيره ، وهكذا الجد أيضا ليس له ولاية ، وعلل سلب الولاية عنهما بأن الرق ليس أهلا لذلك ، فنقصه بالرقية المقتضي لكونه لا يقدر على شي‌ء ، فإنه لا يستطيع تزويج نفسه بغير ولي ، ولأن الولاية تستدعي البحث والنظر ، والعبد مشغول بخدمة سيده لا يفرغ لذلك.

وبذلك صرح العلامة في جملة من كتبه ، إلا أن ظاهره في المختلف القول بصحة ولايته ، حيث نقل عن ابن الجنيد عدم جواز ولاية الكافر والعبد ثم قال : أما قوله في الكافر فجيد ، لقوله تعالى (١) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» ، وأما العبد فالأقوى صحة ولايته لأنه بالغ رشيد ، فأشبه الحر ، وكونه مولى عليه لا ينافي ولايته. انتهى.

هذا إذا لم يأذن له مولاه ، وإلا فإنه يصح مع إذنه ، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن موضع الصحة ما إذا كان الولد مملوكا فأذن له مولاه أيضا في تزويجه.

أما لو كان حرا صغيرا ، فإن ثبوت ولايته عليه بإذن المولى له مشكل ، لأن المقتضي لسلب ولايته هو الرقية ولا يزول بالاذن.

قالوا : ولا فرق في مملوكية الأب أو الجد بين كونه قنا أو مكاتبا أو مدبرا ، ولو تحرر بعضه فكالقن.

__________________

(١) سورة النساء ـ آية ١٤١.

٢٧٠

أقول : هذا خلاصة كلامهم في المقام ، والمسألة خالية من النص فيما أعلم ، إلا أنه لما دل الدليل على كونه مولى عليه بالنسبة إليه نفسه ، فلا اختيار له في تزويج ولا غيره إلا بإذن السيد ، فبالنسبة إلى غيره بطريق أولى ، ولظاهر الآية المشار إليها أيضا ، وبالجملة فإن الحكم لا إشكال فيه.

و (رابعها) الإحرام ، وهو يسلب ولاية عقد النكاح إيجابا وقبولا بغير خلاف وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار.

منها صحيحة عبد الله سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل». وفي معناها غيرها.

وكما يحرم عليه العقد إيجابا وقبولا فكذلك يحرم عليه شهادة العقد وإن وقع من محلين ، إلا أنه هنا لا يوجب بطلان العقد كما في الأول وإن أثم بالحضور والشهادة ، لأن الشهادة عندنا ليست شرطا في النكاح.

ولا خلاف في جواز الطلاق للمحرم ومراجعة المطلقة وشراء الا ماء ، أما الأول فيدل عليه صحيحة أبي بصير (٢) ورواية حماد بن عثمان (٣) وأما الثاني فللأصل السالم من المعارض حيث إن مورد أخبار النهي إنما هو النكاح ، والمراجعة ليست ابتداء نكاح ، وأما الثالث فيدل عليه مضافا إلى الأصل صحيحة سعد بن سعد (٤) وتمام تحقيق الكلام في هذا المقام قد تقدم في كتاب الحج ، والله العالم.

المسألة العاشرة : قد عرفت مما تقدم أن الأب والجد يشتركان في الولاية على الصغيرين ، فلو بادر كل منهما وعقد على شخص غير من عقد عليه الآخر مع علم صاحبه أو غير علمه ، فإنه يقدم عقد السابق منهما أبا كان أو جدا ، وهذا ثمرة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٨ ح ٤١ ، الوسائل ج ٩ ص ٨٩ ح ١.

(٢ و ٣ و ٤) الكافي ج ٤ ص ٣٧٢ ح ٦ وص ٣٧٣ ح ٧ وج ٤ ص ٣٧٣ ح ٨ ، الوسائل ج ٩ ص ٩٣ ح ١ و ٢ وص ٩٢ ب ١٦.

٢٧١

الاشتراك لكن ولاية الجد أقوى وإن اشتركا في أصل الولاية ، ولهذا أنه إذا اختار الجد زوجا واختار الأب الآخر قدم مختار الجد ، ولا ينبغي للأب معارضته في ذلك.

وأظهر من ذلك أنه لو بادر كل منهما وعقد على زوج غير الآخر من غير علم صاحبه أو مع علمه واتفق العقدان في وقت واحد بأن تقترن قبولها معا ، قدم عقد الجد في هذه الصورة ، وعلى كل من الأمرين أعني أولوية الجد وتقديم عقده مع الاقتران تدل الأخبار الواردة في هذه المسألة.

ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن عبيد بن زرارة (١) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

ورواه في الفقيه عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة (٢) بدون قوله «ما لم يكن مضارا» وبدون قوله «ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها ، فقلت : فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا؟ قال : الجد أولى بنكاحها».

وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إني كنت يوما عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال : أصلح الله

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٥ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٠ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٩٥ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩٠ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٧ ح ١.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٩٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٥.

٢٧٢

الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني فقال زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا : نكاحه باطل ، قال : ثم أقبل علي فقال : ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى ، فقلت لهم : فكيف يكون هذا ، وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه ، قال : فأخذ بقولهم وترك قولي».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن هشام بن سالم ومحمد بن حكيم (١) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الفضل بن عبد الملك (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى ، وهما سواء في العدل والرضاء ، قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

وما رواه الحميري في قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام ورواه علي بن جعفر في كتابه أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألت عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي جده أن يزوج أحدهما ، وهوى أبوها الآخر ، أيهما أحق أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجد أحق بالجارية لأنها وأباها

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٩٥ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩٠ ح ٣٨ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٠ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٩٦ ح ٥ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٩١ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٨ ح ٣.

(٣) قرب الاسناد ص ١١٩ باب ما جاء في الأبوين ، الوسائل ج ١٤ ص ٢١٩ ح ٨.

٢٧٣

للجد.

أقول : وهذه الأخبار على تعددها قد اشتركت في الدلالة على أولوية الجد وأنه ينبغي للأب وكذا الجارية الرضاء بمن اختاره الجد ، ولا يتقدم واحد منهما في الاختيار عليه ، كل ذلك على جهة الفضيلة والاستحباب.

وأما مع اقتران العقدين على الوجه الذي قدمناه ، فإنه يقدم عقد الجد (١) كما تضمنته صحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم.

وخالفنا العامة في هذا الحكم ، فجعلوا الأب أولى من الجد على معنى أن الجد لا ولاية له مع وجود الأب ، لأن الأب يتولى بنفسه ، والجد يتولى بواسطة الأب ، وعورض دليلهم بأن للجد ولاية على الأب لوجوب طاعته وامتثال أمره فيكون أولى.

أقول : ومن هنا تضمن خبر عبيد بن زرارة الثاني إفتاء علماء العامة للوالي ببطلان نكاح الجد ، وموافقة الوالي لهم وإعراضه عن فتوى الامام عليه‌السلام مع اعترافهم بالحديث الذي ألزمهم به ، كل ذلك عنادا للحق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتبادر من الأخبار المتقدمة هو أن المراد بالأب فيها هو الذي تولدت تلك الجارية من صلبه بلا واسطة ، والمتبادر من الجد فيها هو الأب لهذا الأب المذكور وهل يتعدى الحكم هنا إلى أب الجد وجد الجد وإن

__________________

(١) والعجب من شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروضة حيث قال ـ بعد قول المصنف «لو زوجها الأبوان برجلين واقترنا قدم عقد الجد» ما صورته ـ : لا نعلم فيه خلافا ، وتدل عليه من الاخبار رواية عبيد بن زرارة ، ثم ساق الرواية الاولى من الروايات التي ذكرناها في الكتاب ، ثم كتب في الحاشية : أن هذه الرواية من الموثق ويشكل الحكم بمجردها إلا أنها من المشاهير ان لم يكن حكمها إجماعيا. انتهى.

ثم انه في المسالك قد ذكر من روايات المسألة أيضا صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم وما ذكره في الروضة انما ذلك من الاستعجال وعدم المراجعة لكتب الاخبار. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٧٤

علا مع الأب أو هو من أدنى منه حتى يكون أبا الجد أولى من الجد وجد الجد أولى من الجد.

قال في المسالك : وجهان : من زيادة البعد ووجود العلة ، ويقوى تقديم الجد وإن علا على الأب فيقدم عقده مع الاقتران لشمول النص له ، فإن الجد وإن علا يشمله اسم الجد ، لأنه مقول على الأعلى والأدنى بالتواطؤ.

وأما إقامة الجد مع أبيه مقام الأب مع الجد فعدمه أقوى لفقد النص الموجب له مع اشتراكهما في الولاية ، وأن الجد لا يصدق عليه اسم الأب إلا مجازا كما أسلفناه فلا يتناوله النص.

ومن جعله أبا حقيقة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب يلزمه تعدي الحكم إليه ، ففي الأول يبطل العقد لاستحالة الترجيح بغير مرجح ، واجتماع الضدين كما لو زوجها الوكيلان ، وعلى الثاني يقدم عقد الأعلى. انتهى.

أقول : قد عرفت مما قدمناه في غير مقام ، ولا سيما في كتاب الخمس قوة القول الثاني وأن الجد يطلق عليه الأب حقيقة ، كما يطلق الابن على ابن ابنه وإن سفل حقيقة ، وحينئذ فيقدم عقد الأعلى في الصورة التي فرضها ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر : قالوا : إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها الخيار ، وكذا لو زوج الطفل من كان بها أحد العيوب الموجبة للفسخ ، ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا لو زوج الصغير بمملوكة وقيل : بالمنع هنا.

أقول : وتفصيل هذا الإجمال على وجه يتضح منه الحال.

أما بالنسبة إلى الحكم الأول ، فإنهم عللوه بأن كل واحد من المجنون والخصي كفو ، والعيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة فلا تنافي الصحة ، وإنما المانع من الصحة هو تزويجها بغير الكفو ، ولأن الأصل الصحة ، ولأنها لو كانت

٢٧٥

كاملة كان لها أن تتزوج بمن ذكر ، وهكذا بالنسبة إلى الطفل الذي زوج بمن بها أحد العيوب.

وأما ثبوت الخيار في الموضعين فلمكان العيب الموجب له لو كان هو المباشر للعقد جاهلا ، وفعل الولي له حال صغره. بمنزلة الجهل.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجهول أو مجذوم أو أبرص أو خصي ، محتجا بأن الكفاءة ليس من شرطها الحرية ولا غير ذلك من الأوصاف ، ولم يذكر الخيار ، والأوضح ما ذكره غيره من الأصحاب لما عرفت.

وظاهر إطلاق الأصحاب الصحة هنا يدل على أن تزويج الولي لا يناط بالمصلحة والغبطة بل يكفي وقوعه بالكفو ، والفرض أن لا مفسدة في ذلك إذ لا يترتب عليه فيه حق مالي ، والنقص منجبر بالخيار.

وللشافعية وجه بعدم صحة العقد المذكور من حيث إنه لا حظ للمولى عليه تزويج المعيب سواء علم الولي أو لم يعلم.

ووجه ثالث بالتفصيل بعلم الولي بالعيب فيبطل ـ كما لو اشتري له المعيب مع علمه بالعيب ـ أو الجهل فيصح ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين أولها عند البلوغ.

قال في المسالك بعد نقل ذلك : وهذا الوجه الأخير موجه.

وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني وهو ما لو زوجها بمملوك إلى آخره ، فإن الوجه عندهم أنه لما كانت الكفاءة غير مشترطة بالحرية وليست الرقية من العيوب المجوزة للفسخ صح للولي أن يزوج الصغيرة بمملوك لتحقق الكفاءة ، ولا خيار لها بعد البلوغ لعدم موجبه إذ الفرض أنه لا عيب هنا ، وهكذا القول في الطفل إذا زوجه الولي بمملوكة إن جوزنا للحر تزويج الأمة مطلقا ، ولا خيار له

٢٧٦

بعد البلوغ.

وإن قلنا باشتراطه بالشرطين المشهورين ، وهما عدم الطول وخوف العنت لم يصح هنا لفقد الشرط الثاني ، لأن العنت هنا بالنسبة إلى الطفل مأمون ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

المسألة الثانية عشر : أجمع الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) وغيرهم على أنه لا يجوز التمتع بأمة الذكر إلا بإذن المالك ، وإنما الخلاف في التمتع بأمة المرأة ، فذهب الأكثر إلى أنها كأمه الرجل ، بل قال ابن إدريس : إنه لا خلاف في ذلك إلا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة (١) أوردها شيخنا في نهايته ورجع عنها في المسائل الحائريات. انتهى.

وقال الشيخ في النهاية والتهذيب : يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة.

ومنها ما رواه في الكافي عن ابن أبي نصر (٢) في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «لا يتمتع بالأمة إلا بإذن أهلها».

وعن عيسى بن أبي منصور (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بأن يتزوج الأمة متعة بإذن مولاها».

وما رواه التهذيب في الصحيح عن ابن أبي نصر (٤) «قال سألت الرضا عليه‌السلام يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال : نعم إن الله تعالى يقول (٥) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)». وبهذا الاسناد قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة رجل بإذنه؟

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ب ١٤ ح ١.

(٢ و ٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٣ ح ١ و ٢. الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ب ١٥ ح ١ و ٢.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٤ ح ٣.

(٥) سورة النساء ـ آية ٢٤.

٢٧٧

قال : نعم».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (١) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله المرأة حرة؟ قال : نعم إذا رضيت الحرة» الحديث.

وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار عدا الأول منها هو أن التمتع بالأمة بإذن أهلها جائز وصحيح ، وهذا مما لا نزاع فيه ، ولا تعلق له بما نحن فيه نفيا وإثباتا.

نعم الخبر الأول منها ظاهر في عدم جواز التمتع بالأمة إلا بإذن أهلها ذكرا كان أهلها أو أنثى ، فهي ظاهرة في رد القول المتقدم ذكره.

ويؤيدها أن وطئ الأمة تصرف في مال الغير ، وهو موقوف على الاذن كسائر التصرفات.

ورواية أبي العباس (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج الأمة بغير علم أهلها قال : هو زنا ، إن الله يقول : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)».

ونحوها روايته الثانية.

وما رواه ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) عن سيف بن عميرة (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال لا بأس بأن يتمتع الرجل بأمة المرأة بغير إذنها ، فأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سيف بن عميرة عن داود بن فرقد (٤) عن

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٦٣ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٤ ح ١.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٨٦ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٢٧ ح ١.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٦٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ح ١.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٨ ح ٤٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ح ٣.

٢٧٨

أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها فقال : إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت لرجل فلا».

وبهذا الاسناد عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها ، قال : لا بأس به».

قال في المسالك بعد نقل الثالثة من هذه الروايات : وهذه مع مخالفتها لأصول المذهب ولظاهر القرآن ـ مضطربة السند ، فإن ابن عميرة تارة يرويها عن الصادق عليه‌السلام بغير واسطة ، وتارة بواسطة علي بن المغيرة ، وتارة بواسطة داود بن فرقد واضطراب السند يضعف الرواية وإن كانت صحيحة فكيف بمثل هذه الرواية. انتهى.

أقول : لا يخفى أنه لا مانع من أن يرويها الراوي المذكور على هذه الوجوه المذكورة سيما مع اختلاف المتن ، وعد مثل ذلك اضطرابا ـ يوجب رد الرواية ممنوع.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام سبطه أيضا في شرح النافع أيضا ، فقال بعد نقل ذلك عن جده : أقول : في تسمية الاختلاف الواقع في السند على هذا الوجه اضطرابا نظر ، نعم ما ذكره ـ من مخالفتها لأصول المذهب وهو قبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، ومخالفتها لظاهر القرآن وهو قوله عزوجل «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» فإنه بإطلاقه شامل للذكر والأنثى ـ جيد ، إلا أنه لا يخفى على المتتبع للأحكام وما وقع لهم فيها في أمثال هذا المقام أنه مع ورود النص الصحيح المخالف لما ذكروه في كثير من المواضع قد خصصوا به إطلاق الآيات (٢) وقيدوا به تلك

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٧ ح ٣٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٦٣ ح ٢.

(٢) أقول : ومن ذلك أخبار الحبوة ، فإن مقتضى عموم الآيات وأخبار الميراث هو كون ذلك ميراثا لجميع الورثة ، مع أنهم قد خصوها بالولد الأكبر لهذه الاخبار.

٢٧٩

القواعد كما تقدم منا التنبيه عليه في غير مقام سيما في كتاب الوصايا في المقصد الثاني في الموصي من الكتاب المذكور.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في شرح نكت الإرشاد حيث قال ـ بعد أن ذكر أن أكثر الأصحاب أعرضوا عن العمل بها لمنافاتها الأدلة ، وربما ضعف بعضهم سيفا ، ـ والصحيح أنه ثقة ، فإن الشيخ المفيد (رحمه‌الله) (١) بالغ في إنكار مضمونها ، وكذا ابن إدريس ، وأن الشيخ في النهاية عمل

__________________

ومنها أخبار منع الزوجة من إرث أصول الأبنية والعقارات ، فان مقتضى الآيات وجملة من الاخبار هو أنها ترث من جميع التركة مع أنهم خصوها بهذه الاخبار.

ومنها من عقد على امرأة ومات في مرضه قبل الدخول بها ، فان مقتضى الآيات والروايات وأصول المذهب أنها ترثه ، لأنها زوجته بلا خلاف ، مع أن صحيح زرارة قد دل على المنع فقالوا بذلك وخصصوا بها تلك الأدلة.

ومنها ما لو طلق هو امرأته في مرض موته فإنها ترث إلى سنة ، وان خرجت من العدة أو كانت بائنة ما لم يبرء من مرضه أو تزوج هي ، فإن مقتضى الأصول والقواعد كتابا وسنة أنه لا ميراث هنا ، لأنها صارت أجنبية لا سبب لها ولا نسب فكيف ترثه ، مع أن الرواية قد دلت على الإرث ، وقالوا بمضمونها ، الى غير ذلك من المواضع التي يطول بنقلها الكلام ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فكيف يطعنون هنا في هذه الروايات بما نقلنا عنهم مع قولهم في هذه المسائل بما نقلنا عنهم فتأمل وأنصف. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(١) قال شيخنا المفيد ـ رحمه‌الله ـ : في جملة المسائل التي سأله عنها محمد بن محمد على الحائري وهي معروفة مشهورة عند الأصحاب ، سأله عن الرجل يتمتع بجارية المرأة من غير علم منها ، هل يجوز ذلك له؟ فأجاب : لا يجوز ذلك ، ولو تمتع كان آثما عاصيا ، ووجب عليه بذلك الحد.

وقد ظن قوم لا بصيرة لهم ممن يفتري على الشيعة ويميل إلى الإمامية أن ذلك جائز لحديث رووه «ولا بأس أن يتمتع الرجل من جارية امرأة من غير اذنها». وهذا حديث شاذ نادر ، والوجه فيه أنه يطأها بعد العقد عليها بغير اذنها من غير أن يستأذنها في الوطي لموضع الاستبراء ، فأما جارية الرجل فلم يأت فيه حديث نقل ذلك عنه ابن إدريس في السرائر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

٢٨٠