الحدائق الناضرة - ج ٢٣

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]

الحدائق الناضرة - ج ٢٣

المؤلف:

الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٥٦

الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كان بينه وبين امرأة فجور ، فهل يتزوج ابنتها؟ فقال : إن كان من قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وإن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها ، وليتزوجها هي إن شاء». ورواه الشيخ بسنده عن ابن يعقوب إلا أنه قال : «فليتزوج ابنتها إن شاء وإن كان جماعا فلا يتزوج».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل فجر بامرأة ، أيتزوج بأمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا».

والتقريب في هذا الخبر أنه قد تقدم أن الرضاع فرع على النسب فلو لا أنه حرام في النسب لما حرم في الرضاع.

وما رواه في الكافي عن يزيد الكناسي (٢) قال : «إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة فقال لي : أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام وتقول له : إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها ، قال : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال لي : كذب ، مره فليفارقها ، قال : فرجعت من سفري فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، فوالله ما دفع ذلك عن نفسه وخلى سبيلها» (٣).

وعن عيص بن القاسم (٤) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باشر امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض إليها ثم إلها ثم تزوج ابنتها؟ قال : إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس ، وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها».

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣١ ح ١٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٢ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٦ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٣ ح ٥.

(٣) أقول : في هذا الخبر دلالة على أن الامام عليه‌السلام قد يجيب بناء على علمه بالحال من غير التفات الى ما تضمنه السؤال (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٤) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٢ ح ٢.

٤٨١

ونقل ابن إدريس عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى عدم التحريم بالزناء المتقدم واختاره ومال إليه ، واختاره أيضا المحقق في النافع ، وفي الشرائع نسبه إلى أصح الروايتين إيذانا بنوع توقف فيه.

والذي يدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن سعيد بن يسار (١) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة ، يتزوج ابنتها؟ قال : نعم يا سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال».

وعن هاشم بن المثنى (٢) قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا فدخل عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما ، أيتزوجها؟ قال : نعم وأمها وابنتها».

وعن منصور بن حازم (٣) في الموثق قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل فجر بامرأة ، هل يجور له ان يتزوجها بابنتها؟ قال : ما حرم حرام حلالا قط».

وعن هاشم بن المثنى (٤) قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها؟ قال : نعم ، إن الحرام لا يفسد الحلال».

وعن حنان بن سدير (٥) في الموثق قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا ، هل تحل له ابنتها؟ قال : نعم إن الحرام لا يحرم الحلال».

وعن زرارة (٦) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل فجر بامرأة ، هل يجوز

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٣ ح ٦.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٦ ح ١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٤ ح ٧.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٤ ح ٩.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٨ ح ٨. الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٤ ح ١٠.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٨ ح ٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٥ ح ١١.

(٦) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٩ ح ١٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٤ ح ٩.

٤٨٢

له أن يتزوج ابنتها؟ قال : ما حرم حرام حلالا قط».

وعن صفوان في الصحيح (١) قال : «سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم آخرين ثم اشترى ابنتها ، أيحل له ذلك؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال ، ورجل فجر بامرأة حراما أيتزوج بابنتها؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على هذا القول ، وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع لم ينقلا لهذا القول دليلا من الأخبار إلا رواية هاشم بن المثنى الثانية ، ورواية حنان بن سدير ، ورداهما بضعف السند.

وقد عرفت أن فيها الصحيح باصطلاحهم ، ولكنهم لقصور التتبع لم يقفوا عليه ، وما ذكروه من الجواب غير حاسم لمادة الاشكال.

والشيخ (رحمه‌الله) في كتابي الأخبار حمل روايتي حنان بن سدير وهاشم بن المثنى الاولى على ما إذا كان الفجور بإحداهما بعد عقد الأخرى ، وباقي الأخبار على الفجور بما دون الوطي ، من تقبيل ونحوه.

ولا يخفى ما فيه من البعد والتكلف ، وما في الفرق بين الروايتين المذكورتين وغيرهما ، فإن تأويله في كل من الموضعين يأتي على الجميع ، والمسألة غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت.

واحتمل بعضهم في أخبار القول الثاني الحمل على التقية ، وهو غير بعيد ، ولا ريب في ترجيح القول المشهور بموافقة الاحتياط ، فالاحتياط يقتضي الوقوف عليه.

تذنيبات

الأول : المفهوم من كلام أكثر الأصحاب وكذا إطلاق أكثر النصوص أنه بمجرد العقد على المرأة وكونها زوجة أعم من أن يكون دخل بها أو لم يدخل ،

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٤٧١ ح ٩٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٥ ح ١٢.

٤٨٣

لو زنا بعد ذلك بأمها أو بنتها لم ينشر حرمة المصاهرة ، والمفهوم من رواية أبي الصباح المتقدمة أن ذلك مخصوص بالدخول بالزوجة لا مجرد العقد ، فلو عقد عليها ولم يدخل فزنا أفسد ذلك الزنا نكاحه ، كما لو تقدم على العقد.

ومثلها في ذلك ما رواه في الكافي عن عمار الساباطي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة ، فهل يحل لأبيه أن يتزوجها؟ قال : لا ، إنما ذلك (٢) إذا تزوجها الرجل فوطئها ثم زنى بها ابنه لم يضره ، لأن الحرام لا يفسد الحلال وكذلك الجارية».

ولم أقف على من تنبه لذلك إلا السيد السند في شرح النافع حيث ذكر دلالة رواية أبي الصباح الكناني على ذلك ثم قال : ولا أعلم بمضمون هذه الرواية قائلا ، ثم طعن فيها بأن في طريقها محمد بن الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف.

أقول : قد نقل العلامة في المختلف القول بمضمون هذين الخبرين عن ابن الجنيد ، ولكنه إنما استدل له برواية عمار خاصة.

قال في المختلف : لو سبق العقد من الأب أو الابن على امرأة ثم زنا بها الآخر لم تحرم على العاقد ، سواء دخل بها العاقد قبل الزنا من الآخر أم لم يدخل ، ذهب إليه أكثر علمائنا ، وشرط ابن الجنيد في الإباحة الوطي ، فلو عقد ولم

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٢٠ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٠ ح ٣.

(٢) قوله «انما ذلك الى آخره» يعني إنما تحل في هذه الصورة أعني صورة الوطي ، وكذلك الجارية إنما تحل في صورة وطئ السيد لها ، والا فلو زنا بها ابنه قبل الوطي ، حرمت (منه ـ قدس‌سره ـ).

٤٨٤

يدخل فزنا الآخر حرمت على العاقد أبدا ، ثم قال : لنا الأصل الإباحة ، ولأنها ثابتة قبل الزنا بمجرد العقد فيستصحب ، ولقوله عليه‌السلام (١) «لا يحرم الحرام الحلال». وهي حلال بالعقد ، فلا يقتضي الوطي الحرام تحريما ، ثم استدل له بخبر عمار وأجاب عنه بأنه استدلال بالمفهوم ، وهو ضعيف ، والسند أيضا ضعيف.

أقول : أما ضعف السند فقد عرفت في غير موضع مما تقدم أنه لا يكون حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم ، وأما ضعف المفهوم فهو مجبور بصراحة منطوق الرواية الأخرى في ذلك.

وإلى القول بمضمون هذين الخبرين مال بعض (٢) مشايخنا المحققين من متأخزي المتأخرين وهو ظاهر الشيخ في الاستبصار (٣) أيضا حيث إنه استدل بخبر عمار على التأويل الذي تأول به روايتي هاشم بن المثنى وحنان بن سدير من التفصيل الذي اشتمل عليه الخبر المذكور.

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان العمل ـ بالخبرين المذكورين وتخصيص تلك الأخبار بهما ـ غير بعيد ، واحتمال التقية فيهما من حيث إنه قول ابن الجنيد الذي يجري على مذهب العامة غالبا ممكن أيضا ، والله العالم :

الثاني : اختلف الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) فيما لو ملك الرجل جارية فوطئها ابنه أو أبوه قبل أن يطأها المالك ، فقال الشيخ في النهاية بالتحريم وبه قال ابن الجيد وابن البراج.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ٣ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٣ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٦ ح ٢.

(٢) هو الشيخ الفاضل المحقق المدقق الشيخ أحمد بن الشيخ الفاضل الشيخ محمد ابن يوسف البحراني (قدس‌سره) على ما وجدته بخطه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) الاستبصار ج ٣ ص ١٦٤.

٤٨٥

وقال الصدوق في الفقيه (١) «وإن زنا الرجل بامرأة ابنه أو بامرأة أبيه أو بجارية ابنه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ولا يحرم الجارية على سيدها ، وإنما يحرم ذلك إذا كان منه بالجارية وهي حلال ، فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه».

وقال ابن إدريس : لا فرق بين أن يطأ الولد جارية الأب قبل وطئ الأب أو بعده في عدم التحريم.

احتج الشيخ بما رواه عن عمار الساباطي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يكون له الجارية» الخبر. كما تقدم في سابق هذا التذنيب.

واحتج ابن إدريس بقوله عليه‌السلام (٣) «لا يحرم الحرام الحلال». وبقوله تعالى (٤) «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ» وقوله تعالى (٥) «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» وهذه ملك يمين ، والأصل الإباحة فلا يرجع عن هذه الأدلة القاهرة بأخبار الآحاد ، كذا نقله العلامة في المختلف ، ثم قال : ونحن في هذه المسألة من المتوقفين ، ورواية الشيخ ضعيفة السند لكن يعضدها ما تقدم من الروايات الدالة على التحريم لو زنا الابن بامرأة الأب ، والملك وإن أثمر الإباحة ، لكن يظهر أثره في الوطي ، إذ قد يملك من لا يباح له وطؤها. انتهى.

أقول : قد أورد الدليل لكلام الشيخ وكلام ابن إدريس ولم يورد لكلام

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٤ ح ٤١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٢٠ ح ٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٢ ح ٣٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٠ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤١٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٦ ح ٢.

(٤ و ٥) سورة النساء ـ آية ٣.

٤٨٦

الصدوق دليلا ، وكلام الصدوق هنا مضمون رواية زرارة (١) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا زنا رجل بامرأة أبيه أو جارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ، ولا تحرم الجارية على سيدها ، إنما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي حلال ، فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه» الحديث.

وأنت خبير بأن ظاهر إطلاق كلامه ـ وهو ظاهر الرواية المذكورة أيضا ـ هو عدم التحريم بالزنا هنا سواء كان مقدما علي الوطي أو متأخرا : وإنما المحرم إنما هو الوطي الحلال خاصة ، وهو يرجع على هذا التقدير إلى قول ابن إدريس.

ومثل هذه الرواية في هذا الإطلاق رواية مرازم (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع فقال : أثمت وأثم ابنها ، وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة ، فقلت له : أمسكها فإن الحلال لا يفسده الحرام».

وموثقة سماعة (٣) وسيأتي قريبا إن شاء الله وفيها السؤال «عن رجل عنده جارية وزوجة ، فأمرت الزوجة ابنها أن يثيب على جارية أبيه ففجر بها ، فقال : قال عليه‌السلام : لا يحرم ذلك على أبيه» الحديث.

ولا يخفى عليك أن وجه الجمع بين موثقة عمار وهذه الأخبار الثلاثة هو تقييد إطلاق هذه الأخبار بالموثقة المذكورة ، فتحمل حينئذ على كون الزنا وقع بعد وطئها المالك.

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٩ ح ٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨١ ح ٢٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣١٩ ح ١.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٩ ح ٨ ، التهذيب ج ٧ ص ٢٨٣ ح ٣٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٠ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٨ ص ١٧٩ ح ٥١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٥٦٤ ح ٣.

٤٨٧

ومثل الموثقة المذكورة في التحريم بتقديم الزنا على وطء المالك حسنة الكاهلي (١) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن رجل اشترى جارية ولم يمسها فأمرت امرأته ابنه ، وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها فوقع عليها فما ترى فيه ، فقال : أثم الغلام وأثمت امه ، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها» ، الحديث.

وبذلك يزول الاشكال ويرجع الكلام هنا إلى ما تقدم في صدر المقام من الخلاف فيما لو كان الزنا متقدما على النكاح بالنسبة إلى المرأة الحرة ، وابن إدريس إنما قال بعدم التحريم من حيث قوله ثم بعدم التحريم كما تقدم.

وبذلك يظهر لك أن توقف العلامة ـ هنا مع قوله بالتحريم في تلك المسألة ـ لا وجه له ، وبالجملة فالظاهر أن هذه المسألة أحد جزئيات تلك المسألة المتقدمة ، والله العالم.

الثالث : قد اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أنه لو زنا بالعمة والخالة حرمت عليه بناتهما ، حتى من الشيخ المفيد والسيد المرتضى القائلين بعدم نشر الحرمة في الزنا السابق ، وقد جعلوا هذا الفرد مستثنى من محل الخلاف السابق.

واستدلوا عليه بما رواه ثقة الإسلام (٢) في الكافي في الصحيح أو الحسن عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم قال : «سأل رجل أبا عبد الله وأنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها. فقال. لا ، قلت : إنه لم يكن أفضى إليها ، إنما كان شي‌ء دون شي‌ء ، فقال : لا يصدق ولا كرامة».

ورواه الشيخ في التهذيب (٣) بطريق موثق عن أبي أيوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤١٨ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣١٩ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤١٧ ح ١٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٩ ح ١.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣١١ ح ٤٩ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٢٩ ح ٢.

٤٨٨

قال : «سأله محمد بن مسلم وأنا جالس عن رجل نال من خالته وهو شباب ثم ارتدع ، أيتزوج ابنتها. قال : لا ، قال : إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي‌ء دون ذلك ، قال : كذب».

وادعى المرتضى الإجماع على الحكم المذكور في الانتصار (١) ، ونازع ابن إدريس في المسألة ، إلا أنه لم يجتر على المخالفة ، قال في كتابه : وقد روي أن من فجر بعمته أو خالته يحرم عليه ابنتاهما.

أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره ، فإن كان على المسألة إجماع فهو الدليل عليها ، ونحن قائلون وعاملون بذلك ، وإن لم يكن إجماع فلا دليل على تحريم البنتين المذكورتين من كتاب ولا سنة ، ولا دليل عقلي ، وليس دليل الإجماع في قول رجلين ولا ثلاثة ، ولا من عرف اسمه ونسبه ، لأن وجه كون الإجماع عندنا حجة دخول قول المعصوم ـ للأمن من الخطأ ـ في جملة القائلين بذلك.

قال في المختلف ـ بعد أن أورد هذا الكلام ـ : وهذا يشعر بعدم جزمه بالتحريم وتوقفه فيه ، ولا بأس في التوقف في هذه المسألة ، فإن عموم قوله تعالى (٢). «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» يقتضي الإباحة. انتهى.

أقول : العجب منه (قدس‌سره) في توقفه هنا مع قوله في الكتاب المذكور بأن الزنا السابق ينشر حرمة المصاهرة كما هو القول المشهور ، فكيف يتوقف في حكم العمة والخالة مع دخولهما في العمومات الدالة على الحكم المذكور ، والتوقف إنما يحسن من مثل ابن إدريس القائل بعدم نشر الحرمة ثمة ، لعدم

__________________

(١) حيث قال : مما ظن انفراد الإمامية به القول بأن من زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بنتاهما ، ثم ذكر أن بعض العامة وافق على ذلك وأن أكثرهم خالفوا ، ثم استدل على التحريم بالإجماع والاخبار. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) سورة النساء ـ آية ٢٤.

٤٨٩

الدليل عنده على استثنائه من الإجماع الذي يعتمد عليه : وخبر الواحد ليس بدليل عنده.

وبالجملة فإن قوله بالتوقف هنا وقع عن غفلة وسهو ، ومن عمل بالرواية ـ من القائلين في تلك المسألة بعدم التحريم ـ قال بالتحريم هنا للرواية ، لكن مورد الرواية إنما هو الخالة خاصة ، فإلحاق العمة بها قياس لا يوافق أصول المذهب.

وطعن في المسالك في الرواية المذكورة بأنها ضعيفة السند ردية المتن ، قال : فإن السائل لم يصرح بوقوع الوطي أولا ، وصرح بعدمه ثانيا ، وكذبه الإمام في ذلك ، وهذا غير لائق بمقامه ، وهو قرينة الفساد ، ومع ذلك فهي مخصوصة بالخالة ، فإلحاق العمة بها قياس ، والإجماع غير متحقق بمثل ذلك.

أقول : أما طعنه بضعف السند فهو مبني على نقله الرواية من التهذيب ، فإنها فيه وإن كانت موثقة ، لكنه يعد ذلك من قسم الضعيف ، وإلا فهي في الكافي حسنة على المشهور بإبراهيم بن هاشم الذي قد عد حديثه في الصحيح جملة من فضلاء أصحاب هذا الاصطلاح.

وأما الطعن بالاشتمال على الخالة خاصة فهو جيد كما قدمنا ذكره. وأما الطعن ـ برداءة المتن ومثله قول سبطه إن متن هذه الرواية لا يخلو من تهافت ـ فلا أعرف له وجها وجيها ، إذ ليس فيها أزيد من تكذيبه عليه‌السلام الناقل فيما نقله في هذه الواقعة من عدم الإفضاء ، وحكمه عليه‌السلام بالإفضاء الذي رتب عليه التحريم ، والنهي عن تزويج ابنتها ، وقد مر نظيره في رواية يزيد الكناسي.

ومرجع ذلك إلى حكمه بعلمه ، فإن أعمال العباد تعرض عليهم ، ويعرفون صحيحها وفاسدها ، وفي هاتين الواقعتين علم عليه‌السلام كذب المخبر فيما أخبر به من عدم الإفضاء ، وأي مانع من ذلك وأي تهافت هنا في متن الخبر.

والتحقيق في المقام أن يقال : إن العمل في هذه المسألة على ما تقدم في تلك المسألة من الخلاف في نشر الحرمة بالزنا السابق وعدمه ، فإن قلنا بنشر الحرمة كما هو المشهور فلا إشكال : لأن هذا الفرد أحد جزئيات تلك المسألة.

٤٩٠

بل أولى بالتحريم ، فإن قلنا بالعدم وجب الوقوف على هذه الرواية باستثناء الخالة خاصة من الحكم المذكور.

إلحاق :

يشتمل على جملة من أحكام الزنا ذكرناها في هذا المقام استطرادا لتتميم الكلام.

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز التزويج بالزانية وإن كانت مشهورة بالزناء على كراهية ، سواء الزاني وغيره ، فقال الشيخان : إن من فجر بامرأة لم يجز له تزويجها إلا بعد ظهور توبتها ، وتبعهما ابن البراج وكذا أبو الصباح ، إلا أنه أطلق الحكم في الزاني وغيره ، ومثله أيضا الصدوق في المقنع (١) ومال السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع إلى التحريم في المشهورة بالزنا قبل التوبة ، والجواز في غيرها على كراهة ، وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح.

أقول : والأخبار في هذا المقام كثيرة ، إلا أنها مختلفة جدا على وجه يعسر انطباقها سيما على القول المشهور ، وأصحابنا (رضوان الله عليهم) ، لم يستوفوها كملا في الكتب الاستدلالية ، ولم يجمعوا بينها على وجه يحسم مادة الإشكال في هذا المجال.

ولا يخفى على من راجعها أنها قد خرجت على أقسام ثلاثة.

الأول : ما دل منها على تحريم التزويج بمن اشتهر بالزنا ذكرا كان أو أنثى ما لم يعرف منه التوبة.

ومنها ما رواه في الكافي والفقيه (٢) عن داود بن سرحان عن زرارة في

__________________

(١) حيث قال في المقنع : ولا يتزوج الزانية ولا يزوح الزاني حتى يعرف منهما التوبة قال الله عزوجل «الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٤ ح ١ ، باختلاف يسير ، التهذيب ج ٧ ص ٤٠٦ ح ٣٤ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٥٦ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٥ ح ٢.

٤٩١

الصحيح برواية الفقيه قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (١) «الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ» قال : هن نساء مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون بالزنا ، شهروا بالزنا وعرفوا به ، والناس اليوم بتلك المنزلة ، من أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة».

و «لم ينبغ» في الخبر مراد به التحريم كما تكاثر في الأخبار من استعمال «ينبغي» في الوجوب و «لا ينبغي» في التحريم ، ويدل على ذلك قوله عزوجل في آخر الآية المذكورة في الخبر «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (٢).

وصدر الآية وإن كان بلفظ الخبر إلا ان المراد به الإنشاء ، وهو النهي عن ذلك.

وقوله عليه‌السلام «والناس اليوم بتلك المنزلة» إشارة إلى أن الآية وإن نزلت في الموجودين في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن حكمها جار فيمن تأخر إلى يوم القيمة كما في جملة من الآيات النازلة في قضايا مخصوصة يومئذ (٣).

وما رواه في الكافي (٤) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قوله عزوجل

__________________

(١ و ٢) سورة النور ـ آية ٣.

(٣) وروى علم الهدى في رسالته المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده المذكور ثمة عن على عليه‌السلام «قال : وأما ما لفظه خصوص ومعناه عموم فقوله الى أن قال : وقوله سبحانه «الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» فنزلت هذه الآية في نساء كن بمكة معروفات بالزنا منهن سارة وخثيمة ورباب حرم الله نكاحهن ، فالاية جارية في كل من كان من النساء مثلهن» انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ). وهذه الرواية في الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٦ ح ٥.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٣٥٥ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٦ ح ٣.

٤٩٢

(الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً)» قال : هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشهورين بالزنا ، فنهى الله عزوجل عن أولئك الرجال والنساء ، والناس اليوم على تلك المنزلة ، من شهر شيئا من ذلك أو أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته».

وعن حكم بن حكيم في الموثق (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل «(وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)؟ قال : إنما ذلك في الجهر ، ثم قال : لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث شاء».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن الحلبي (٢) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنى ولا يزوج الرجل المعلن بالزنى إلا بعد أن تعرف منهما التوبة».

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (٣) «ولا يجوز مناكحة الزاني والزانية حتى يظهر توبتهما ، وإن زنى الرجل بعمته أو بخالته حرمت عليه ابنتاهما أن يتزوجهما ومن زنى بذات البعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له ابدا ، ويقال لزوجها يوم القيمة خذ من حسناته ما شئت». انتهى.

وفيه دلالة على تحريم ذات البعل مؤبدا على من زنى بها ، وهو مما لا خلاف فيه وإن ناقش فيه بعض متأخري المتأخرين بعدم وجود المستند ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله في محله.

أقول : وهذه الروايات كما ترى على تعددها صريحة في التحريم مؤبدة

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٥ ح ٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٦ ح ٤.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٥٦ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧ ح ٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٥ ح ١.

(٣) فقه الرضا ص ٣٧ ، مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٥٧٦ ب ١١ ح ٨.

٤٩٣

بالآية الشريفة المراد بها النهي المؤكد بقوله في آخرها «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» إلا أن بإزائها جملة من الأخبار التي ظاهرها المعارضة.

ومنها ما رواه في التهذيب عن زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها؟ فإذا النثاء (٢) عليها شي‌ء من الفجور ، فقال : لا بأس أن يتزوجها ويحصنها».

وهذه الرواية أجاب عنها الشيخ بالحمل على التوبة ، والأظهر ما ذكره في الوافي من الحمل على غير المشهورة.

وعن علي بن يقطين (٣) قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : نساء أهل المدينة ، قال : فواسق ، قلت : فأتزوج منهن؟ قال : نعم».

وعن عباد بن صهيب (٤) عن جعفر بن محمد عليه‌السلام قال : «لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني ، وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شي‌ء».

وعن زرارة (٥) قال : «سأله عمار وأنا حاضر عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة؟ قال : لا بأس ، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (٦) قال : «سألت

__________________

(١) التهذيب ج ٧ ص ٣٣١ ح ٢١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٣ ح ٢.

(٢) النثاء والإثم : بالثاء المثلثة ، وهو مقصور كالثناء بتقديم المثلثة ، والأول يقال في الشر ، والثاني في الخير خاصة ، وقيل ان الأول يستعمل فيهما معا والثاني في خصوص الخير ، وحينئذ فقوله «شي‌ء من الفجور» بدل من النثاء. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٦ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٣١ ح ٢٠ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٣ ح ١.

(٥) التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ ح ١٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٣ ح ٤.

(٦) قرب الاسناد ص ٧٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٤ ح ٦.

٤٩٤

أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال : نعم ، وما يمنعه؟ ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخالفة الولد».

أقول : وطريق الجمع ـ بين هذه الأخبار وما في معناها وبين الأخبار المتقدمة ـ حمل هذه الأخبار على غير المشهورة لعدم الإشارة في شي‌ء منها فضلا عن التصريح بكون المزني بها مشهورة بذلك.

وأما ما فعله في الوسائل تبعا للمشهور ـ من حمل الأخبار الأولة على الكراهة جمعا بين الأخبار بزعمه ـ فهو عن مضامين تلك الاخبار في غاية البعد ، بل هو مما يقطع ببطلانه لصراحتها في التحريم ، سيما بمعونة الآية التي إنما وردت تلك الأخبار تفسيرا لها إذ لا خلاف في أن صدر الآية وإن كان بلفظ الخبر لكنه مراد به النهي كما ينادى به قوله عليه‌السلام في رواية محمد بن مسلم «فنهى الله عزوجل عن أولئك» ونواهي الله سبحانه للتحريم اتفاقا إلا مع القرينة.

وإنما الخلاف في أوامر السنة ونواهيها ، مؤكدا بقوله عليه‌السلام في آخر الآية «وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» فأي مجال للحمل هنا على الكراهة كما زعمه والحال كما ترى ، إلا أنه ينبغي أن يقيد جواز التزويج بها متى كانت غير مشهورة بأن يحصن بابه ، كما تضمنته جملة من الأخبار المذكورة بحمل مطلقها على مقيدها في ذلك فلو لم يحصن بابه لم يجز له تزويجها لما يأتي في أخبار القسم الثالث من عدم جواز التزويج بالمرأة التي زنى بها حتى يعرف منها التوبة (١).

الثاني : ما يدل نصا على وجوب التفريق بين الزوجين إذا زنا أحدهما بعد العقد وقبل الدخول.

ومنها ما رواه في الفقيه عن طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «

__________________

(١) وفي هذه المسألة تحقيق آخر ذكرناه في آخر الفصل الثاني في المسائل الملحقة بالعقد في المسألة الخامسة منها فليراجع. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٣٧ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٩٠ ح ١٧٥ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٦ ح ٣.

٤٩٥

قرأت في كتاب علي عليه‌السلام أن الرجل إذا تزوج المرأة فزنى من قبل أن يدخل بها لم تحل له ، لأنه زان ويفرق بينهما ويعطيها نصف المهر».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن جعفر (١) في الصحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال : يجلد الحد ويحلق رأسه ، ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة».

وعن الحسن بن محبوب عن الفضل بن يونس (٢) في الموثق قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت؟ قال : يفرق بينهما وتحد الحد ولا صداق لها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن السكوني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل : يفرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان من قبلها».

وبمضمون هذه الأخبار أفتى الصدوق في كتاب المقنع فقال : وإذا تزوج الرجل المرأة فزني قبل أن يدخل بها لم تحل له لأنه زان ، ويفرق بينهما ويعطيها نصف الصداق» وفي حديث آخر «يجلد الحد ويحلق رأسه ، ويفرق بينه وبين أهله وينفى سنة ، وإذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرق بينهما ولا صداق لها ، لأن الحدث من قبلها».

__________________

(١) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ح ٣٦ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٨٩ ح ١٧٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦١٦ ح ٢.

(٢) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٣٩ ، التهذيب ج ٧ ص ٤٩٠ ح ١٧٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٢.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٥٦٦ ح ٤٥ ، التهذيب ج ١٠ ص ٣٦ ح ١٢٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٣٨ ، الوسائل ج ١٤ ص ٦٠١ ح ٣.

٤٩٦

ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (١) عن الشيخ المفيد وسلار وابن البراج وابن الجنيد وأبي الصلاح أنه ترد المحدودة في الفجور ، ويمكن أن يكون مستندهم هذه الأخبار ، والمشهور بين المتأخرين عدم الفسخ والتفريق (٢) هذا.

وقد ورد ما يناقض هذه الأخبار فيما دلت عليه من هذه الأحكام وبه أفتى الصدوق في علل الشرائع (٣) حيث قال ـ بعد إيراد حديث طلحة المذكورة ـ : والذي افتى به وأعتمد عليه في هذا الباب ما حدثني به محمد بن الحسن (رحمه‌الله) عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير وفضالة بن أيوب عن رفاعة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله ، أيرجم؟ قال : لا قلت : يفرق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها ، قال : لا» وزاد فيه ابن أبي عمير «ولا يحصن بالإماء».

وهو كما ترى صحيح السند صريح الدلالة فيما قلناه ، والعجب من اختلاف فتوى الصدوق في هذه المسألة كما عرفت ، فإنه غير معهود من قاعدته ، ولا موجود

__________________

(١) هو شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في حواشيه على كتب الاخبار.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٢) أقول : العجب من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث انه انما احتج للقائلين بجواز الفسخ في صورة زناء الزوجة باشتماله على العار ، فكان موجبا للتسلط على الفسخ ثم رد بأنه متسلط عليه بالطلاق ، فيدفع به الضرر ، وغفل عن الروايات التي نقلناها في الأصل ، فإنها صريحة في التفريق ، سواء كان الزنا من الزوجة أو الزوج.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(٣) علل الشرائع ص ٥٠٢ ب ٢٦٤ ط النجف الأشرف ، الكافي ج ٧ ص ١٧٩ ح ٨ ، الفقيه ج ٤ ص ٢٩ ح ٤ ، التهذيب ج ١٠ ص ١٦ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٨ ص ٣٥٨ ح ١ و ٢.

٤٩٧

في طريقته وعادته.

ومما يؤيد العمل بهذا الخبر ظهور مخالفة هذه الأخبار المقابلة له لما قدمناه من الأخبار ، وما يأتي في القسم الثالث ، فإن الأخبار المتقدمة منها ما دل على جواز تزويج المشهورة بالزنا مع العلم بالتوبة ، ومنها ما دل على جواز التزويج بغير المشهورة وإن لم يعلم منها توبة.

والأخبار الآتية قد دلت على جواز تزويج من زنى بها سابقا بشرط ظهور التوبة ، وجملة منها مطلق في الجواز ، والجميع دال على جواز تزويج الزانية إما مع شرط التوبة أو مع عدمه ، وحله من غير أن يترتب عليه شي‌ء ، فكيف يترتب على هذا الزاني وإن كان مرة واحدة قبل الدخول هذه الأحكام المغلظة من وجوب التفريق ، وبطلان النكاح ، وأن يحلق رأسه ، وينفى من بلده سنة ونحو ذلك.

ومن الظاهر أن هذا النوع إن لم ينقص عن تلك الأنواع الأخر لم يزد عليها ، فإن خصوصية العقد هنا لا مدخل له في هذه الأحكام المغلظة المترتبة على هذا الزنا.

ويقرب عندي احتمال خروج هذه الأخبار مخرج التقية ، فإن ما اشتملت عليه من هذه الأحكام المغلظة لا يوافق مقتضى قواعد الشريعة السمحة السهلة المبنية على التخفيف ، سيما مع مقابلتها بما هو أكثر منها عددا وأصح سندا من الأخبار المشار إليها.

ويمكن الجمع ـ وإن بعد بين هذه الأخبار وبين صحيحة رفاعة ـ بحمل الأخبار المذكورة علي من اشتهر بالزنا مع عدم التوبة وحمل صحيحة رفاعة على من لم يشتهر أو اشتهر لكن تاب بعد ذلك ، والله العالم.

الثالث : ما يدل على حكم الرجل يتزوج المرأة بعد أن زنى بها.

وقد اختلفت الأخبار في ذلك ، فجملة منها دلت علي الجواز بشرط ظهور

٤٩٨

التوبة منها ، وجملة دلت على الجواز مطلقا.

ومن الأول ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب (١) عن عمار بن موسى في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يحل له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ فقال : إن آنس منها رشدا فنعم ، وإلا فليراودنها على الحرام ، فإن تابعته فهي عليه حرام ، وإن أبت فليتزوجها».

وما رواه في الكافي (٢) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ، ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور ، فله أن يتزوجها وإنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها». ورواه الشيخ مثله إلى قوله «فله أن يتزوجها». ولم يذكر شرط التوبة.

وما رواه في التهذيب (٣) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام أو أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو أن رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شي‌ء من ذلك».

وما رواه في التهذيب والفقيه (٤) عن أبي بصير في الموثق قال : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد ، أن يتزوجها ، فقال : إذا تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف تعرف توبتها؟ قال : يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام فإن امتنعت

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٣٥٥ ح ١ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٢٨ ح ٧ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣١ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٤ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣١ ح ٤.

(٣) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧ ح ٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣١ ح ٥.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧ ح ٦ ، الفقيه ج ٣ ص ٢٦٤ ح ٤٢ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٢ ح ٧.

٤٩٩

واستغفرت ربها عرف توبتها».

وفي مرفوعة ابن أبي يعفور (١) «قال عليه‌السلام : يتعرض لها فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل».

وعلى هذه الأخبار اعتمد الشيخان ومن تبعهما في تحريم تزويجها ما لم يعلم توبتها ، كما قدمنا نقله عنهما في صدر الإلحاق المذكور ، وكذا من أطلق الحكم في الزوجة وغيرها.

ومن الثاني : وهو ما دل على الجواز مطلقا ما رواه في الكافي والتهذيب (٢) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا ، قال : أوله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من تمرها حراما ثم اشتراها بعد ، فكانت له حلالا».

وما رواه في الكافي (٣) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها؟ فقال : حلال ، أو له سفاح وآخره نكاح ، أوله حرام وآخره حلال».

وما رواه في الفقيه (٤) عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال لا بأس إذا زنى رجل بامرأة أن يتزوج بها بعد ، وضرب مثل ذلك مثل رجل سرق تمرة نخلة ثم اشتراها بعد».

وظاهر المتأخرين الجمع بين هذه الروايات بحمل النهي في الأخبار الأولة عن تزويجها حتى تعرف توبتها على الكراهة دون التحريم ـ مستندين كما ذكره في

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ ح ٤ ، الوسائل ج ١٤ ص ٤٥٣ ح ٢.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٢ ، التهذيب ج ٧ ص ٣٢٧ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣١ ح ٣.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣٥٦ ح ٣ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٠ ح ١.

(٤) الفقيه ج ٣ ص ٢٦٣ ح ٤١ ، الوسائل ج ١٤ ص ٣٣٢ ح ٨.

٥٠٠